الخروج والخوارج... وتوصيف الحالات المعاصرة ( مبارك / مرسي/ السيسي)
ليس كل خروج على الحاكم يعدّ خروجا مذموما محرما، بل منه المذموم ومنه المحمود، وعليه فالموصوفون بالخروج أشكال وأصناف وهم كالتالي:
1-فرقة الخوارج: وهم إحدى الفرق الإسلامية الكبرى جاء في تعريفهم – كما في الفتح لابن حجر- أنهم: الذين أنكروا على علي التحكيم وتبرأوا منه ومن عثمان ومن ذريته وقاتلوه، وقد أجمل ابن قدامة آراءهم في المغني فقال: الخوارج الذين يكفرون بالذنب، ويكفرون عثمان وعليا وطلحة والزبير، وكثيرا من الصحابة، ويستحلون دماء المسلمين، وأموالهم، إلا من خرج معهم.(8/ 524). وهؤلاء جاء الحديث النبوي في ذمهم، ففي الصحيحين عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ...أَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي» فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: " إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ".
قال ابن قدامة: وأكثر الفقهاء (وهذا قول أبي حنيفة، والشافعي، وجمهور الفقهاء، وكثير من أهل الحديث) على أنهم بغاة، ولا يرون تكفيرهم، قال ابن المنذر: لا أعلم أحدا وافق أهل الحديث على تكفيرهم وجعلهم كالمرتدين. وقال ابن عبد البر، في الحديث الذي رويناه: قوله: «يتمارى في الفوق» . يدل على أنه لم يكفرهم؛ لأنهم علقوا من الإسلام بشيء، بحيث يشك في خروجهم منه. (المغني (8/ 525)).
2 - البغاة: وهم الخارجون على الإمام الحق بغير حق ولهم منعة. (الموسوعة الفقهية (4/ 208)).
ويشترط في تحقق وصف البغاة أن يكون لأصحابه:
أ- شوكة ومنعة.
ب- أن يكون خروجهم بتأويل غير سائغ.
ت- واشترط البعض أن ينصبوا منهم إماما.
ث- وأن يكون الإمام عادلاً.
وهؤلاء على الحاكم مراسلتهم ومحاورتهم، ومحاولة إزالة ما ينقمونه، فإن كانت لهم مظلمة رفعت، وإن كانت لهم شبهة أزيلت، وإن أصروا قاتلهم. (يراجع: نهاية المطلب/ الجويني (17 / 126)، مجموع الفتاوى/ ابن تيمية / (4 / 450).
3 - قطاع الطريق المحاربون: يعرف العلماء قطع الطريق بأنه: البروز لأخذ مال أو لقتل أو لإرعاب على سبيل المجاهرة، مكابرة اعتماداً على القوة مع البعد عن الغوث. والقائمون بهذا العمل قوم خرجوا قاطعين الطريق، وفعلهم يدخل تحت ما يسميه الفقهاء بالحرابة، وتسمى قطع الطريق عند أكثر الفقهاء.
والفرق بين هؤلاء المحاربين قطاع الطرق وبين البغاة: أن البغي يكون بالخروج على تأويل غير قطعي الفساد، والمحاربون خرجوا فسقاً على غير تأويل.
فالبغاة يعادون الحاكم نفسه، ويعارضونه في حكمه، ولهم تأويل غير قطعي الفساد، والمحاربون يعادون الرعية أصلاً، ويريدون مالها وترويعها، ليس معهم تأويل.. (يراجع: الموسوعة الكويتية (17 / 153)).
4 ـ دعاة الحق: وهؤلاء عرفهم ابن حجر _ في الفتح_ بأنهم: خرجوا غضباً للدين من أجل جور الولاة، وترك عملهم بالسنة النبوية، فهؤلاء أهل حق. وعدّ ابن حجر من هؤلاء: الحسين بن علي، وأهل المدينة في الحرة، والقراء الذين خرجوا على الحجاج في قصة عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث. فهؤلاء دعاة حق خرجوا على إمام جائر، عندهم من الله فيه برهان، ويستشهد لفعل هؤلاء بحديث عبادة في الصحيحين:"إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا، عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ".
وهؤلاء الخارجون لا يجوز قتلهم، قال ابن حجر: وأما من خرج عن طاعة إمام جائر؛ أراد الغلبة على ماله أو نفسه أو أهله فهو معذور، ولا يحل قتاله، وله أن يدفع عن نفسه وماله وأهله بقدر طاقته... ((فتح الباري لابن حجر (12/ 301)).
وقد أخرج الطبري بسند صحيح عن عبد الله بن الحارث عن رجل من بني نضر عن علي وذكر الخوارج فقال: إن خالفوا إماما عدلا فقاتلوهم، وإن خالفوا إماما جائرا فلا تقاتلوهم، فإن لهم مقالا".
الخروج من مبارك وحتى السيسي:
ولبيان هذا الأمر أُذكّر بأن الخروج الممنوع ما كان الخروج فيه:
1. على الإمام الحق.
2. بغير حق.
3. والخارجون لهم منعة.
وفي هذا الجدول أوضح الفارق بين الحاكم الشرعي وبين غيره، ومتى يكون الخروج مشروعا ومتى لا يكون مشروعا:
م الحاكم حكم الخروج الأسباب
1. مبارك الخروج عليه كان مشروعا • لم يكن إماما (حاكما) بحق، لأن رئاسته لم تكن باختيار الشعب، ولا وفق إرادته.
• كان الخروج بحق لانتشار الظلم والفساد والقهر الذي عم البلاد والعباد، وأكبر دليل على ذلك الشعار الذررفع وفيه (عيش، حرية، عدالة اجتماعية).
• لم يكن مع الثوار شوكة ولا منعة (قوة وسلاح) وإنما خرجوا بصدور عارية.
2. مرسي الخروج عليه لم يكن مشروعا • كان إماما (حاكما) بحق، لأن الشعب اختاره بآلية اتفق جمهور الفقهاء في العصر الحديث على مشروعيتها (الانتخابات).
• لم يكن الخروج بحق، لأن ما أشيع حول مرسي كان افتراء وإشاعات باطلة، (بالرغم مما كان في تجربة الرئيس مرسي من إخفاقات، فهذا يجيز التظاهر لكنه لا يجيز الخروج ولا الانقلاب).
• خرج المتمردون ومن ساعدهم ودبر لهم بالسلاح وقتلوا الأبرياء قبل 30/ 6 وبعده.
3. منصور وسيسي الخروج عليهما مشروع • لم يكن أحدهم إماما (حاكما) بحق، لأن منصور عينه وزير منقلب على حاكم شرعي، والسيسي جاء وفق آلية باطلة، وانتخابات شكلية شابها التزوير والغش والتدليس.
• الخروج عليهما كان خروجا بحق، لأن المظاهرات والمسيرات التي خرج الشباب فيها بعد 30/ 6 والتي ما زالت مستمرة (مهما كان ضعفها، وقلة تأثيرها في الآونة الأخيرة) هي أعمال مشروعة كفلها الشرع والدستور، وليس لأحد منع أحد من حق التظاهر.
• لم يكن مع الثوار شوكة ولا منعة (قوة وسلاح) وإنما خرجوا – ومازال خروجهم بصدور عارية.
ولئن كان ابن حزم ذكر ثلاثة أنواع للمتمردين الخارجين -سبقت الإشارة إليهم-، حدث في مصر لا يدخل في هذه الأنواع الثلاثة، بل هو صنف رابع جديد، وهذا الصنف هو: من خرج حبا في السلطة بلا شبهة، وزاد على ذلك أنه كاره للإسلام حكما وخلافة، ومما قاله صراحة قائد الانقلاب في ذلك: لو كان الانقلاب عليه لفشله، كنا صبرنا عليه لإنتهاء مدته، ولكنه أراد إحياء المشروع الإسلامي والخلافة.
المنقلبون تحولوا من بغاة إلى محاربين بسسب جرائمهم:
والبغاة (السيسي ومن معه منهم) يصيرون بغاة إذا ما روعوا الآمنين، وسفكوا الدماء وهتكوا الأعراض، وهذا وقع وللأسف تحت عين القضاء والقانون، وبمباركة الإعلام وجوقة المثقفين، ومن أروع ما قاله ابن حزم في مثل هؤلاء: فإن تعدت هذه الطائفة (أي الباغية) إلى إخافة الطريق، أو إلى أخذ مال من لقوا، أو سفك الدماء هملا: انتقل حكمهم إلى حكم المحاربين، وهم ما لم يفعلوا ذلك في حكم البغاة. ((المحلى بالآثار (11/ 333)