نحو رمضان مختلف - 3 - ريح مرسلة
رابطة علماء أهل السنةنحو رمضان مختلف
3 - ريح مرسلة
بقلم د. سعد الكبيسي
لماذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود ما يكون في رمضان فهو كالريح المرسلة؟ كما وصفه ابن عباس رضي الله عنه فقال: " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ" رواه البخاري ومسلم.
والريح المرسلة هي الريح السريعة المنطلقة التي لا يوقفها شيء، ويعني التشبيه أن جوده صلى الله عليه وسلم كان سريعا مستمرا غير محدود، فيعطي قبل السؤال، ولا يتأخر عنه بعد السؤال، سواء كان هذا العطاء كميا أو نوعيا.
ما علاقة الجود برمضان؟ ولماذا كان الجود الأكبر فيه؟ لعل السبب في جملة أمور:
أولا: إن رمضان شهر الرحمة والمغفرة والعتق من النار، والصدقة والجود والإنفاق سبب لنيل ذلك.
ثانيا: إن رمضان تعظم فيه الأجور والمثوبة، فهذا يدفع لمزيد من الجود.
ثالثا: إن القرب من القرآن في رمضان يحرك لتحقيق معاني القرآن وأوامره في الجود ورعاية المحتاجين.
رابعا: إن الجود في رمضان يجبر النقص المتوقع من الصيام، فقد يبتلى المسلم ببعض القول أو الفعل المنافي لمقاصد الصيام، فيأتي الجود هنا ليكمل النقص ويجبر المنكسر، كما تجبر صلاة النافلة صلاة الفريضة.
خامسا: إن رمضان مظنة وقت الحاجة والجوع المحتمل للصائمين من الفقراء، خصوصا أن هناك عيدا يعقب رمضان، والعيد فرحة وتوسعة، فسد حاجتهم في هذا الشهر أولى وأكثر طلبا.
سادسا: إن النفس في رمضان تتخفف من ذنوبها ومن كثرة طعامها وشرابها، فتزكو هذه النفس وتشف وترق وتصبح أكثر استعدادا للبذل والعطاء والجود.
سابعا: لأن الشياطين مصفدة في رمضان فإن نوازع الخير والجود تكون أسهل وأكثر فاعلية، فتنكمش خصال الأثرة والشح والبخل والخوف من الفقر وحب المال.
ثامنا: لا يقتصر الجود في رمضان على المال، بل الجود بالوقت والجهد والمعونة والشفاعة ورفع المعاناة والحاجة عن الناس، فالجود صور متعددة.
تاسعا: إن كرم الله على العبد بأن أتاح له أن يبلغ الشهر الكريم وأن يصومه ويقومه قويا صحيحا، يناسب مقابلة هذا الجود والكرم الرباني بجود العبد وكرمه وشكره.
عاشرا: إن رمضان شهر مميز في كل شيء في قرآنه وصلاته وصيامه وذكره ودعاءه، فناسب أن يكون مميزا في جوده وإنفاقه وكرمه.
تلك عشرة كاملة، فيا من أكرمك الله ببلوغ رمضان لا تحبس عطائك عن مستحقيه، ودع الناس تستقبل جودك كالريح المرسلة بصادق الدعاء والثناء ...