السيسي يخصص 37 جزيرة للجيش المصري.. لماذا؟
رابطة علماء أهل السنةفي الوقت الذي يحيي فيه المصريون الذكرى الـ11 لثورة كانون الثاني/ يناير 2011، أعلن رئيس النظام عبدالفتاح السيسي، في قرار جمهوري رقم (18 لسنة 2022)، تخصيص 36 جزيرة بنهر النيل، وواحدة بحرية بساحل البحر المتوسط، لصالح القوات المسلحة.
وينص القرار الصادر الثلاثاء، على أن "يودع نصه وحوافظ بالأبعاد والمساحات التفصيلية لتلك الجزر بمكتب الشهر العقاري المختص بغير رسوم"، كما "يترتب على هذا الإيداع آثار الشهر القانونية".
وتبين من الأوراق المرفقة بالقرار، أن وزير الري المصري محمد عبدالعاطي، أعد مشروعا لنقل تبعية العديد من الجزر إلى القوات المسلحة "حماية لها من مختلف التهديدات".
وجاء قرار السيسي بضم 36 جزيرة نيلية للجيش، رغم وجود قرار سابق أصدره رئيس الوزراء الأسبق كمال الجنزوري في عهد حسني مبارك (قرار 1969 لسنة 1998) يعتبر كل الجزر الواقعة داخل مجرى نهر النيل محميات طبيعية، ويحظر تماما الإضرار بها.
موقع الجزر
من بين الجزر المذكورة بالقرار "القرصاية" (139 فدانا)، والتي يحاول الجيش انتزاع ملكية الأهالي منها منذ العام 2007، مستخدما القوة لتهجير وطرد الأهالي البالغ عددهم نحو 5 آلاف نسمة، ما تسبب في قتل الشرطة العسكرية لـثلاثة مدنيين وإصابة خمسة واعتقال آخرين في مواجهات تشرين الثاني/ نوفمبر 2012.
ومن الجزر ذات الأهمية التي شملها القرار "منيل شيحة"، التابعة لمركز أبو النمرس جنوبي الجيزة، والتي تواجه منطقة المعادي الشهيرة بالقاهرة، فيما تُعرف الجزيرة بما فيها من قصور فخمة لرجال أعمال وأثرياء.
وشمل القرار أيضا، جزيرة "المعصرة" بمنطقة حلوان بالقاهرة، وجزيرة "أبو داود" و"صراوة" في محافظة المنوفية وسط الدلتا، وجزر "البدرشين" ومساحتها وحدها 852 فدانا، و"الطرفاية" و"المسطحات" و"المرازيق" و"الشوبك الشرقي" و"الودي" بالجيزة.
وكذلك جزر "سيالة شارونة" بمركز مغاغة، و"الشيخ فضل" بمركز بني مزار، و"كدوان"، و"زاوية سلطان البحرية" بمركز المنيا، وجزيرة "الشيخ تمى" بمركز أبو قرقاص، بمحافظة المنيا شمال الصعيد..
وجزيرة "أبو صالح" بمركز ناصر في محافظة بني سويف، وجزيرة "نجع الدير (1)"، و"العبساوية شرق" بمحافظة سوهاج، وجزيرة "هلال الكاب"، و"منيحه" بمحافظة أسوان، جنوب الصعيد.
هذا بجانب جزر "البرغوثي، و"الشيخ أبوزيد"، والطرافة (1) و(2)، والسرو خور زعفران، والسايح، و"سقوا"، و"العرب"، و"الرقبة بللولة"، و"أم شلباية"، و"المصادفة"، و"المندرة (1)، ونجع شرف (3)، وهدار رشيد (1) و(2)، وجزيرة صغيرة بالبحر المتوسط تابعة لمحافظة مطروح.
أزمتا الوراق وتيران
وعلى مدار سنوات الانقلاب، حاولت السلطات إخلاء جزيرة "الوراق" (1600 فدان)، وسط نيل الجيزة بالقوة من ساكنيها لإقامة مشروعات سكنية وأبراج سياحية بالتعاون مع الجيش، ما أدى إلى صدام مع الأهالي ومقتل واعتقال وسجن العشرات منهم.
"الوراق"، ورغم كونها الأكبر في مصر من حيث المساحة من بين 255 جزيرة نيلية، إلا أن القرار الأخير لم يشملها بالضم إلى ملكية الجيش، ففي نيسان/ أبريل 2018، جرى ضمها إلى "هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة".
وكان السيسي قد تحدث في حزيران/ يونيو 2017، عن طرد السكان من الجزر النيلية، قائلا: "هناك جزر موجودة في النيل، طبقا للقانون مفروض إنه ميبقاش حد (لا يبقى أحد) موجود عليها، سواء هذه الجزر محميات، أو غير مسموح يبقى حد موجود عليها".
وإثر القرار الجديد، يتبادر على الفور إلى أذهان المصريين واقعة تنازل السيسي عن جزيرتي "تيران وصنافير"، المصريتين في البحر الأحمر عام 2016، إلى السعودية، وسط مخاوف من أن يجري التنازل عن بعض تلك الجزر وإهدائها لدول أو حكام أو بيعها لشركات أجنبية بعد إخلائها من السكان.
"قرار اقتصادي"
وفي تعليق، يرى الباحث المصري في الشؤون الأمنية أحمد مولانا، أن "القرار اقتصادي وليس استراتيجيا أو أمنيا، لأن النظام المصري يواجه أزمة اقتصادية متفاقمة، والعجز بين الإيرادات والنفقات قرابة الـ800 مليار جنيه".
وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "الديون وفوائد وأقساط الديون تستهلك قرابة الـ60 بالمئة من الموازنة العامة للدولة، وقريبا هناك تهديد آخر حال رفع البنك المركزي الأمريكي لقيمة الفائدة على الودائع".
وتابع: ".. ما يؤثر على حضور وحجم الأموال الساخنة الأجنبية التي تعطي فيها مصر أكبر فائدة في العالم، وبالتالي فإن المستثمرين الأجانب سيسحبون أموالهم تلك من السوق المصرية ما سيكون له مردود سلبي كبير على الوضع الاقتصادي المصري".
وأكد الباحث المصري أن "النظام مهتم حاليا بتوليد إيرادات وموارد، وهو بدأ على سبيل المثال ببناء سجن جديد كبير وأخلى 12 سجنا على مستوى الجمهورية بمناطق سكنية ليبيع تلك الأراضي بما فيها سجون منطقة طرة، ما يدر عليه أرقاما فلكية لسد عجز الموازنة".
وأوضح أن "هذه الجزر في أماكن جوهرية بنهر النيل وتصلح لإقامة مشروعات سياحية واستثمارية واقتصادية تدر عوائد كبيرة، وأمر نقلها للجيش خطوة ليجري إخلاؤها من ساكنيها وطرحها للبيع للمستثمرين المصريين والعرب والأجانب مقابل الاستفادة من عوائد البيع".
ولفت مولانا إلى أن "هذا ما يقوم به النظام في العديد من المدن، ففي المنصورة (وسط الدلتا) هناك توجه بهدم مسرح وقصر الثقافة بالمدينة على أحد أفرع النيل رغم أنه مكون أساسي بعاصمة محافظة الدقهلية، وذلك لبناء كمباوند سكني على النيل".
وأكد أن "الدولة تستثمر في أموال المواطنين بعدما فشلت في توليد إيرادات حقيقية تنعكس إيجابا على الحالة المادية للمصريين، فهم آخر المستفيدين من القرار لأن هذه الأموال إن ذهبت للموازنة فمصير أغلبها إلى سداد فوائد وأقساط الديون نتيجة القروض المتوسعة التي انخرط فيها النظام".
وختم بالقول إن "الديون عام 2014 كانت نحو 40 مليار دولار، واليوم البيانات الرسمية تقول إنها تعدت الـ138 مليار دولار بـ8 سنوات بزيادة 100 مليار دولار، ما يتطلب من السيسي هذه الإجراءات القمعية والعجيبة والمدهشة لمواكبة فوائد ومستحقات وأقساط الديون التي تتسع مع الوقت".
"تعويض للجيش"
وحول الأهمية الاستراتيجية والاقتصادية لهذه الجزر حتى يضمها الجيش لأملاكه، قال الخبير الاقتصادي والأكاديمي المصري الدكتور أحمد ذكرالله: "لا توجد أهمية استراتيجية لهذه الجزر.. هي فقط أهمية اقتصادية".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "عندما نتحدث عن الجيش فإننا يجب أن نتحدث عن أمور استراتيجية أمنية وعسكرية تخص الأمن القومي المصري، ولكن هنا الحديث عن أمر اقتصادي فقط".
ويعتقد أن "هناك تعويضا يجري من السلطة الحاكمة لوزارة الدفاع، وذلك بعد ضغوط تمت على السلطة بشأن تخارج الجيش من العديد من الشركات التي يمتلكها منفردا".
أستاذ الاقتصاد في كلية التجارة بجامعة الأزهر، أشار إلى إعلان مدير الصندوق السيادي أيمن سليمان منذ أيام، أنه "سيتم طرح حصة معتبرة من شركة (وطنية) تابعة للجيش، وشركة أخرى في البورصة قبل نهاية العام 2022".
ويرى أنه "بهذا القرار وذلك التصريح نحن أمام إطار جديد؛ بمعنى أن الدولة والجيش مجبران على تخلي الأخير عن بعض مشروعاته الهامة؛ وهنا يكون التعويض بحصول الجيش على اقتصاديات أخرى".
وأضاف: "هنا يأتي موضوع تملك الجيش للجزر ذات الأهمية الاستثمارية؛ وكلنا نعرف بعضها والبعض الآخر غير معلوم لنا حتى الآن، ولكن من الواضح أن هناك خريطة متداولة وأراد الجيش أن يتم تعويضه بها عما سيتنازل عنه من شركات".
وتوقع ذكرالله "ألا تقف الأمور عند هذا الحد بمنح الجزر كتعويض للجيش"، ويعتقد أن "هناك تعديلات تمت في قانون الثروة العقارية الذي جرى اعتماده منذ عامين، والذي أعطى للجيش حق التصرف في ما هو داخل المناجم بالأراضي التي بحوزته علما بأن الأراضي بالكامل تحت حوزة القوات المسلحة".
ورأى الخبير المصري أن "أمر التعويض أكبر من الجزر، وأنه سيكون هناك تعويض كبير آخر سيحصل عليه الجيش نتيجة إجباره على طرح بعض شركاته في البورصة".
وفي إجابته عن التساؤل حول احتمالات وجود مخطط ما تعده القوات المسلحة في تلك الجزر كبناء استثماري أو بيع أو تخصيص للغير أو للأجانب مثلا، قال: "معروف أن وزارة الدفاع تدخل شريكا بالأراضي ولا تدفع أموالا، وأعتقد أنها ستبحث عن مستثمرين يدفعون المال لتطوير هذه الجزر".
وتوقع أن "يتم طرحها للمستثمرين الأجانب، ثم بيعها بعد ذلك، وستكون الشراكة بمثابة شركات جديدة بواجهة استثمار أجنبي أو عربي يكون للجيش حصة فيها وليس كل الحصص كما هو حال شركات الجيش التي سيجري طرحها بالبورصة".
وفي تقديره لمدى خطورة ذلك القرار على أجمل وأهم جزر ومحميات نهر النيل، أكد الخبير المصري، أن "خطورة ذلك كبيرة، لأن وزارة الدفاع معفية من الأمور المالية وومن دفع الضرائب والجمارك والرسوم وكل المساءلات القانونية حول الشفافية والنزاهة وعن الأمور البيئية وغيرها".
وأوضح أن "هذه الإعفاءات الكلية والمستمرة تشكل ضررا كبيرا على الجزر كمحميات بيئية وطبيعية، كما أن دخول الاستثمارات الأجنبية في شراكة مع القوات المسلحة قد لا يتيح العمل بشكل آمن على هذه المحميات".
المصدر : عربي 21.