الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 05:36 صـ 24 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    بحوث ودراسات التزكية

    ولاية الله عزوجل، والطريق إليها

    رابطة علماء أهل السنة

    الوصول إلى درجة الولاية لله عزوجل: أمر سهل ميسور لمن يسره الله لذلك، كما دلت عليه النصوص الشرعية. فيمكن لكل مسلم ؛إن رغب وأراد أن يكون من أولياء الله تعالى أن يصل بفضل الله عزوجل، وتوفيقه لدرجة الولاية بشرط؛ أن يسلك سبيلها.  فالولى: مشتق من المولاة ،أوالولاء، وهو القرب كما أن العدو :من المعاداة وهى البعد أوالمباعدة، فولى الله من والاه بالموافقة له فى محبوباته ،ومرضياته وتقرب إليه بما أمر به من طاعاته، و أولياء الله عزوجل: هم الذين تولوا أمره وقاموا بشريعته ،وآمنوا به إيمانا صادقا ،ونصروا دينه واتقوا ربهم ، فى الغيب والشهادة ،واتقوا المعاصى بإجتنابها،والبعد عنها واتقوا  عذاب الله، وناره وأليم عقابه بترك كل قول، وفعل يؤدى إلى هذا العذاب والجحيم. 
    أولياء الله تعالى قوم عرفوا مالهم وماعليهم؛ فأدوا ما كلفوا به، وقاموا بالواجب المنوط بهم على أتم وجه وأكمله. فهم صالحون ظاهرا وباطنا، وماأجمل ماقاله فيهم شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى :(من كان مؤمنا تقيا كان لله عزوجل وليا) فكل مؤمن تقى نقى هو: ولى من أولياء الله عزوجل،  سواء كان حيا أوميتا. فولاية العبد لمولاه بحسب إيمانه وتقواه. يقول الله عزوجل :(ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنواوكانوا يتقون )وقد فسرالإمام الطبرى رحمه الله الأولياء بأنهم أنصار الله ،ثم نقل ما روى عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ،عندما  قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :(إن من عباد الله لأناسا ماهم بأنبياء ولاشهداء يغبطهم الأنبياء والشهداء يوم القيامة؛ بمكانهم من الله )قالوا :يارسول الله أخبرنا عنهم، أوصفهم لنا، وما أعمالهم؛ فإنا نحبهم لذلك؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-  : هم قوم تحابوا فى الله، بروح الله على غيرأرحام بينهم ،ولا أموال يتعاطونها. فوالله إن وجوههم لنور ،وإنهم لعلى نور ،لايخافون إذا خاف الناس، ولايحزنون إذا حزن الناس، وقرأ هذه الآية الكريمة   (ألا إن أولياء الله لاخوف عليهم، ولا هم يحزنون )ومن هنا نعلم: أن من ولاية الله الحب فى الله والبغض فى الله، بأن نحب المرء لانحبه إلا لله ،ونبغض المرء لانبغضه إلا لله، وولاية الله تعالى تستلزم أمورا- أهمها: العلم النافع، والعمل الصالح ،والإخلاص فى القول والعمل ،وشدة المراقبة لله عزوجل فى الخلوة والجلوة؛ فالناس فى ظاهر الدنيا ،ومتاعها الفانى وبريقها الزائف ،ومراتبها التى لاتثبت ولاتدوم ،وأولياء الله نظروا بعمق إلى باطنها وفروعها، وتقلبهابأهلها، وانشغلوا بساعةالفراق والرحيل . يهتم أهل الدنيا بدنياهم،  ويهتم أولياء الله بأخراهم . فأماتوا منها ماخشوا أن يميتهم، وتركوا منها ماعلموا أنه سيتركهم ، ولذا يمكننا القول: بأن ولاية الله تعالى ليست  كلاما يقال، أو  دعوى تدعى بدون مضمون، كما يفعل بعض الدجالين ،والمرتزقة المخرفين ،وأهل  الشعوذة والكذب والرياء؛ الذين يموهون  على العامة بأنهم أولياء الله، وهم فى الحقيقة أعداء لله والعياذ بالله. تجد من هؤلاء من يخدعون السذج، والبسطاء من العامة فيخترعون لهم أذكارا وعبادات، وطقوسا ،وحضرات ماأنزل الله بها من سلطان، ويتخذون من هذاالعمل وهذه الدعوة وسيلة  لخداع الجماهير، وجذبهم نحوهم وجمع أموالهم، والسيطرة عليهم، لكن عندنا والحمد لله ضابط بين، وتعريف واضح  ذكره الله عزوجل لنا في كتابه الكريم يصف به أوليائه  الصادقين العارفين به حق المعرفة وتمام المعرفة السالكين طريقه بجد وصواب وإخلاص   (الذين آمنوا وكانوا يتقون )هؤلاء هم أولياء الله الذين تولى الله عزوجل حمايتهم،  وأحبهم، وأعلن الحرب على من يعاديهم ، فهو القائل سبحانه في الحديث القدسى :(من عادى لى وليا فقد آذنته بالحرب )فالذى يعادى أولياء الله؛ محارب لله عز وجل، ومن حارب الله فهو مهزوم مخذول؛ لن تقوم له قائمة ، وكل من ادعى ولاية الله ،ودعا الناس إلى تعظيمه وتبجيله فليس من أولياء الله عزوجل ؛ لأن دعواه، وفعله هذا: تزكية للنفس، وإعجاب بها ،والأصل أن لايزكى الإنسان نفسه، فقد نهى الله عن ذلك في قوله تعالى  (فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى)
    أولياء الله عزوجل هم :صفوة الله من خلقه، وخيرته من عباده ،وإذا كان الأمر كذلك؛ فأفضل الأولياء هم الأنبياء، وأفضل الأنبياء المرسلون، وأفضل الرسل هم أولو العزم الخمسة الذين ذكرهم الله عزوجل في كتابه الكريم،في قوله تعالى :(وإذ أخذنا من النبين ميثاقهم ومنك ،ومن نوح، وإبراهيم وموسى، وعيسى بن مريم وأخذنا منهم ميثاقا غليظا )  وأفضل أولو العزم، وأعظم أولياء الله، وأفضل الخلق  أجمعين، وسيدالأولين والآخرين: سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ،صاحب اللواء المعقود، والحوض المورود، والشفاعة العظمى فى اليوم المشهود ، وأفضل هذه الأمة بعد نبيها صلى الله عليه وسلم هو :الصديق أبي بكر- رضي الله عنه- ثم الفاروق عمر ،ثم عثمان ذو النورين، ثم على رضى الله عنهم أجمعين، وأجمع الصحابة الكرام - رضوان الله عليهم جميعا - على  هذا الترتيب،  في الفضل والتقديم، ومن قدم عليا على أبى بكر،  وعمر فى الفضل والخلافة فهو: ضال مبتدع، بل لايصح تقديم على على عثمان رضي الله عنهما؛  لأنه قد استقر الأمر على تقديم عثمان فى الفضل، والخلافة؛ لحديث ابن عمر رضي الله عنهما فى البخارى :(كنا نفضل بين أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنقدم أبابكر، ثم عمر، ثم عثمان )وأفضل  الصحابة بعد الخلفاء الأربعة: الستة الباقون من تمام العشرة، وهم: طلحة، والزبير، وأبو عبيدة، وعبدالرحمن بن عوف، وسعد بن أبى وقاص، وسعيد بن زيد، ثم باقى أهل بدر، ثم أصحاب أحد ،ثم أهل بيعة الرضوان، والصحابة الكرام رضى الله عليهم جميعا : كلهم عدول وهم خيار أولياء الله المتقين؛ أكرمهم الله بصحبة نبيه- صلى الله عليه وسلم- الذى قال عنهم:(خير الناس قرنى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)وبعد  الصحابة يأتى التابعون لهم بإحسان، وأفضلهم فى الجملة  (أويس بن عامر القرني )الذى أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: وبين بعض صفاته، وطلب من عمر، ومن يلتق به بأن يطلب منه الدعاء؛ لشدةصلاحه، وحسن صلته بربه،  وبره بوالدته 
    وأفضل التابعين علما :سعيد بن المسيب، كما قال الإمام أحمد رحمه الله  وسيدتا التابعين من النساء :حفصة بنت سيرين، وعمرة بنت عبد الرحمن 
    وقال الإمام الشافعى رحمه الله :إذا لم يكن العلماء بأولياءلله فليس لله ولى قال تعالى : (إنما يخشى الله من عباده العلماء )والأولياء غير الأنبياء ليسوا بمعصومين؛ فلا عصمة لأحد في هذه الأمة بعد رسولها صلى الله عليه وسلم ،لا لصاحب ولاإمام ،ولاولى بل الجميع يمكن أن يتلوث، أو يقع فى المعاصى من عافاه الله من الكبائر ربما وقع فى الصغائر.  لكن للصحابة مزية على من جاء بعدهم؛ للسبق للإسلام، ولجهادهم فى سبيل الله عزوجل، ولشرف صحبتهم للنبى صلى الله عليه وسلم ولذلك وصفهم الله بقوله : (والسابقون الأولون من  المهاجرين، والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم، ورضوا عنه وأعد لهم جنات تجرى تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا ذلك الفوز العظيم )
    وقد يتوهم البعض، ويظن: أن الولاية لاتكون إلا بحدوث كشف، أو خارق للعادة وهذاغير صحيح ،ولكن قد يكرم الله أوليائه بمدد منه، وتكون لهم كراماتهم ،والتى فى الغالب لايبوحون بها بل انهم يستترون منها ويخفونها عن الناس؛ خشية الرياء والفتنة لهم أوبهم. وشهر رمضان المبارك: فرصة للوصول لولايةالله تعالى؛ فجذوة الإيمان فيه  متقدة، وتهفو النفوس فيه للطاعة، والإقبال على الله عزوجل، وتنقطع عن كثير من الغى والعصيان. فنهار المؤمنين صيام وصيانة، وليلهم قيام وتلاوة، وغالب وقتهم فى الشهر الكريم :فعل للخير ات  وبعد عن المنكرات .فالطريق سهل،  ومعبد لمن أراد الوصول لولاية الحى القيوم. 
    بقى أن  نقول :إن الكلام عن الولاية، والأولياء إذا كتب فيه ،أو تحدث عنه من  لايتصف به، وإن شمله اسم الإسلام قد لايتقن، ولايجيد كما إذا كتب أوتحدث من اتصف بها ،ولكن هذا لايمنع كماذكر ابن القيم رحمه الله تعالى، وهو من هو علما، وعملا ،وفضلا عندما شرح حال المقربين ذكر : أنه لم يشم لهم رائحة- يعنى بذلك  نفسه- ثم بين رحمه الله: لماذا يتحدث عنهم، وهو ليس منهم فقال:لعل فيمن يسمع الكلام أو يقرأه( وهو مكتوب فى طريق الهجرتين) يستفيد ويطبق فيكتب له من الأجر، والثواب مثل أجر فاعله لأن؛ من دل على خير أو هدى، فله مثل أجر فاعله 
    ولذا أسأل الله تعالى أن لايحرم كاتب هذه السطور أجر من انتفع بها كما نسأله سبحانه وتعالى أن ييسر السبيل لسلوك طريق أهل الحق العارفين بربهم، وأن لايحرمنا صحبتهم ،والقرب منهم في الدنيا والآخرة. 
    اللهم اجعلناأوليائك المتقين، وجندك الغالبين، وحزبك المفلحين، وعبادك الصالحين واغفر لنا، وارحمنايارب العالمين 
    الفقير إلى عفو ربه 
    فايز النوبى

    أولياء ولاية الله عز وجل

    بحوث ودراسات