لماذا ينحاز السيسي إلى الهوية الفرعونية على حساب الإسلام؟
رابطة علماء أهل السنةيمضي نظام الجنرال عبدالفتاح السيسي على خطى سابقيه من الجنرالات الذي سطوا على حكم مصر بانقلاب 23 يوليو 2013م بتكريس نزعة التباهي والتفاخر بالحضارة المصرية القديمة المعروفة باسم «الفرعونية»، الإعلام والسينما والدراما وحتى مناهج التعليم تكرس هذه النظرة تجاه الفرعونية بوصفها حضارة قل لها نظير في العالم، ومنذ عقود وحتى اليوم تصر الآلة الإعلامية للسلطة العسكرية في مصر على وصف المنتخب المصري لكرة القدم بمنتخب الفراعنة، باستثناء فترة قصيرة في العقد الأول من الألفية الجديدة عندما أطلق على المنتخب وصف منتخب الساجدين لوجود نخبة من اللاعبين المتدينيين على رأسهم أمير القلوب محمد أبو تريكة.
وخلال السنوات الماضية أبدى نظام الجنرال السيسي أعلى صور التباهي والافتحار بالفرعونية فقد تم افتتاح المتحف المصري القديم في مصر القديمة وجرى نقل بعض الآثار من المتحف المصري بالتحرير إليه في احتفال أسطوري تكلف مئات الملايين، وهو الاحتفال الذي تكرر رغم الأوضاع الاقتصادية المتردية وبلوغ الديون العامة مستويات قياسية وغير مسبوقة وصلت إلى نحو 6 تريليونات جنيه محليا ونحو 140 مليار دولار خارجيا، بالتزامن مع تراجع موارد الدولية وتفشي جائحة كورونا وتداعيات العدوان الروسي على أوكرانيا.
تفسير عبري للنزعة الفرعونية
وفي هذا السياق، قالت الباحثة العبرية ميرا تسوريف، إن الجنرال عبدالفتاح السيسي يعمل على تثبت دعائم حكمه الاستبددي عبر استنساخ الماضي الفرعوني من أجل تبرير مزاعم تطبيق نظام حكم فعال ومركزي ومطلق الصلاحيات على حساب الهوية العربية والإسلامية للبلاد. وبحسب الأكاديمية في مقال نشره مركز "ديان" لدراسات الشرق الأوسط وإفريقيا في جامعة تل أبيب الخميس0 9 مارس 2022م، فإن فترة حكم السيسي فرعونية السمات من نواح عديدة أهمها تدشين وافتتاح المتحف المصري الجديد في الفسطاط بتكلفة ملياري جنيه مصري، كما أن إعادة وزير خارجية الاحتلال يائير لابيد بعض التحف الأثرية الفرعونية المسروقة خلال زيارته الأخيرة للقاهرة قوبل بترحيب واسع في الإعلام المصري. علاوة على أن الحفل الذي نقل 22 مومياء من ميدان التحرير إلى مقرها الجديد بالفساط تكلفت ميزانية طائلة حيث شارك فيها آلاف ممن ارتدوا الزي الفرعوني مصطفين حول مراكب كانت تقل المومياوات تم تصميمها على شكل قوارب في نهر النيل. كما أن وزارة المالية صكت ورقة نقدية من فئة المئة جنيه تحمل صورة مسيرة الذهب الفرعونية بالعربية والإنجليزية. وحتى القنوات التي بثّت المسيرة الفرعونية الذهبية قبل نحو عام، أبحرت في وصفها وكيْل المديح للثقافة الفرعونية، وشددّت على أن مصر هي عرش الحضارات وفيها ولد التاريخ والحضارة الإنسانية منذ آلاف السنين، وبعد أيام نشرت وسائل الإعلام المصرية بتوسّع عن اكتشاف "مدينة الذهب المفقودة" في الأقصر التي تأسسّت على يد الملك الفرعوني أمنحوتوب الثالث.
وترى الباحثة الإسرائيلية أن تعزيز الهوية الفرعونية تخدم أجندة عبد الفتاح السيسي فهو يقود المعركة على الوعي ضد عدو النظام الحاكم، خاصة الإخوان المسلمين، ممن يتعامل معهم السيسي كأعداء. وشددت في الوقت ذاته على أن الهوية الفرعونية التي يرعاها السيسي كمحاولة لتبرير الزعم بأن الحصول على حكم فعال مجد يلزم بنظام حكم مركزي ومطلق الصلاحيات على غرار الفراعنة وبالتالي منح الشرعية لحكمه الاستبدادي. كما يتم الدعاية للفرعونية كونها تمنح الصلاحية لتوجهات السيسي الرامية إلى تعزيز العلاقات مع دول البحر المتوسط على أساس أن المصريين القدماء نسجوا علاقات وثيقة مع بلدان حوض البحر المتوسط.
احتفاء يدعم الاستبداد
هذا الاهتمام المبالغ فيه من النظام نحو الفرعونية يستهدفون به التغطية على النزعة الاستبدادية المتطرفة التي مارسها الفراعنة قديما في محاولة للتغطية على الاستبداد القائم والطغيان المفرط الذي يمارسه نظام السيسي بحق الشعب المصري. فالرسالة واضحة؛ أن ما مصر ما نهضت إلا تحت حكم الطغاة والمستبدين من الفراعنة، رغم أن القرآن يؤكد عكس ذلك تماما ويؤكد أن الفرعونية كانت نظاما باطشا جبارا ينشر الظلم والفساد في الأرض.
هذا الموقف المتطرف في الاحتفاء بالفرعونية، رغم مساوئها دفع عالمة المصريات بجامعة كاليفورنيا "كارا كوني" إلى المطالبة بالتوقف عن إضفاء الطابع الرومانسي على إرث الحضارة الفرعونية "الاستبدادي"، حسب وصفها، مشيرة إلى أن "الإعجاب غير النقدي للفراعنة الذي استمر حتى يومنا هذا أساس ثقافي يدعم الاستبداد الحديث".
وتحدثت "كوني" في ( نوفمبر 2021) عن أوجه تشابه مباشرة بين حكام ما قبل 3000 عام و"الطغاة المعاصرين" في مصر، مشيرة إلى أن الفراعنة هم أول من أوجد "حجة أخلاقية مقنعة للسلطة التي لا تزال تضلل الناس اليوم"، وفقا لما أورده الموقع الرسمي لجامعة كاليفورنيا.
ولفتت عالمة المصريات إلى أن النظام الفرعوني هو أحد أقدم الأنظمة "الأبوية"، التي تضر النساء والرجال على حد سواء، مشيرة إلى أن ما يفعله النظام المصري الحاكم حاليا هو تكرار للأنماط التاريخية التي أدت مرارًا وتكرارًا إلى انهيار السلطة في البلاد.
وأضافت أن الفراعنة كانوا أبرز من قدم النظام الاستبدادي على أنه جيد ونقي وأخلاقي، مشددة على أهمية تسليط الضوء على هذا الوجه من الحضارة المصرية القديمة؛ باعتبارها حضارة يتم تسويقها إعلاميا حتى اليوم. وأشارت إلى أن مفاهيم استبدادية كثيرة كانت وجها للنظام الفرعوني القديم، ومنها المجتمع الأبوي، والاستغلال، وإكراه النساء، وهي مفاهيم لا تزال باقية وتعاني منها المجتمعات الحديثة.
ونوهت "كوني" إلى أن النظام الأبوي يدمر نفسه ويقود مجتمعه نحو الانهيار في دورات تاريخية متعاقبة منذ آلاف السنين، مضيفة: "علينا أن ننهاض الأبوية لإعادة بناء شيء يحمينا بشكل أفضل من إساءة استخدام السلطة".
مشايخ يناقضون القرآن
كان خالد الجندي، عضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية، وأحد شايخ السلطة، قد ناقض القرآن الكريم؛ مدعيا خلال تقديمه برنامج "لعلهم يفقهون"، المذاع عبر فضائية "دي إم سي" في 25 يوليو 2019م، أن الفراعنة، "من أنظف مخلوقات الله في الأرض". مستنكرا ما وصفها بنظرة البعض المستهجنة للفراعنة، قائلًا: "هي الفراعنة كلمة عيب؟ يا أخي عيب عليكم، ده أنتم حتى مقرأتوش القرآن".
وللتدليل على رأيه الشاذ الذي يناقض صريح القرآن، يقول الجندي الذي سبق أن أبدى فخره بأنه أحد مشايخ السلطة، إن "الفراعنة كان فيهم ناس أتقياء، التاريخ الإنساني ماشفش زيهم، عيب لأنهم هيمسكوا في رقبتكم يوم القيامة، دول طلعوا سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم، امرأة فرعون، أنتم مالكوا كده بتستعروا من الفراعنة". وتابع: "دول أنضف مخلوقات الله في الأرض، وأعلى منظومات التوحيد اللي عرفت في تاريخ البشرية، ولازم نتكلم عنهم باحترام أكتر من كده، لأن فيهم أولياء لله صالحين، وبنتشرف إننا بننتمي إليهم".
التلاعب بالهوية المصرية
الاهتمام المبالغ فيه من جانب نظام العسكر في مصر بالفرعونية هو جزء من مخططات التلاعب بالهوية المصرية التي يمثل الإسلام أحد أهم مرتكازتها. ومنذ انقلاب السيسي في يوليو 2013م على المسار الديمقراطي واغتيال أول رئيس مدني منتخب من الشعب في تاريخ مصر في سجون العسكر، يجري في هدوء أوسع انقلاب على تلك الهوية المصبوغة بالعروبة والإسلام؛ من أجل تشكيل أجيال جديدة لا تستمد قيمها من الإسلام ولا تجري في دمائها قيمه ومبادئه، مع الإخلال بهذه التركيبة (الإسلامية ـ العربية ـ المصرية) من أجل دمج الكيان الصهيوني لتتحول العلاقة مع الاحتلال من عدو إلى صديق في إطار تشكيل ما يسمى بالشرق الاوسط الكبير؛ وذلك بعد أن تمكن جنرالات العسكر من تغيير العقيدة القتالية للجيش ليكون العدو هو من يرفض دمج “إسرائيل” في التركيبة الإقليمية برعاية أمريكية خالصة.
وكان «مركز أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي» قد أصدر في 28 يناير 2019م، دراسة أعدها الباحثان عوفر فنتور وأساف شيلوح، بعنوان «هوية مصر في عهد السيسي: السمات المميزة للإنسان المصري الجديد»، تناولت فيها مظاهر ومآلات الحملة الواسعة التي يشنها نظام زعيم الانقلاب عبدالفتاح السيسي من أجل إعادة صياغة الهوية الوطنية لمصر؛ من خلال السعي أولا لتقليص مركّبها الإسلامي والعربي، وثانيا احتواء سماتها الثورية، وثالثا العمل على بناء جيل مصري جديد يكون أكثر استعداداً للاصطفاف حول الأجندة التي يفرضها النظام، إلى جانب أنها ترمي رابعا إلى تحسين صورة النظام في الخارج.
وتلفت الدراسة إلى حقيقة أن النظم الشمولية هي التي عادة ما تنشغل في شنّ حملات، تهدف إلى التأثير على مركّبات الهوية الوطنية أو تسعى إلى بناء توازنات جديدة فيها؛ من أجل إيجاد متطلبات تضمن بقاء نظامه وضمان استمراره واستقراره، من خلال إثارة جدل الهوية أملا في أن يسهم ذلك في صياغة بيئة داخلية وبناء نخبة شبابية، تكون أكثر استعداداً لاستخدام كل الأدوات والوسائل التي تخدم النظام وتعمل على تحقيق أهدافه.
وفي يوليو 2018 كلف زعيم الانقلاب القوات المسلحة بتنبي ما أسماه بمشروع “الهوية المصرية، وذلك لأن عقيدة الجيش المصري تغيرت بالفعل وفقا لتصورات السيسي وأركان نظامه، فبات الإسلاميون والثوار هم “الآخر العدو” وأضحت “إسرائيل” هي الصديق الذي يتعين دمجه والتقرب منه والعمل على ضمان أمنه واستقراره بتوثيق العلاقات والتحالفات العسكرية والاقتصادية والسياسية!