كيف تخلصت تركيا من ديون صندوق النقد الدولي؟
رابطة علماء أهل السنةفي كلمة له أمام حزب العدالة والتنمية في عام 2013 أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن بلاده لا تدين لصندوق النقد الدولي "ولو بفلس واحد". وبذلك أصبحت تركيا لأول مرة بلا ديون لصندوق النقد منذ 52 عاما. وكانت ديون تركيا لصندوق قد بلغت أكثر من 16 مليار دولار عام 2002.
فماذا يعني انعتاق الاقتصاد التركي من ديون القاتل الاقتصادي؟ وكيف انعتقت تركيا من ربقة الصندوق؟
أرجع محمد كلوب الباحث الاقتصادي بجامعة يلدريم بيازيد نجاح تركيا في تصفير ديونها مع صندوق النقد إلى عدة عوامل أهمها:
- الاستقرار الاقتصادي والسياسي وما تبعه من قفزة في الناتج المحلي الإجمالي للضعفين في الفترة 2002-2008 مما يقارب 250 مليار دولار إلى 770 مليار دولار سنويا.
- التحرر من قيود صندوق النقد الدولي على أبواب الإنفاق الحكومي وكذلك الاقتراض في العام 2008، مما أتاح الفرصة للإنفاق والاقتراض غير المشروط، وهذا الأمر أدى إلى تركيز الحكومة التركية على مشاريع البنية التحتية التي هيأت الفرصة لتسارع النمو الاقتصادي.
- انخفاض قيمة الدين العام من 45% إلى 35% من الناتج المحلي، وذلك نتيجة القفزة الاقتصادية وآثارها الإيجابية على إيرادات الحكومة ورصيد البنك المركزي التركي.
الوضع في تركيا قبل حكم العدالة والتنمية
بعد عقود من التخبط والفساد الاقتصادي، تسلم حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا في أعقاب أزمة اقتصادية عارمة كادت تدخل تركيا في فوضى عارمة. فقد ضرب تركيا أزمة اقتصادية في عامي 2000 و 2001
ففي نوفمبر 2000، قدم صندوق النقد الدولي لتركيا 11.4 مليار دولار في شكل قروض وباعت تركيا العديد من الصناعات المملوكة للدولة في محاولة لتحقيق التوازن في الميزانية. وحاولت بيع الخطوط الجوية التركية، فقد تم نشر إعلانات في الصحف لجذب عروض لشراء حصة 51% من الشركة.
وبحلول عام 2000، كانت هناك بطالة كبيرة ونقص في الأدوية وتضييق في الائتمان وإنتاج بطيء لمحاربة التضخم وزيادة الضرائب. ولم تتمكن جهود تحقيق الاستقرار من الوصول إلى أي نتائج جيدة، وكان قرض صندوق النقد الدولي يُعتبر غير كافٍ.
الانهيار
في 2001 انخفضت الأسهم ووصلت أسعار الفائدة إلى 3000%. وتم تغيير كميات كبيرة من الليرة إلى الدولار أو اليورو، مما تسبب في خسارة البنك المركزي التركي لمبلغ 5 مليارات دولار من احتياطياته.
وأدى الانهيار إلى المزيد من الاضطراب الاقتصادي. وفي الأشهر الثمانية الأولى لعام 2001، فُقدت 14875 وظيفة وارتفع الدولار إلى 1500000 ليرة (مليون ونصف ليرة تركية)
وانهار السوق المالي واتسعت الهوة بين الفقراء والأغنياء وارتفعت نسبة عدم المساواة في الدخل بشكل هائل.
صعود العدالة والتنمية
في خضم هذا الانهيار الاقتصادي والفوضى السياسية والاجتماعية العارمة صعد حزب العدالة والتنمية بعد انتصار ساحق في انتخابات 2002
وبشهادة الأعداء قبل الأصدقاء استطاع حزب العدالة والتنمية تحقيق إنجازات اقتصادية غير مسبوقة، على المستوى التركي والشرق أوسطي.
فقد نما الاقتصاد التركي في المتوسط بنسبة 7.5% سنويًا منذ 2002 حتى 2011، وذلك بفضل انخفاض التضخم وأسعار الفائدة. ودعمت الحكومة تحت حكم حزب العدالة والتنمية برامج الخصخصة المكثفة.
وارتفع متوسط الدخل في تركيا من 2800 دولار أمريكي في عام 2001 إلى حوالي 10000 دولار أمريكي في عام 2011، وهو أعلى من الدخل في بعض الدول الأعضاء الجديدة في الاتحاد الأوروبي.
ومن إنجازات العدالة والتنمية ارتفاع ترتيب اقتصاد تركيا إلى المرتبة 13 عالمياً حتى عام 2020 ومن ثم القفز إلى المرتبة 11 في عام 2021 بعد تجاوز أزمة جائحة كورونا العالمية.
وكان التخلص من هيمنة صندوق النقد الدولي، القاتل الاقتصادي، وتدخلاته في الاقتصاد التركي واحدا من أهم أهداف الحكومة التركية تحت قيادة حزب العدالة والتنمية
لماذا أصر أردوغان على الفكاك من صندوق النقد؟
يرى الباحث الاقتصادي التركي محمد كلوب، في تصريحات للجزيرة، أن أردوغان أصر على التخلص من هيمنة القاتل الاقتصادي، صندوق النقد الدولي للأسباب الآتية:
أولا: لإيمانه بأن اللجوء لصندوق النقد الدولي سيجبر الحكومة على اتباع سياسة إنفاق انكماشية ستؤدي لإيقاف عجلة النمو الاقتصادي.
ثانيا: هناك فجوة في الأهداف بين صندوق النقد من جهة ورؤية الرئيس التركي من جهة أخرى، إذ يشترط الصندوق الاعتماد على الفائدة، وهذا يعني أن البنك المركزي سيكون مضطرا لرفع سعر الفائدة من دون سقف في ظل معارضة أردوغان الشديدة لرفع أسعار الفائدة وتشجيعه لخفضها لدفع عجلة النمو الاقتصادي في البلاد، وهو ما لن يتحقق في حال لجوء تركيا لصندوق النقد.
ثالثا: أن الرئيس التركي يخشى من استخدام جهات خارجية ورقة صندوق النقد الدولي للضغط على الحكومة التركية للتنازل في بعض القضايا الإقليمية السياسية.
فوائد التخلص من القاتل الاقتصادي(صندوق النقد الدولي)
توجه انتقادات من قبل مصادر مختلفة، مثل الاقتصاديين، وجماعات المجتمع المدني، وحتى بعض المسؤولين السابقين في صندوق النقد الدولي من بينها:
أولا: أن شروط قروض صندوق النقد الدولي قاسية وصارمة للغاية، ولا تأخذ في الاعتبار الظروف والاحتياجات الخاصة لكل بلد. وغالبًا ما تتطلب من الدول تبني إجراءات تقشفية، مثل خفض الإنفاق العام، ورفع الضرائب، وزيادة أسعار الفائدة، مما قد يؤدي إلى تفاقم الانكماش الاقتصادي والصعوبات الاجتماعية.
ثانيا: تتأثر شروط قرض صندوق النقد الدولي بمصالح وأيديولوجية المجتمع المالي الغربي، وخاصة الولايات المتحدة التي تمتلك أكبر حصة تصويت في صندوق النقد الدولي. وغالبًا ما تعكس أجندة نيوليبرالية تفضل الخصخصة وإلغاء القيود وتحرير التجارة وانفتاح أسواق رأس المال، دون ضمانات كافية للرفاه الاجتماعي وحماية البيئة وحقوق الإنسان.
ثالثا: تقوض شروط قروض صندوق النقد الدولي سيادة وديمقراطية البلدان المقترضة، حيث يتعين عليها تنفيذ سياسات قد لا تدعمها شعوبها أو ممثلوها المنتخبون. كما أنها تقلل من مساءلة وشفافية صندوق النقد الدولي نفسه، لأنه لا يخضع لأي رقابة أو تقييم خارجي.
رابعا: أن شروط قروض صندوق النقد الدولي غير فعالة أو تؤدي إلى نتائج عكسية في تحقيق أهدافها المنشودة المتمثلة في الاستقرار الاقتصادي والنمو. وغالبًا ما يفشلون في معالجة الأسباب الجذرية للأزمات الاقتصادية، مثل الفساد أو سوء الإدارة أو الصدمات الخارجية. كما أنها تخلق مشاكل تتعلق بالمخاطر الأخلاقية، لأنها تشجع على الاقتراض المتهور وسلوك الإقراض من قبل كل من الحكومات والدائنين من القطاع الخاص.
هكذا تغلب حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان من أسوأ متدخل ومفسد للحياة الاقتصادية في أي دولة لصالح قوى الهيمنة والاستعمار العالمية.
المصدر : مجلة المجتمع