دلالة ”لا حول ولا قوة إلا بالله” وفضائل قولها على ألسنة البشر
رابطة علماء أهل السنةكلمة (لا حول ولا قوة إلا بالله) من الكلمات العظيمة التي وردت النصوص بفضلها وعظم شأنها، حيث قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: "ألا أدلك على كنز من كنوز الجنة: لا حول ولا قوة إلا بالله". وقد تضمنت معان عقدية عظيمة القدر، لمن فقهها غير دلالتها على القدر، منها:
- أنها كلمة استعانة بالله العظيم: ومن استعان بالله جل جلاله، فالله سبحانه يعينه على قضاء حوائجه، وجميع ما يصلحه. والاستعانة بالله من أفضل العبادات وأجلّها وتعرف منزلتها وعظم شأنها من خلال سورة الفاتحة التي أمر الله سبحانه عباده أن يتعبدوه بتلاوتها يومياً مراراً، وذلك في قوله تعالى: "إِيَّاكَ نَعْبُدُ وإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ"، فهذه الآية فيها إخلاص الاستعانة لله لأنه قدم ما حقه التأخير فأفاد حصر الاستعانة بالله وكذلك لا حول ولا قوة إلا بالله كلمة تحتوي على الإخلاص لله بالإستعانة فهي تدل على ما دلت عليه.
- الإقرار بأنواع التوحيد الثلاثة: توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات، وتوحيد الألوهية، فقائلها يقر ويعتقد بأن الله وحده المدبر بهذا الكون المتصرف بحكمته ومشيئته فلا يقع فيه شئ إلا بإذنه ومشيئته، كما أنه معترف بأن من كان هذا وصفه فهو بالطبع غنيًّ عن خلقه قائم بذاته متصف بصفات الكمال من القدرة والعظمة والقوة والعزة، ومن يعتقد هذا في خالقه كان عليه لزاماً أن يؤلهه ويعبده ويقصده ويلتجئ إليه ولا يرجو أحداً سواه، ولا يدعو أحداً إلا هو، لأنه بيده التصرف التام وله الملك وهو على كل شئ قدير.
-التوكل على الله وتفويض الأمور إليه، والاستسلام والإذعان له مع إظهار الذل والافتقار له سبحانه فهو الغني والعبد فقير إليه لا يملك من أمره شيئاً. ومما يدل على فضل "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وعلو منزلتها، ومما يرغب في الإكثار من قولها باللسان وإمرارها على الجنان أمور كثيرة، نذكر منها:
1. إخبار النبي صلى الله عليه وسلم عنها بأنها كنز من كنوز الجنة:
فعن أبي موسى الأشعري ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر فجعل الناس يجهرون بالتكبير، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أيها الناس أربعوا على أنفسكم إنكم ليس تدعون أصم ولا غائباً، إنكم تدعون سميعاً قريباً وهو معكم، قال: وأنا خلفه وأنا أقول: قل، لا حول ولا قوة إلا بالله.
قال النووي رحمه الله: قوله صلى الله عليه وسلم: لا حول ولا قوة إلا بالله كنز من كنوز الجنة: قال العلماء: سبب ذلك أنها كلمة استسلام وتفويض إلى الله تعالى واعتراف بالإذعان له وأنه صانع غيره ولا راد لأمره وأن العبد لا يملك شيئاً عن الأمر ومعنى الكفر هنا أنه ثواب مدخر في الجنة وهو ثواب نفيس كما أن الكنز أنفس أموالكم. والكنز مال مجتمع لا يحتاج إلى جمع وذلك أنها تتضمن التوكل والافتقار إلى الله تعالى ومعلوم أنه لا يكون شئ إلا بمشيئة الله وقدرته، وأن الخلق ليس منهم شئ إلا ما أحدثه الله فيهم.
وقول "لا حول ولا قوة إلا بالله" يوجب الإعانة ولهذا سنها النبي صلى الله عليه وسلم إذا قال المؤذن: حي على الصلاة، فيقول المجيب: لا حول ولا قوة إلا بالله، فإذا قال: حي على الفلاح، قال المجيب "لا حول ولا قوة إلا بالله"، وقال المؤمن لصاحبه: "ولولا إذا دخلت جنتك قلت ما شاء الله لا قوة ألا بالله"، ولهذا يؤمر بهذا من يخاف العين على شئ فقوله: ما شاء الله، تقديره: ما شاء الله كان فلا يأمن، بل يؤمن بالقدر ويقول لا قوة إلا بالله.
2. ومن فضلها أن الله سبحانه يصدق قائلها:
فمن صدقه الله تعالى على ما يقول فليبشر بالخير بإذن الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: إذا قال العبد: لا إله إلا الله والله أكبر صدقه ربه، قال: صدق عبدي لا إله إلا أنا وأنا وحدي، وإذا فال: لا إله إلآ الله وحده لا شريك له، صدقه ربه قال: قال صدق عبدي لا إله إلا أنا ولا شريك لي، وإذا قال: لا إله إلا الله له الملك وله الحمد قال: صدق عبدي، لا إله إلا أنا لي الملك ولي الحمد، وإذا قال: لا إله إلا الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، قال: صدق عبدي لا حول ولا قوة إلا بي.
3. من فضلها أن من قالها حين يخرج من بيته مع البسملة والتوكل على الله أنه يوفى ويُكفى ويُهدى:
عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا خرج من بيته فقال بسم الله وتوكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله فيقال له حسبك قد كفيت وهديت ووفيت فيلقى الشيطان شيطاناً آخر فيقول له كيف لك برجل قد كفي وهدي ووفي.
4. ومن فضائلها أنها من الباقيات الصالحات ومن أحب الكلام إلى المولى جل جلاله:
قال الله تبارك وتعالى في محكم التنزيل: "وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا"(الكهف: 46). فقد ورد في تفسير هذه الآية عن جمع من الصحابة والتابعين أن الباقيات الصالحات هي سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وسئل ابن عمر رضي الله عنهما عن الباقيات الصالحات؟ فقال: لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: هي ذكر الله، قول لا إله إلا الله والله أكبر وسبحان الله والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، واستغفر الله، وصلى الله على رسول الله والقيام والصلاة والحج والصدقة والعتق والجهاد وأعمال الحسنات وهي الباقيات الصالحات التي تبقى لأهلها في الجنة، وقد ورد في فضلهن أي الكلمات الباقيات الصالحات أنهن يكفرنَّ الذنوب، فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما على الأرض رجل يقول: لا إله إلا الله، والله أكبر، وسبحان الله، والحمد لله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، إلا كُفِّرت عنه ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.
5. ومن فضائلها أنها غراس الجنة:
فقد ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة أسري به مر على إبراهيم عليه السلام فقال: من معك يا جبريل؟ فقال: هذا محمد، فقال له إبراهيم أأمُر أمتك فليكثروا من غراس الجنة فإن تربتها طيبة وأرضها واسعة، قال: وما غراس الجنة؟ قال: لا حول ولا قوة إلا بالله.
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
مراجع البحث:
-
د. علي محمد محمد الصّلابيّ، الإيمان بالقدر، دار ابن كثير، بيروت، ص (88: 91).
-
ابن تيمية، مجموع الفتاوى، وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودية - مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، السعودية، 1425ه - 2004م، (13 / 321).
-
البخاري، صحيح البخاري، دار الفكر، دمشق، الطَّبعة الأولى، 1411هـ - 1991م، ك المغازي، رقم (39668).
-
الترمذي، سنن الترمذي، بعناية أحمد محمد شاكر، مصر: شركة مصطفى الحلبي، ط2، 1398هـ، 1978م، ك الدعوات، رقم (3430). رقم (3460).
-
الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، بيروت: دار الكتب العلمية، ط1، 1992م، (15/ 255).
-
علي الكيلاني، المباحث العقدية المتعلقة بالأذكار، الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، 2007م (2/ 891 - 892 - 902 - 903).
-
مسلم، صحيح مسلم، تحقيق محمَّد فؤاد عبد الباقي، دار إِحياء التراث العربي، بيروت ـ لبنان، الطَّبعة الثانية 1972م (17 / 26).