ميدل إيست آي: بيع الأصول المصرية لصناديق سيادة خليجية يثير الارتياب
رابطة علماء أهل السنةبينما تنطلق مصر في الخصخصة من أجل التخفيف من حدة التراجع الاقتصادي، ثمة حالة من الارتياب في الدوافع الحقيقية للدول العربية التي تستثمر مليارات الدولارات في شراء ممتلكات الدولة المصرية
يولد استحواذ البلدان الأجنبية على الشركات المصرية خلافات داخل مصر، حيث يتهم بعض أفراد الشعب الحكومة بتكبد خسائر فادحة في عمليات تجارية ملتوية.
وذلك أن الشركات العربية وصناديق الثروة السياسية، وبشكل خاص تلك التي تتبع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، تستحوذ على حصص في شركات ومرافق مصرية، بما في ذلك شركات الأسمدة، والمستشفيات والبنوك، ما يسفر عنه ضخ مليارات الدولارات في الاقتصاد الوطني.
قامت مؤخرا شركة مواساة للخدمات الطبية في المملكة العربية السعودية بشراء 100 بالمائة من أسهم مستشفى المراسم الدولي، وهو مرفق كبير للخدمات الطبية في ضواحي القاهرة.
وفي وقت مبكر من هذا الشهر، استحوذت شركة الاستثمار السعودي المصري، وهي الذراع الاستثماري لصندوق الاستثمار العام المملوك للدولة في المملكة العربية السعودية في مصر، على حصة الحكومة المصرية في شركة مصر لإنتاج الأسمدة (موبكو) في مدينة دمياط، على بعد ما يزيد عن 200 كيلومتراً إلى الشمال من العاصمة المصرية، القاهرة.
كما اشترت أيضا أسهما في ثلاث شركات أخرى هي أبو قير للأسمدة والصناعات الكيميائية، والإسكندرية القابضة للحاويات والشحن، وشركة التمويل الإلكتروني والاستثمارات الرقمية.
بلغ إجمالي قيمة الاستثمارات الأربعة ما يقرب من 1.3 مليار دولار.
وكانت المملكة العربية السعودية قد تعهدت من قبل باستثمار 10 مليار دولار في مصر لمساعدة هذا البلد العربي ذي الكثافة السكانية المرتفعة في جهوده لاحتواء الآثار السلبية للحرب الروسية في أوكرانيا. وذلك أن الصراع تسبب في ارتفاع هائل في قيمة فاتورة مستوردات البلد من القمح والوقود، وراكم الضغوط على العملة المحلية، ودفع بها نحو طلب المساعدة من صندوق النقد الدولي.
جاءت عمليات الاستحواذ السعودية لتضاف إلى تلك التي قامت بها دولة الإمارات، والتي شملت حصصا في شركة تنتج الوجبات السريعة، وشركات تقدم الخدمات المالية، وأحد المصارف، وشركة لتسهيلات الدفع الإلكتروني بالإضافة إلى موبكو.
استثمار أم استيلاء؟
تعني هذه التعاقدات، ضمن أخرى غيرها، أن مصر شهدت ثاني أكبر عدد من عمليات الاستحواذ والدمج في المنطقة خلال النصف الأول من هذه السنة، بإبرام 65 صفقة تصل قيمتها إلى 3.2 مليار دولار.
إلا أن هذه الطفرة من البيع أحدث انقساما في الرأي العام في مصر، فالحكومة تعتبرها أمرا إيجابيا بالنسبة لاقتصاد البلاد، بينما يحذر آخرون من مخاطر بيع ممتلكات الدولة لشركات أجنبية.
تقول الحكومة إن الاستثمار الأجنبي سوف يخلق فرص عمل جديدة للمواطنين ويفتح الآفاق أمام الشركات المصرية لدخول أسواق البلدان التي تستحوذ عليها.
وفي شهر حزيران/ يونيو، قال المتحدث باسم الحكومة نادر سعد إن الحكومة من حقها إدارة ممتلكاتها بالشكل الذي يدر عليها الأرباح.
وقال في مقابلة مع إحدى القنوات التلفزيونية المحلية: "لدينا ممتلكات شتى، ونرى أن من المناسب في هذه المرحلة بيع بعضها واستثمار عائداتها في شيء آخر، بما في ذلك في شراء ممتلكات أخرى".
يتفق معه في ذلك بعض الاقتصاديين، الذين يقولون إن عمليات الاستحواذ إنما هي شكل من أشكال الاستثمار الذي يدر على البلد عملات صعبة، وهذه بدورها تعود بالفائدة على الاقتصاد الوطني.
وفي تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال خالد الشافعي، مدير المركز المصري للدراسات الاقتصادية: "إنما يجري استحواذ الشركات المصرية لأنها ناجحة".
وأضاف: "ينشط الاستحواذ سوق الأسهم ويخلق الوظائف، وخاصة إذا ما نجم عن ذلك زيادة في رأس المال الإجمالي للشركات".
إلا أن بعض أفراد الشعب يعترض بشدة على ذلك.
فقد قال كثيرون عبروا عن آرائهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي إن عمليات الاستحواذ من قبل شركات وصناديق ثروة سيادية عربية إنما هي عمليات استحواذ تجارية اعتيادية ولا دخل لها إطلاقاً بالاستثمار أو خلق الوظائف.
واتهم آخرون الحكومة ببيع ما وصفوه بالممتلكات الاستراتيجية للدولة المصرية إلى كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة.
وقال أحد المدونين ساخراً إنه بعد الاستحواذ على جميع الشركات المصرية، سوف تستولي البلدان الخليجية على النسر الذهبي في علم البلاد.
التخفيف من وطأة الخسائر
على الرغم من الانتقادات التي وجهها البعض إلا أن عمليات الاستحواذ تبدو حتمية. فقد وجهت الحرب في أوكرانيا ضربة خطيرة للاقتصاد المصري من جوانب عديدة تتراوح ما بين ارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى تراجعات كبيرة في الإيرادات السياحية.
وقال الشافعي: "لا مفر من أن تكون للحرب باستمرار آثار مدمرة، وذلك بالضبط ما نجم عن الحرب الروسية الأوكرانية. كما أن جائحة كوفيد-19 بطأت من النمو، ليس هنا فقط، بل وفي كل الأماكن الأخرى".
سعياً من الحكومة للتخفيف من وطأة الخسائر فهي تقوم الآن بحملة خصخصة لبعض قطاعات الاقتصاد، بما في ذلك من خلال المستثمرين الأجانب، إضافة إلى إجراءات أخرى.
وتقدمت الحكومة من خلال ما يطلق عليه "سياسة أملاك الدولة" بخطة من شأنها أن تنهي على مدى الأعوام الثلاثة القادمة، إما جزئياً أو كلياً، هيمنة الدولة على قطاعات مثل إنشاء الموانئ وإنتاج الأسمدة وتحلية المياه.
وتأمل مصر في جذب 40 مليار دولار من الاستثمارات من خلال عرض هذه الممتلكات على مستثمري القطاع الخاص.
كما تسعى القاهرة إلى استغلال الارتفاع في أسعار الطاقة عالمياً وزيادة صادرات الغاز. ومن الإجراءات التي سوف تتخذها لضمان تخصيص حصة أكبر من الغاز للتصدير هو خفض استهلاك الطاقة محلياً.
فمصر تنتج من الكهرباء ما يفوق حاجة سكانها، إلا أن محطات التوليد فيها تستهلك ما يقرب من 60 بالمائة من إجمالي إنتاجها للغاز الطبيعي، وذلك بحسب ما صرح به رئيس الوزراء مصطفى مدبولي.
ومن باب الترويج لخطة الحكومة الجديدة، قال مدبولي إن القاهرة بإمكانها بيع الغاز في الخارج بسعر يعادل عشرة أضعاف السعر الذي يباع به محلياً لمحطات توليد الكهرباء، والتي بإمكانها اللجوء إلى استخدام زيت النفط بدلا من الغاز.
وتعمل مصر على إطلاق حملة للترويج السياحي تستهدف أسواقاً جديدة، بما في ذلك في العالم العربي وفي آسيا وفي أمريكا اللاتينية، رجاء تعويض الخسائر التي مني بها قطاع السياحة المحلي بسبب الحرب في أوكرانيا.
في تصريح لموقع ميدل إيست آي، قال محمد عبد الحميد، عضو لجنة الشؤون الاقتصادية في البرلمان المصري: "ترافقت هذه الإجراءات كذلك مع سلسلة من مبادرات الرعاية الاجتماعية لتخفيف الضغط عن الناس العاديين".
وأضاف: "ومع ذلك فنحن في أمس الحاجة لزيادة إنتاجنا الزراعي لأن ذلك من شأنه أن يساعد في توفير كم كبير من المال الذي ينفق على استيراد الأطعمة".
دوافع غير معلنة
تحظى الخصخصة وبيع ممتلكات الدولة تاريخيا بسمعة سيئة في مصر، وذلك نظرا لارتباط هذه العملية بالفساد الذي وصم برنامج الخصخصة الوطني في تسعينيات القرن الماضي.
فقد بيعت أعداد ضخمة من الشركات والمصانع المملوكة للدولة في عهد الرئيس حسني مبارك بأسعار أقل بكثير من قيمتها الحقيقة في السوق، مما أثار سخط الجمهور في ذلك الوقت.
ثمة مخاوف من أن الدول العربية قد تستغل حالياً الأحوال الاقتصادية المتردية في مصر للاستحواذ على الممتلكات العامة بأسعار أدنى بكثير من قيمتها السوقية وأن إيرادات البيع سوف تستخدم لسداد الديون المتراكمة على البلد.
قامت بعض الدول العربية التي اشترت ممتلكات محلية بإيداع مليارات الدولارات في البنك المركزي المصري لتعزيز احتياطي العملات الأجنبية والمساعدة في بقاء العملة الوطنية طافية على السطح مقابل العملات الأجنبية.
ونجم عن ذلك القلق من أن مصر سوف تقايض هذه الإيداعات بممتلكات محلية أو قد تستخدم العائدات لسداد الديون.
بالإضافة إلى ذلك، تقوم الدول العربية بالاستحواذ على شركات ناجحة تدر الكثير من الأرباح، كما يقول الاقتصادي المستقل ممدوح الولي.
وأضاف الولي في تصريح لموقع "ميدل إيست أي": "لا تؤدي عمليات الاستحواذ هذه إلى توسيع الشركات التي يتم استحواذها. وإنما يؤسفني أن أقول إن بلدنا يمر بأوضاع قاسية جداً، ولا يملك حرية اختيار نمط الاستثمار الذي يمكن أن يقبل عليه أو ينأى بنفسه عنه".