ليبيا.. ”عقيلة” يقصي مجلس الدولة و”رجال الغرب” يتكتلون (تحليل)
رابطة علماء أهل السنةتتحرك رئاسة مجلس النواب الليبي، بأسرع ما يمكن للإطاحة بعبد الحميد الدبيبة، من رئاسة حكومة الوحدة، والانفراد بتعيين حكومة جديدة، دون التوافق مع المجلس الأعلى للدولة، ما يهدد البلاد بانقسام مؤسساتي جديد أو عودة للاحتراب الداخلي.
استغل عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب، الدعم الغربي السابق له للانفراد بإصدار القوانين الانتخابية، دون استشارة المجلس الأعلى للدولة (نيابي استشاري) لتكرار نفس التجربة للإطاحة بمنافسه في الانتخابات الرئاسية الدبيبة، الذي اكتسب شعبية لافتة خلال أشهر قليلة من رئاسته للحكومة.
قرر مجلس النواب استبعاد شرط "تقاسم مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة، تزكية المرشح لرئاسة الحكومة".
ومن بين 122 نائبا حضروا جلسة الإثنين، بحسب المتحدث باسم مجلس النواب عبد الله بليحق، فإن 30 منهم صوتوا لصالح استبعاد مجلس الدولة، بينما صوت 21 ضد استبعاده، ولم يتضح موقف 71 عضوا الآخرين، هل امتنعوا عن التصويت، أو غابوا عن الجلسة، أم هناك تضخيم في عدد الحاضرين، كما حدث في أكثر من جلسة سابقة.
** هل يسقط الدبيبة في شباك عقيلة؟
المؤكد أن مجلس النواب ماضٍ في تشكيل حكومة جديدة، بعد أن قدم 13 شرطا للترشح لرئاسة الحكومة، بينها شرطين على الأقل تستهدف منع الدبيبة من الترشح للرئاسيات المقبلة.
أول شرط أن يقدم تعهدا مكتوبا بعدم الترشح للانتخابات المقبلة، أما الثاني فتقديم استقالته قبل الترشح.
بالإضافة إلى شرط الحصول على تزكية 25 نائبا، ليس بينهم أعضاء المجلس الأعلى للدولة.
وواضح من خلال هذه الشروط أن عقيلة نصب شباكه لاصطياد الدبيبة، ومنعه من الترشح للرئاسة.
فإذا قبل الدبيبة، الدخول في لعبة عقيلة، فعليه الاستقالة من رئاسة حكومة الوحدة، وهذا يعني اعترافه بانتهاء شرعية حكومته منذ 24 ديسمبر/كانون الأول الماضي.
والأسوأ من ذلك أن عقيلة يحتاج إلى 120 صوتا لسحب الثقة من حكومة الدبيبة، التي صوت لصالحها 130 نائبا، وهذا الأمر إن لم يكن مستحيلا فهو صعب للغاية، في ظل وقوف عشرات النواب في صف الدبيبة.
وأسهل سبيل لتجاوز هذه العقبة، بالنسبة لعقيلة، "قلب المعادلة"، فبدلا من أن تسحب الثقة من الحكومة، يتقدم الدبيبة بطلب الثقة مجددا لحكومته، ويحتاج حينها لتأييد 120 نائبا، وبالتالي سيصعب عليه تحقيق ذلك في ظل الانقسام الحالي، فتسقط حكومته، ويتم اختيار شخصية أخرى بديلة، دون الحاجة إلى 120 صوتا للإطاحة به.
إنها أشبه بـ"المؤامرة العلمية"، التي أطاحت بالأمين العام لحزب جبهة التحرير الوطني بالجزائر عبد الحميد مهري، من قيادة ما يسمى بـ"حزب السلطة" في 1996، عندما تم إقناعه بدعوة اللجنة المركزية للحزب لتجديد الثقة فيه، على أساس أن الأغلبية تدعمه، لكن نتيجة التصويت كانت ضده، وفق خطة كانت مُعدة مسبقا.
أما الشرط الثاني الذي وضع على المقاس، فيُلزم الدبيبة، على التعهد بعدم الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ما يعني أنه حتى ولو فاز بثقة النواب فلن يتمكن من الترشح للرئاسة.
وبذلك يكون عقيلة، تخلص من أحد أبرز منافسيه على كرسي الرئاسة، سواء بإبعاده عن الحكومة أو عن الترشح للرئاسة.
** مجلس الدولة يرفض خطة عقيلة
بعد أن كان هناك حديث عن "تفاهمات" ما بين خالد المشري، رئيس المجلس الأعلى للدولة، وعقيلة، على تشكيل حكومة جديدة، والاستفتاء على الدستور أولا، خلال لقائهما السري في المغرب، الذي لم يرشح عنه شيء رسمي، يبدو أن الخيط الرفيع بين الرجلين قُطع سريعا.
إذ سارع المشري، لرفض "أي تعديل للسلطة التنفيذية"، بعد ساعات من استبعاد المجلس الأعلى للدولة من مشاورات تشكيل حكومة بديلة لحكومة الدبيبة.
هذا الموقف سيجعل المشري أكثر تمسكا بالدبيبة على رأس الحكومة، وبإمكانه تعطيل أي قرار انفرادي من مجلس النواب بتشكيل حكومة جديدة.
وفي حال أصرّ عقيلة على المضي قُدما نحو تشكيل حكومة جديدة في ظل رفض المشري، وتمسك الدبيبة باستمرار حكومته، فقد نشهد حكومتين في الشرق والغرب، وعودة الانقسام المؤسساتي كما كان الأمر قبل مارس/آذار 2021.
بل إن مجلس النواب في حد ذاته مهدد بالانشطار مجددا مثلما حدث ما بين أبريل/نيسان 2019 ومارس 2021.
إذ أن غالبية النواب مع استمرار حكومة الدبيبة، بحسب النائب محمد الرعيض، الذي حذر في تصريح لقناة "فبراير" (محلية) من أن "الذهاب في تغيير الحكومة سيتسبب إما في انقسام مؤسساتي أو حرب جديدة".
أما النائبة عائشة شلابي، فتساءلت عن الهدف من "تشكيل حكومة جديدة قد تستمر 5 أو 6 أشهر"، وأضافت "هل تسعون لنشوب حرب جديدة بالمنطقة الغربية؟".
فربط تعديل الحكومة بـ"الحرب"، وخاصة في المنطقة الغربية، له علاقة بتحالف وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا (الغرب) مع عقيلة، واللواء المتقاعد خليفة حفتر (الشرق) الرافضين لاستمرار حكومة الدبيبة.
وقد يلجأ باشاغا، والكتائب الداعمة له إلى تنحية الدبيبة بالقوة، بدعم من مليشيات حفتر، ما قد يؤدي إلى اندلاع حرب في المنطقة الغربية، على غرار تلك التي وقعت في طرابلس عام 2017، بين الكتائب الموالية لحكومة الوفاق، والكتائب المساندة لحكومة الإنقاذ، وانتهت بانتصار الأولى، التي كانت مدعومة من باشاغا.
** الدبيبة يحشد رجال الدولة
قبيل يوم واحد من انعقاد جلسة مجلس النواب في طبرق الإثنين، لبحث ملف تغيير الحكومة، نظم مؤتمر بعنوان "الدستور أولا"، حضره كبار رجال الدولة في المنطقة الغربية، يمثلون التحالف الجديد الذي من المنتظر أن يتكتل في مواجهة تحالف عقيلة وحفتر وباشاغا.
وأبرز الشخصيات التي حظرت هذا المؤتمر، الدبيبة والمشري، وعبد الله اللافي، نائب رئيس المجلس الرئاسي، وفوزي النويري، نائب رئيس مجلس النواب، والصديق الكبير، محافظ البنك المركزي، ومحمد الحافي، رئيس المجلس الأعلى للقضاء رئيس المحكمة العليا، وخالد شكشك، رئيس ديوان المحاسبة، وخالد مازن، وزير الداخلية، وعبد الرؤوف قنبيج، نقيب المحامين..
وعندما تجتمع هذه الشخصيات في مؤتمر سياسي ذو طابع دستوري قانوني، فهذا يعني أي قرار سيتخذه عقيلة والنواب الموالين له بشأن تغيير الحكومة لن يجد طريقه للتنفيذ، وسيتم التصدي له بكل السبل القضائية والبرلمانية والمالية والأمنية.
وهذه الشخصيات مجتمعة لن تسمح لأي حكومة جديدة بالعمل من طرابلس، أو امتلاك أي شرعية دستورية أو قانونية، وسيتولى محافظ البنك المركزي غلق حنفية الأموال أمام أي حكومة تنازع حكومة الوحدة على الشرعية.
وحضور النويري، هذا المؤتمر، رغم أنه كان محسوبا على جناح عقيلة، يعني انحيازه هذه المرة إلى صف الدبيبة، وقد نشهد في مرحلة مقبلة دورا أكبر لهذا النائب المتحدر من المنطقة الغربية، في حال صعّد عقيلة صراعه مع الدبيبة، إلى الدرجة التي قد تدفع الأخير للضغط من أجل الإطاحة بعقيلة، واختيار النويري خلفا له.
فنحن أشبه بـ"كش ملك" في لعبة الشطرنج، عندما يكون الملك مهددا، وقد لا يكون "الملك المهدد" في المعادلة الليبية بالضرورة الدبيبة.. بل "عقيلة"، إذ لعب "رجال الغرب" ورقتهم الأخيرة.
المصدر : الأناضول