كتيبة القرم الإسلامية ... ما هي؟
رابطة علماء أهل السنةمع دخول الحرب الروسية على أوكرانيا أسبوعها الخامس، تتواصل عمليات الكر والفر بين الطرفين، حيث أعلنت القوات الأوكرانية استعادة بعض المناطق التي كان الروس قد استولوا عليها في محيط العاصمة، أبرزها بلدتا إربين وموتيجين غرب العاصمة كييف، حيث أعلنت كتيبة القرم الإسلامية تمكنها من استعادة موتيجين بدعم من القوات الأوكرانية، بعدما بثت فيديو الثلاثاء 29 مارس/آذار 2022 أظهر مقاتليها داخل القرية، الذين خاضوا معارك ضارية مع القوات الروسية. فما هي كتيبة القرم، ومتى تأسست، وما دورها في الصراع بين روسيا وأوكرانيا؟
ما هي كتيبة القرم الإسلامية؟
بدأت حكاية كتيبة القرم الإسلامية بعد أحداث الثورة الشعبية الأوكرانية عام 2014 على نظام فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا، والتي تسببت باضطرابات واسعة جنوب وشرق أوكرانيا، أدت في النهاية إلى انفصال منطقتي دونيتسك ولوغانسك بدعم روسي، وضم روسيا لشبه جزيرة القرم في مارس/آذار عام 2014 بعاصمتها سيمفروبول، بعدما كانت جزءاً من الأراضي الأوكرانية منذ عام 1954، ضمن الاتحاد السوفييتي.
في شهر فبراير/شباط 2014، رافق الضم تدخل عسكري كبير من روسيا في شبه جزيرة القرم، وذلك بعدما صرح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه "يجب علينا أن نبدأ العمل على إعادة شبه جزيرة القرم إلى روسيا".
ونجحت القوات الروسية بالسيطرة على مدن شبه الجزيرة ومواقع ومبان استراتيجية، أبرزها برلمان القرم، ونصبت حكومة محلية موالية لها هناك، وتم إجراء استفتاء من طرف واحد حول حالة القرم على الفور، وأعلن "استقلالها" عن أوكرانيا، في 16 مارس/آذار 2014، وبعد يومين فقط منذ ذلك الحدث أعلنت موسكو رسمياً ضم شبه جزيرة القرم إلى الاتحاد الروسي.
رفضت أوكرانيا التي كانت لا تزال تعاني من الاضطرابات السياسية وعدم الاستقرار، وكثير من دول العالم، الضم الروسي لشبه جزيرة القرم، وتم فرض عقوبات دولية على موسكو، لكن في النهاية سحبت أوكرانيا قواتها بشكل كامل من القرم، وأصبحت السيطرة الروسية على شبه الجزيرة أمراً واقعاً، وهو ما أدى إلى ظهور حركات مقاومة للاحتلال الروسي، مثل كتيبة تتار القرم الإسلامية وغيرها، حيث يعد التتار المسلمون من أبرز الأقليات التي تعيش داخل شبه الجزيرة منذ عقود طويلة.
وفي عام 2015، كانت "كتيبة تتار القرم" الإسلامية التي أسس رجل الأعمال "عيسى أكاييف" نواتها الأولى في عام 2014، واحدة من عدة كتائب مسلمة مثل كتيبة الشيخ منصور، وكتيبة جوهر دوداييف الشيشانيتين، وكتيبة نعمان جيلبيتشان التترية، تم تشكيلها للقتال التطوعي إلى جانب الجيش الأوكراني، لمواجهة الحركات الانفصالية المدعومة من روسيا، وصد التدخل العسكري الروسي الذي انتهى باحتلال جزيرة القرم وانفصال إقليمي دونيتسك ولوغانسك شرقي البلاد، في عام 2014.
كيف تشكّلت كتيبة القرم ومن أين حصلت على الدعم؟
كان عيسى أكاييف رجل أعمال يدير شركته الخاصة في عاصمة القرم "سيمفيروبول"، قبل أن تحتلها روسيا في عام 2014، وبعد أن نزح مع عائلته وكثيرين من أبناء تتار القرم إلى المناطق الأوكرانية المحاذية لشبه الجزيرة (نحو 20 ألفاً)، قرر توحيد أبناء الأقلية التترية لقتال روسيا والانفصاليين المدعومين منها، حيث تم تسليح كتيبته الإسلامية بتمويل ذاتي في البداية، قبل أن تحظى بدعم وتدريب من القوات المسلحة الأوكرانية لاحقاً.
ويقول عيسى أكاييف في تصريحات سابقة لوكالة أنباء القرم (QHA)، إنه "عندما دخلت القوات الروسية القرم، أردنا مقاومة الغزاة الروس، وكنا نناقش ما يمكننا القيام به، مثل إنشاء قوات دفاع خاصة بنا لحماية شعبنا. ومع دخول الجنود الروس بأعداد كبيرة، قررنا نقل عائلاتنا إلى أوكرانيا، والعودة إلى شبه جزيرة القرم بأنفسنا لتنظيم مقاومة سرية، لكننا لم ننجح بذلك لسوء الحظ".
ويضيف أكاييف أنه في بداية يونيو/حزيران 2014، تم إرسال مقاتلي الوحدة التي ضمت بالإضافة إلى مقاتلين من تتار القرم مقاتلين قوقازيين وأوكرانيين، إلى مناطق الصراع مع الانفصاليين في دونباس شرق أوكرانيا، كما خاضت الكتيبة معارك أخرى للدفاع عن ماريوبول جنوباً.
ويروي أكاييف أن مجموعته حظيت بالبداية بدعم مباشر من جنرال كبير في الجيش الأوكراني، هو اللواء إيغور جورديتشوك، ويقول أكاييف لوكالة QHA: "في ذلك الوقت كان جورديتشوك قائد وحدة استخبارات لمكافحة الإرهاب في دونباس، وعندما شرحت له مفهوم "كتيبة تتار القرم" أحب الفكرة كثيراً، وكان معجباً بفكرة تشكيل الوحدات على أساس الانتماء العرقي أو الديني، حيث كان يرى أن هذه الوحدات فعالة للغاية في المعارك".
لكن بالرغم من ذلك، يقول أكاييف إنه لم يعتنِ أحد بكتيبته بعد إصابة اللواء إيغور جوديتشوك بجروح بالغة في إحدى المعارك، وقال: "لم يرغبوا في ضمنا كوحدة منفصلة ضمن نطاق القوات المسلحة الأوكرانية أو الحرس الوطني، بل أرادوا فقط تفريقنا إلى وحدات مختلفة داخل الجيش الأوكراني".
علاقة كتيبة "تتار القرم" مع كتيبة "نعمان جيلبيتشان" ومزاعم الدعم التركي
في عام 2015، تحدثت تقارير عن توحيد كتيبة "تتار القرم" بقيادة عيسى أكاييف، تحت سقف واحد، مع كتيبة "نعمان جيلبيتشان" التترية أيضاً، والتي تأسست في مدينة خيرسون، التي تبعد تبعد 3 كيلومترات عن شبه جزيرة القرم، حيث كان يقود كتيبة "نعمان جيلبيتشان" لينور إسلاموف، وهو رجل أعمال وسياسي تتري معروف، فقد كان النائب السابق لرئيس وزراء القرم قبل أن تسقط بيد روسيا.
وكانت كتيبة "نعمان جيلبيتشان" تضم مئات المقاتلين من تتار القرم، وقد سميت بهذا الاسم نسبة إلى نعمان جيلبيتشان، مفتي تتار القرم ورئيس جمهورية القرم الشعبية المستقلة التي لم تدُم طويلاً، حيث قامت القوات البلشفية بإعدامه في عام 1918، وألقت جثته في البحر دون أن تمنحه دفناً إسلامياً لائقاً، ولا يزال يُذكر حتى اليوم كبطل بين تتار القرم.
ويقول إسلاموف في تصريحات سابقة، إن كتيبته شاركت لوقت طويل في فرض حصار تجاري على شبه جزيرة القرم التي احتلها الروس، وقامت بقطع الإمدادات عنها مثل خطوط الكهرباء وغيرها عام 2015، كما منعت السيارات من دخول شبه الجزيرة، وحرّضت على ضرب السفن الروسية في البحر.
في عام 2015، أعلن إسلاموف، وهو مالك قناة "ATR" لتتار القرم، وشركة النقل "سيم سيتي ترانس"، ومصرف "جاست بنك"، عن الشروع في تشكيل كتيبته ضمن قوام الجيش الأوكراني، كما صرح في الوقت ذاته بأن تركيا قررت دعم كتيبته، وقال إن أنقرة أخذت على عاتقها مسائل إمداد الكتيبة مثل الملابس العسكرية والأحذية وغيرها من المستلزمات، وهو ما دفع وسائل إعلام روسية لشن حملة ضد تركيا واتهامها بتمويل عمليات المقاومة ضد روسيا في القرم.
لكن من جانبها، نفت وزارة الخارجية التركية تقديم أنقرة أي تمويل للكتيبة التترية في أوكرانيا، وقالت الوزارة في بيان رسمي، في 29 ديسمبر/كانون الأول 2015، إن "التقارير التي تحدثت عن أن تركيا قدمت أو ستقدم الدعم لقوات متطوعة في مقاطعة خيرسون الأوكرانية تحمل أسماء مثل "كتيبة تتار القرم" و "كتيبة نعمان جيلبيتشان" لا أساس لها من الصحة.
وأضاف البيان أن "التصريحات التي أدلى بها الجانب الروسي بشأن هذه المزاعم التي لا أساس لها مثل أن "روسيا طُعنت مرة أخرى في ظهرها من تركيا" هي استمرار لحملة الدعاية السوداء التي تم شنها مؤخراً ضد تركيا، مشيراً في الوقت نفسه أن "تركيا لم ولن تعترف بالضم الروسي غير القانوني لشبه جزيرة القرم. كما ستواصل تركيا بتصميم جهودها لحماية حقوق وحريات شعب تتار القرم هناك".
بعد عام 2016، انصهرت المجموعات المسلحة التابعة لتتار القرم داخل الجيش الأوكراني بعدما تم تفكيكها، وانضم معظم أفرادها إلى القوات المسلحة الأوكرانية. وفي عام 2019، تم انتخاب قائد كتيبة القرم الإسلامية عيسى أكاييف، كعضو في مجلس المحاربين القدامى التابع لوزارة شؤون المحاربين القدامى، ممثلاً لجمهورية القرم المحتلة.
كتيبة القرم بقيادة عيسى أكاييف تعود مجدداً للدفاع عن أوكرانيا وقتال روسيا
في 28 فبراير/شباط 2022، وبعد أربعة أيام من بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، عاد عيسى أكاييف للظهور مجدداً بلحية بيضاء في مقطع فيديو وبجانبه مقاتلون من كتيبة القرم، ليعلن مشاركة كتيبته في الدفاع عن أوكرانيا، محذراً القوات الروسية من استمرار غزو أوكرانيا، وموجهاً في الوقت نفسه رسالة إلى مسلمي روسيا والقرم، يدعوهم فيها لرفض القتال في أوكرانيا، وقال: "انضموا إلى الأوكرانيين، وإلا فمن لا يريد الانضمام إلينا فليعود إلى دياره، أما الذي سوف يبقى هنا فسيكون مصيره الدفن في أرض أوكرانيا".
وذكر القائد المتطوع أكاييف، أن الإمبراطورية الروسية دمرت تتار القرم المسلمين لسنوات طويلة، وقال في المقطع ذاته: "لقد استولت روسيا على أرضنا وجميع ممتلكاتنا، ويجب علينا استعادة كرامتنا".
وخلال الحرب، ظهر مقاتلو كتيبة القرم الإسلامية في صور ومقاطع فيديو عديدة وهم يقاتلون على الجبهات في أوكرانيا، حيث أظهرت بعض الفيديوهات حجم ونوع التسليح الذي يمتلكه مقاتلو الكتيبة التترية.
وفي 29 من مارس/آذار 2022، ظهر عيسى أكاييف مبتسماً، برفقة مجموعة من مقاتليه في مقطع فيديو ببلدة موتيجين غرب العاصمة كييف، وهم يتحدثون مع بعض السكان الذين رحبوا بهم، بعد استعادتهم السيطرة على البلدة التي كانت القوات الروسية قد سيطرت عليها خلال المعارك مؤخراً. وقالت الكتيبة إنها نفّذت عملية استعادة قرية موتيجين على أطراف العاصمة، بمساندة من قوات الجيش الأوكراني، متوعدة في الوقت نفسه بإلحاق الخسائر في صفوف الجيش الروسي.
من هم تتار القرم المسلمون؟
تتار القرم هُم مجموعة عرقيّة، تُقيم بإقليم شبه جزيرة القرم الذي سيطرت عليه روسيا من أوكرانيا في عام 2014، ويتحدثون لغتهم المحليّة الخاصة القريبة من اللغة التركية. يعود أصل تتار القرم إلى قبائل تركيّة قديمة سكنت الساحل الشمالي للبحر الأسود، ويقال إن أجدادهم ينحدرون من جبال القوقاز.
وتتحدث المصادر التاريخية عن أن تتار القرم استقروا في شبه جزيرتهم خلال العصر العباسي، فأسسوا جمهورية "تتار القرم" المُسلمة التي أصبحت دولة قوية في القرن الرابع عشر الميلادي، واستطاعت أن تمد نفوذها إلى المناطق المجاورة، حتى إنها فرضت ذات يوم الجزية على موسكو.
ولاحقاً، ضمت القرم إلى الخلافة العثمانية، إلى أن تمكّن الروس بعد قرابة القرن من غزو شبه جزيرة القرم وضمها إليهم في سنة 1783م، خلال عهد الإمبراطورة الروسية كاثرين العظيمة، حيث عانى عشرات الآلاف من تتار القرم في العقود التي تلت ذلك، من السياسات التمييزية الروسية، مما دفع الكثيرين منهم إلى النزوح إلى الدول المجاورة، بما في ذلك الإمبراطورية العثمانية.
عقب ثورة أكتوبر/تشرين الأول البلشفية عام 1917، مُنحت شبه جزيرة القرم حكماً ذاتياً باعتبارها جمهورية من جمهوريات الاتحاد السوفييتي، واحتلها النازيون في أوائل عام 1940 قبل أن يُطردوا منها.
ولكن عندما وصل الزعيم السوفييتي السابق جوزيف ستالين إلى الحكم، قام بين ليلة وضحاها وتحديداً بين 2 و18 مايو/أيار 1944، بترحيل الشعب التتري بالكامل باتجاه سيبيريا ووسط آسيا. ووفقاً لما ذكرته مجلة National Geographic، فقد تم إخطار سكان التتار المسلمين بضرورة إخلاء منازلهم ومنحهم مدة 30 دقيقة فقط للبدء بالخروج.
مات ما يقرب من نصف المنفيِّين من الرجال والنساء والأطفال الذين تم تحميلهم على عربات الماشية، والبالغ عددهم 200 ألف، في الطريق أو بعد وقت قصير من وصولهم إلى جبال الأورال وسيبيريا وآسيا الوسطى، وأودى الترحيل بحياة من ثلث إلى نصف سكان تتار القرم في ذلك الوقت. أما نفيهم من منازلهم فكان عقاباً لهم على تعاونهم المزعوم مع ألمانيا النازية، التي احتلت شبه جزيرة القرم في الحرب العالمية الثانية.
ويُنظر اليوم إلى يوم ترحيل تتار القرم على أنه رمز لاضطهاد هذه الأقلية العرقية، حتى إن البرلمان الأوكراني أعلن في عام 2015، اعترافه بيوم 18 مايو/أيار على أنه "يوم إحياء ذكرى ضحايا إبادة تتار القرم الجماعية"
خلال الأزمة الأوكرانية في عام 2014، رفض تتار القرم العيش تحت ظل الاتحاد الروسي وتظاهروا داخل شبه الجزيرة ضد الإجراءات الانفصالية عن أوكرانيا، حيث لم تغب عنهم ذكريات الاضطهاد الروسي القديمة. لكن في 16 مارس/آذار 2014، وقع ما كان تتار القرم المسلمون يخشونه، حيث تم ضم شبه الجزيرة إلى روسيا، عبر استفتاء من جانب واحد، لم يُعترف به دولياً.