المرأة في السنة النبوية ( 3 ) يا عائشة بيت لا تمر فيه جياع أهله
رابطة علماء أهل السنةمن يَتربَّى على أحاديث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَتربَّى على قواعد عظيمة تُنير له طريقه فِي الحياة، وتُعينه على حسن التعامل مع قضايا الواقع والمجتمع، ويعيش فِي سعادة لا يشعر بها إلَّا مَنْ سلك هذا الطريق. كيف لا والله سبحان وتعالى أرسله رَحْمَة للعالمين، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً». (رواه مسلم)
وتَتَجلَّى هذه الرحمة فِي تركه كلَّ ما يخشى أنْ يشقَّ على أُمَّته، حتى السِّواك الذي هو مَطْهَرة للفم مَرضاة للربِّ، خشي النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنْ يشقَّ علينا لو فرضه مع كلِّ صلاة، فقال: «لَوْلا أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي أَوْ عَلَى النَّاسِ لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ مَعَ كُلِّ صَلاةٍ». (رواه البخاري)
فمن أين جاءتنا المشقة فِي تطبيقنا لهذا الدين؟!
جاءت من عدم التزامنا باليُسر الذي جاء به النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وتَركِنَا للقواعد التي علَّمنا إيَّاها. ومثال ذلك: البحث عن الفقير لإعطائه الصَّدقة.
ففي هذا الشهر الفضيل، شهر رمضان، يسعى النَّاس لإخراج زكاتهم، وصدقاتهم، فيبحثون عن الفقير الذي يستحق الزكاة.
فما هي مواصفات الفقير عند المسلمين اليوم؟ ولماذا يصعب على البعض معرفة الفقير؟
لننظر إلى طريقة تعليم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأمِّ المؤمنين عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، ثم نقيس ذلك على واقعنا اليوم لنعرف الجواب.
عَنْ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا عائشةُ، بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ، يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ». قَالَهَا مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا. (رواه مسلم)
إنَّ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يضع لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قاعدة فِي معرفة الفقير الجائع الذي ينبغي السعي لسدِّ جوعته، وهو الذي لا يمتلك القوت الذي يقتاته أهل بلده.
قال القرطبي رحمه الله: ((هذا إنَّما عنى به النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ المدينة، ومَنْ كان على حالهم، ممن غالب قوتهم: التمر، وذلك: أنه إذا خلا البيت عن غالب القوت في ذلك الموضع كان عن غير الغالب أخلى، فيجوع أهله؛ إذ لا يجدون شيئًا. ويَصْدُق هذا القول على كلِّ بلد ليس فيه إلَّا صنف واحد، أو يكون الغالب فيه صنفًا واحدًا، فيقال على بلد ليس فيه إلا البُرُّ: بيت لا بُرَّ فيه جياع أهله)). (المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم 5/ 320)
فهذا التوجيه النبوي لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يعيننا على معرفة الفقير بشكل واضح من غير تعقيد ولا تعنُّت. فَمَن لم يملك أساسيات الحياة فِي زمانه فهو فقير.
وفي هذه القاعدة النبوية التي علمها النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا توجيهٌ تربويٌ آخر، وهو القناعة بالرزق، فقول النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ))، يدلُّ بدليل المخالفة أنَّ البيت الذي فيه تمرٌ لا يجوع أهله، وقد قالها النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشَة فِي حديث آخر بشكل صريح، فعَنْ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لا يَجُوعُ أَهْلُ بَيْتٍ عِنْدَهُمُ التَّمْرُ». (رواه مسلم)
قال الطيبي رحمه الله: ((أقول: يمكن أنْ يُحمل على الحثِّ على القناعة في بلاد يكثر فيه التمر، يعني بيت فيه تمر وقنعوا به لا يجوع أهله. وإنَّما الجائع مَنْ ليس عنده تمرٌ)). (الكاشف عن حقائق السنن 9/ 2847)
وفي هذا تربيةٌ لأهل البيت وخاصَّة المرأة على القناعة برزق الله، وعدم التسخُّط، أو التنقُّل من جهة لأخرى لطلب المال، فإنَّ امتلاكهم لما يُعَيِّشهم مِنَ الطَّعام مما هو متعارف عليه مِنْ قوت البلد، يرفع عنهم اسم الجياع، ويلزمهم شكر نعمة الله عليهم، فإنْ جاءهم مالٌ بغير طلبٍ مِنْهم فهذا من توسعة الله عليهم. لأنَّ المسألة وطلب الصدقات مِنَ النَّاس فيها حرجٌ كبيرٌ، فقد جاء عَنْ قَبِيصَةَ بْنِ مُخَارِقٍ الْهِلَالِيِّ، قَالَ: تَحَمَّلْتُ حَمَالَةً، فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسْأَلُهُ فِيهَا، فَقَالَ: ((أَقِمْ حَتَّى تَأْتِيَنَا الصَّدَقَةُ، فَنَأْمُرَ لَكَ بِهَا))، قَالَ: ثُمَّ قَالَ: ((يَا قَبِيصَةُ إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلاَّ لأَحَدِ ثَلاثَةٍ: رَجُل تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُومَ ثَلاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلانًا فَاقَةٌ، فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ مِنَ الْمَسْأَلَةِ يَا قَبِيصَةُ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا سُحْتًا)). (رواه مسلم)
وأخيرًا، هذا التوجيه النَّبوي لعائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا يُعلِّم الرجالَ فَنِّ إدارة المال فِي النفقة على البيت، فتكون أولويةُ الإنْفاق فِي توفير القوت الذي تسكن به نفوس أهل البيت، ثم ما زاد عَنْ ذلك صرفه فِي الأمور التحسينية التي يحتاجها أهلُ البيت.
هذه بعض التوجيهات المستخرجة مِنْ كلمةٍ قصيرةٍ جامعةٍ قالها النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ((يَا عَائِشَةُ، بَيْتٌ لا تَمْرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهْلُهُ)). ينتفع بها المجتمع، وتنتفع بها الأسرة، وينتفع بها الفرد فِي حياته.
فكيف سيكون حالنا لو أنَّنا تربينا على أحاديث النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وربينا أُسَرَنا على ذلك، وحرصنا على قراءتها ونشرها بين الناس، خاصَّة وأنَّها موجهةٌ لنا مِمنْ أرسله الله رحمة لنا؟!
فهل نعزم على قراءة كتاب مِنْ كتب الأحاديث فِي هذا الشهر الفضيل، ككتاب صحيح البخاري مثلاً أو رياض الصالحين؟
والحمد لله رب العالمين