السبت 29 يونيو 2024 08:18 مـ 22 ذو الحجة 1445هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    قِصّة أمِّ المؤمنين عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا في حجّة الوداع (3) رِعايةُ عائشةَ للنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في الحجِّ

    رابطة علماء أهل السنة

    السفر لم يمنع عائشة من رعاية النبي صلى الله عليه وسلم :
    وفي الميقات صلَّت أُمُّنا عَائِشَةُ رَضِي اللَّه عَنْهَا صلاة العصر قصرًا، والمغرب، والعشاء قصرًا، وفجر اليوم التالي، وبعد صلاة الظهر تحرَّكت قافلة الحجِّ إلى مكة.
    وفي فترة بقاء أُمِّنا عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا في الميقات كانت تقوم على رعاية النبيِّ صلى الله عليه وسلم من كلِّ وجه، حتى أنها كانت تُطَيِّبه ليطوف على نسائه قبل إحرامه، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَطَافَ فِى نِسَائِهِ ثُمَّ أَصْبَحَ مُحْرِمًا.
    وهذا الطيب لم يعلم به الصحابة لولا تحديث أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا به، لأنه شأن داخلي في البيت، فعله النبيُّ صلى الله عليه وسلم قبل معاشرته لزوجاته بالليل، وهذا من حسن عشرته صلى الله عليه وسلم لزوجاته. وإذا كان هذا فعل النبيِّ صلى الله عليه وسلم وهو رجل، فتطيُّب المرأة لمثل هذا من باب أولى، ولذلك ذكر العلماء ((أَنَّ السُّنَّةَ اتِّخَاذُ الطِّيبِ لِلرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ عِنْدَ الْجِمَاعِ)). (فتح الباري 1/381)
    وهذه المعاشرة بين الزوجين قبل الإحرام لا تُخِّل بمشاعر الحجِّ، ولا تمنع منه، بل هي جزء من تفريغ النفس عن احتياجها الفطري قبل الدخول في النُّسك، حتى لا تنشغل النفس به في النُّسك، أو تضعف فتقع في المحظور.
    ولا يُعاب على المرأة في الحجِّ تزيُّنُها لزوجها ليلة الإحرام وتطيُّبُها ليعاشرها، فإن لها أسوةً بأمهات المؤمنين رضي الله عنهنَّ.

    وفي صباح اليوم التالي طيَّبت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيدها ليُحرمَ بالحجِّ؛ قالت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، عِنْدَ إِحْرَامِهِ حِينَ أَرَادَ أَنْ يُحْرِمَ.
    وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تختارُ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم أفضلَ ما تجد من الطِّيب، كما قالت رضي الله عنها: كُنْتُ أُطَيِّبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَطْيَبِ مَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ، ثُمَّ يُحْرِمُ.
    وكانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تفتخر بأنها طيَّبتِ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بيدها فتقول: طَيَّبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيَّ هَاتَيْنِ حِينَ أَحْرَمَ.
    وكلُّ هذا يدلُّ على شِدَّة عناية أُمِّنا عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا بالنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في حال سفره، وعنايتها بمظهره ورائحته.
    وفي هذا تنبيهٌ لكِ أختي الحاجَّة، أن تعتني بزوجكِ إن كان معكِ في الحجِّ بمثل ما اعتنت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولا يمنعكِ السفرُ للحجِّ من ذلك.

    التطيُّب للإحرام:
    وفي الميقات كانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تتطيَّب للإحرام فتضع الطِّيب على جبهتها، ويبقى أثر هذا الطِّيب بعد الإحرام، تقول أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا: كُنَّا نَخْرُجُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ، فَنُضَمِّدُ جِبَاهَنَا بِالسُّكِّ الْمُطَيَّبِ عِنْدَ الإِحْرَامِ، فَإِذَا عَرِقَتْ إِحْدَانَا سَالَ عَلَى وَجْهِهَا، فَيَرَاهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَلا يَنْهَاهَا.
    وإنما كانت أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا تضع الطِّيب عند إحرامها، لأنه ((يُسْتَحَبُّ لِلْمَرْأَةِ مَا يُسْتَحَبُّ لِلرَّجُلِ؛ مِنْ الْغُسْلِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ، وَالتَّطَيُّبِ، وَالتَّنَظُّفِ)). (المغنى 3/303)
    ولم يكن هذا فعل أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا فقط، بل كان هذا فعل جميع زوجات النبيِّ صلى الله عليه وسلم كما أخبرتنا بذلك أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا، حيث ذكرت: ((أَنَّهُنَّ كُنَّ يَخْرُجْنَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، عَلَيْهِنَّ الضِّمَادُ، قَدِ اضْطَمَدْنَ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمْنَ، ثُمَّ يَغْتَسِلْنَ وَهُوَ عَلَيْهِنَّ، يَعْرَقْنَ وَيَغْتَسِلْنَ لَا يَنْهَاهُنَّ عَنْهُ)).
    وهذا الطِّيب الذي تتحدَّث عنه أُمُّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا هو عبارة عن مجموعة مواد تُطحن أو تُدقُّ وتُخلط بنوع من الزيوت، ثم تُحوَّل كالعجينة، ثم تُجفَّف، أو تُستخدم وهي عجينة، والغالب أنَّ أُمَّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا كانت تستخدمها وهي عجينة، ولذلك كانت تضعها على جبهتها كما يوضع الضماد على الرأس.
    وهذا الطيب يشبه اليوم ما تضعه المرأة على وجهها من مواد عصرية، فهو طيب تتجمل به، ولكنه لا رائحة له يَشمُّها الرجال منها.
    ودلَّ فعلُ أُمِّنا عَائِشَة رَضِي اللَّه عَنْهَا على جواز وضع المرأة لهذا النوع من الطيب أو الزينة، واستدامة ذلك بعد الإحرام، أي يبقى على جسدها أو وجهها بعد الإحرام ولا تلزم بإزالته؛ لأن النبيَّ صلى الله عليه وسلم كان يَراهنَّ ولم ينكرْ عليهنَّ، بل سكت عنهنَّ، وسكوته دليل الجواز.
    وفي هذا تنبيهٌ للمرأة في الحجِّ بألا تنكر على من تتزين للإحرام بزينة لا يراها الرجال، مادامت هذه الزينة وهذا الطيب مما لا رائحة له يشمُّه الرجال.

    أسماء بنت عميس تلد في الميقات:
    وفي أثناء وقوف قافلة الحج في ميقات ذي الحليفة ولدت أسماء بنت عميس رضي الله عنها بمحمد بن أبي بكر، فطلبت من زوجها أبي بكر الصديق رضي الله عنه أن يستفتي لها النبي صلى الله عليه وسلم ، قال جابر بن عبدالله رضي الله عنهما: فَخَرَجْنَا مَعَهُ حَتَّى أَتَيْنَا ذَا الْحُلَيْفَةِ، فَوَلَدَتْ أَسْمَاءُ بِنْتُ عُمَيْسٍ مُحَمَّدَ بْنَ أَبِي بَكْرٍ، فَأَرْسَلَتْ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، كَيْفَ أَصْنَعُ؟ قَالَ: ((اغْتَسِلِي وَاسْتَثْفِرِي بِثَوْبٍ وَأَحْرِمِي)). أي اجْعلي موضعَ خروج الدَّم خرقة أو قطعة قماش تَمنع الدَّم.
    فأمرها النبي صلى الله عليه وسلم أن تغتسل للإحرام، ولو كانت نفساء، وكذلك الحائص إذا وصلت الميقات تغتسل للإحرام وتحرم، غير أنها لا تطوف بالبيت ولا تصلي، وتنسك المناسك كلَّها.

    قصة أم المؤمنين عائشة حجة الوداع تعظيم شعائر

    مقالات