الثلاثاء 3 ديسمبر 2024 08:29 مـ 1 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    المرأة في السنة النبوية ( 2 ) يا عائشة عليك بجمل الدعاء وجوامعه

    رابطة علماء أهل السنة

    (يا عائشة)، هذا النداء اللطيف الذي كان يخاطب به النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زوجته عند تعليمها، يَدلُ على أَدَب النُّبُوة فِي التعامل مع الزوجة، وأَدَب مُناداة الزوجة باسمها، أوْ بكُنيتها، كما يدل على عمق المحبة بين الزوجين.
    إنَّ مناداة الزوجة بأحبِّ أسمائها إليها ممَّا يُصفي الودَّ بينها وبين زوجها، ويُجعلها تستقبل التوجيه الذي يوجهها به.

    تقول عائشة رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: دَخل عَليَّ النبيُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأَنا أُصلي ولَه حَاجة فَأبطأتُ عَليه، قَالَ: ((يَا عائشة ‌عَليكِ ‌بِجُملِ ‌الدُعاءِ وجَوامِعه)) فَلما انصرَفتُ قُلت: يَا رَسُولَ اللَّهِ ومَا جُمَلِ الدُعاءِ وجَوامِعه؟ قَالَ: ((قُولي: اللهُم إِنِّي أَسألُك مِن الخَير كُله، عَاجِله وآجِله، مَا عَلمتُ مِنه ومَا لَم أَعلم، وأَعوذُ بِك مِن الشَرِ كُلهِ، عَاجِله وآجِله، مَا عَلمتُ مِنه ومَا لَم أَعلم، وأَسألُك الجَنةَ ومَا قَربَ إِليها مِن قَولٍ أَو عَملٍ، وأَعوذُ بِك مِن النَّار ومَا قَربَ إِليها مِن قَول أَوْ عَملٍ، وأَسألُك مِمَا سَألَك بِه مُحمدٌ، وأَعوذُ بِك مِمَا تَعوذَ مِنه مُحمدٌ، ومَا قَضيتَ لِي مِن قَضاءٍ فَاجعل عَاقِبتَه رَشداً)). (رواه البخاري في الأدب المفرد)
    لقد أطالت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي دعائها وهي تصلي، والنَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يريدها لقضاء أمرٍ مَا، فتأخَّرت عليه بسبب انشغالها فِي الصلاة بطول الدُّعاء، فما كان منه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أنْ علمها كيف تدعو في صلاتها، فقال: ((يَا عائشة ‌عَليكِ ‌بِجُملِ ‌الدُعاءِ وجَوامِعه))، وهي: ((ما قَلَّ لفظُه وكَثُرَ معناه، التي تجمع الأغراض الصالحة والمقاصد الصحيحة، أو التي تجمع الثناء على الله تعالى، وآداب المسألة)). (التنوير شرح الجامع الصغير 7/282)
    ويستفاد مِنْ ذلك أنَّ الواجب على الزوج السعي فِي تعليم زوجته عندما يرى منها ما يخالف الهدي النبوي، وأن يكون ذلك برفق وبأجمل عبارة.
    ويتجلى فِي هذا الموقف حِلم النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فهو مُحتاج إليها فِي أمرٍ ما، وقد تأخَّرت عليه، فَلمْ يَغضب عليها، ولَمْ يَزجُرها، وإنَّما عالج سبب تأخُّرها، فأرشدها وعلمها.
    ولكنَّ عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا لم تفهم مقصود النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهي فِي الصَّلاة، فاستفسرت منه بعد صلاتها فقالت: يَا رَسُولَ اللَّهِ ومَا جُمَلِ الدُعاءِ وجَوامِعه؟
    وهذه صفة المرأة العاقلة التي تريد أنْ تجمع العلم وتطيع الزوج، فقد استفسرت مِنَ النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مباشرة لتتعلم، عندما لم تفهم المقصود، ولم تُكابر، ولذلك أصبحت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا مِنْ أعلم الصحابة، وكان كثير من الصحابة يرجعون إليها في مسائل العلم.
    وتجلى هذا التعليم في هذه المسألة، عندما سألت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا عن الدعاء فقالت:
    كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَحِبُّ الْجَوَامِعَ مِنَ الدُّعَاءِ، وَيَدَعُ مَا سِوَى ذَلِكَ. (رواه أبو داود)
    وفي هذا الشهر الفضيل؛ شهر رمضان المبارك، تنتشر بين النَّاس فِي وسائل التواصل أدعية مِنْ تأليف الناس، يرجون فِي نشرها الأجر والثواب، وفِي كثيرٍ منها أخطاء شرعية، أقلّ ما يقال فيها أنَّه يُكره الدُّعاء بها، وسبب ذلك هو الإعراض عن المأثور من الدُّعاء مما ورد في كتاب الله أو في سنة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
    ولو تأمَّلنا هذا الدُّعاء الذي علمه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا، لوجدنا أنه اشتمل على كل معاني الخير:
    ((اللهُم إِنِّي أَسألُك مِن الخَير كُله، عَاجِله وآجِله، مَا عَلمتُ مِنه ومَا لَم أَعلم، وأَعوذُ بِك مِن الشَرِ كُلهِ، عَاجِله وآجِله، مَا عَلمتُ مِنه ومَا لَم أَعلم، وأَسألُك الجَنةَ ومَا قَربَ إِليها مِن قَولٍ أَو عَملٍ، وأَعوذُ بِك مِن النَّار ومَا قَربَ إِليها مِن قَول أَوْ عَملٍ، وأَسألُك مِمَا سَألَك بِه مُحمدٌ، وأَعوذُ بِك مِمَا تَعوذَ مِنه مُحمدٌ، ومَا قَضيتَ لِي مِن قَضاءٍ فَاجعل عَاقِبتَه رَشداً)).
    فلا يوجد خير يطلبه المسلم إلا دخل فيه، ولا يوجد شر يستعيذ منه المسلم إلا دخل فيه، وطلب الجنة والتعوذ من النار بأفضل صيغة، ثم الطلب من الله أن يعطينا كل ما طلبه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعائه، وأن يقينا مِنْ كل ما استعاذ منه النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في دعائه، وأن تكون عاقبة الأمور مما قضاه الله لنا إلى خير، ولذلك عد العلماء أنَّ هذا الدعاء من جوامع الأدعية.
    وليست العبرة في طول الدعاء والسجع فيه وتفصيله، إنما العبرة في المعاني العظيمة التي يحتويها.
    ولقد استفادت عائشة رَضِيَ اللهُ عَنْهَا من تعليم النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لها، فأرادت أن تتعلم أفضل دعاء تقوله فِي رمضان فِي ليلة القدر، فقالت: يَا رَسُولَ اللهِ أَرَأَيْتَ إِنْ عَلِمْتُ أَيُّ لَيْلَةٍ لَيْلَةُ القَدْرِ مَا أَقُولُ فِيهَا؟ قَالَ: ((قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي)). (رواه الترمذي).
    فهذا اختيار النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لأحب الناس إليه أن تقول هذا الدعاء في هذه الليلة المباركة، فهل نختار ما اختاره رسول الله لنا؟! وهل نقنع بالمأثور من الدعاء فنحفظه وندعو الله به؟!

    والحمد لله رب العالمين

    المرأة في السنة النبوية جمل الدعاء جوامع يا عائشة

    مقالات