الخميس 21 نوفمبر 2024 10:31 مـ 19 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    تقارير

    الأردن.. ”الهوية الجامعة” هل تضيع حق العودة؟

    رابطة علماء أهل السنة

    منذ أن أصدر الملك الأردني عبدالله الثاني، قراره بتشكيل "اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية" في حزيران/يونيو الماضي، بعضوية 92 شخصية أردنية، لم يبد الأردنيون اهتماما باجتماعاتها التي استمرت لثلاثة أشهر، وفق مراقبين.

    وما إنْ سلّمت اللجنة مخرجاتها للعاهل الأردني؛ حتى تنبهت نخب سياسية ومراقبون إلى بروز مصطلح أثار في نفوسهم شكوكا وقلقا، حينما تحدث الملك عبدالله الثاني عن "الهوية الوطنية الجامعة"، والتي فسرها البعض على أنها تمس مصالح وامتيازات الأردنيين من أبناء العشائر، لصالح الأردنيين من أصول فلسطينية.

    وتمحورت المخاوف، التي تم التعبير عنها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض المقالات في مواقع إلكترونية، حول القلق من إنهاء "الهوية الأردنية" التي تتعلق بسكان الأردن من أبناء العشائر، وما قد يتبع ذلك من دمج الأردنيين من أصل فلسطيني في النسيج السياسي، وبما يسمح لهم أن يكونوا أكثر تأثيرا في القرار الوطني وإحداث تغيير في منظومة "المنافع الوطنية" من جهة، وضياع حقهم في العودة إلى بلادهم وتصفية القضية الفلسطينية من جهة أخرى.

    طوق نجاة لمواطني الدرجة الثانية!

    وبالرغم من القلق الذي أبداه فريق من فلسطينيي الأردن حول أثر "الهوية الجامعة" في تصفية قضيتهم، عبر دمجهم بصورة أكثر فاعلية ومؤسسية في هوية وطنية أردنية، إلا أن ذلك أثار في نفوس بعضهم ارتياحا، فالهوية الجامعة كما يقولون "ستنقلنا من هوامش الوطن الأردني إلى داخله، ومن مواطنين درجة ثانية إلى أولى"، بحسب رجل أعمال أردني من أصل فلسطينيي، تحدث إلى "قدس برس" رافضا ذكر اسمه.

    وأضاف رجل الأعمال إن الأردنيين من أصل فلسطيني، إن "الذين يديرون أغلب استثمارات القطاع الخاص؛ لا دور لهم يذكر في القرارات الحكومية، وهم غير ممثلين في أي مؤسسة معنية بصناعة القرار وتنفيذه" وفق ما يرى.

    وكان رجل الأعمال الأردني من أصل فلسطيني، حسن اسميك، قد عبّر في مقالة نشرتها مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية في 10 تشرين أول/اكتوبر الجاري، عن طموح أكبر في تعريف "الهوية الجامعة"، حينما دعا عمّان إلى "أن تضم الضفة الغربية، من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق السلام والازدهار، ومنح الفلسطينيين حقوقهم الديمقراطية".

    وأكد في مقالته التي لقيت هجوماً واسعاً، أنه "لن يكون هناك أي عائق ثقافي" أمام هذا المقترح، "فالشعب الأردني من أصول فلسطينية يشكل من 50 إلى 70 في المائة من سكان الأردن" وفق تقديره.

    مصطلح مطروح بأوراق الملك النقاشية

    واستنكر الكاتب والمحلل السياسي عريب الرنتاوي، ردة الفعل المثارة حول مصطلح "الهوية الجامعة"، لافتا إلى أن "الملك عبدالله الثاني طرحه سابقاً في الأوراق النقاشية، ولم يقف عنده أحد".

    وبين أكتوبر/تشرين الأول 2016، وأبريل/نيسان 2017، أصدر الملك ما تعرف بـ"الأوراق النقاشية"، وعددها سبعة، وهي تمثل رؤيته لتحقيق الإصلاح الشامل.‎

    وقال الرنتاوي لـ"قدس برس": "لا أعرف ما هو الخيار المقترح من قبل رافضي الهوية الجامعة كبديل لها، ولو أخذنا تجارب المنطقة لدخلنا في جدل الهويات الذي لن ينتهي، والانقسام سيصل إلى داخل كل من الهوية الأردنية والهوية الفلسطينية، بين هويات أكثر فرعية وجهوية وعائلية وعشائرية ومناطقية، وبالتالي لا حدود للتفتيت والفرقة إن بدأنا في هذا المسار" على حد تعبيره.

    وعرّف "الهوية الجامعة" بأنها "ما ينبغي أن تشعر به جموع الأردنيين من مختلف منابتهم ومكوناتهم ومرجعياتهم كقاسم مشترك يميزهم عن غيرهم من الأقوام والشعوب في هذه المنطقة"، مضيفاً أن "هذه الهوية بهذا المعنى حصاد أو ثمرة للبنيان الفكري والثقافي والاجتماعي والفني والحضاري، كمنجز أسهم فيه الأردنيون جميعاً، بصرف النظر عن منابتهم وأصولهم".

    واعتبر الرنتاوي أن الهجمة على الهوية الجامعة "مرتبطة بنتائج لجنة تحديث المنظومة السياسية؛ لوجود أطراف لا تريد لمسار الإصلاح أن يتقدم" وفق رأيه.

    تخوف نخب وصالونات في عمّان

    وتابع الرنتاوي: "إذا وجدنا لدى الأردنيين من أصول فلسطينية في الأردن شيئاً من الترحيب بالهوية الجامعة؛ فذلك لشعورهم أن مواطنتهم ستكون على قدم المساواة، وأن المادة الدستورية التي تقول (الأردنيون أمام القانون سواء) يجري تفعيلها، فليس هناك أردني من درجة أولى، وأردني من درجة ثانية، وإنما مواطنة وحقوق وواجبات متساوية".

    واستبعد أن يكون الأردنيون من أصول شرق أردنية متخوفين من الهوية الجامعة، لافتاً في الوقت نفسه إلى أن ثمة نخباً وصالونات سياسية في عمّان تتخوف من هذا الموضوع، ليس لأجل الهوية، وإنما خوفاً على ضياع مكتسباتها التي تعاظمت وتضخمت خلال 30 سنة فائتة".

    وأعرب الرنتاوي عن اعتقاده بأن "الانقسام في الأردن ليس انقساما منابتياً، وإنما هو طبقي اجتماعي، فكل المكونات عندها مشكلة"، مشيرا إلى الانزعاج من السؤال عن المنابت والأصول لدى غرب الأردنيين، "فيكون عمر الشخص 70 عاما، ومن مواليد الأردن، وما زال يُسأل عن جده أين ولد؟" وفق تعبيره.

    وصف (أردني) جامع للجميع

    من جهته؛ قال المحلل السياسي منذر الحوارات، إن "المفترض في دولة أنشئت منذ 100 عام، وتدّعي أن لديها هوية جامعة لكل مواطنيها هي المواطنة؛ أن لا تبحث من جديد عن الهوية".

    ورأى في حديثه لـ"قدس برس" أن "كلمة (أردني) تكفي لأن تكون جامعة للكل، سواء من أصول شرق النهر أو غربه، إلى ما دونها من تفرعات، فالضجة حول الهوية الجامعة تنسف فكرة أردني أساسا" وفق ما يرى.

    وتابع الحوارات: "على من يتحدث بهذه الفكرة أن يجيبنا: هل كانت هذه الهوية منقوصة في الماضي؟ وهل هناك من هم دون مستواها؟ وهل كان ثمة خطأ فيها على مدى عقود من الزمن، أم أنه يقصد شيئا جديدا وهوية مختلفة؟ فإن أجاب عن ذلك بكل شفافية، فعلينا البحث عن الأسباب التي أدت إلى إحساس بعض المواطنين بأنهم أقل من غيرهم".

    وأوضح أنه "في كل دول العالم هناك هوية وطنية أُمّ يعود إليها المجتمع، وهويات فرعية ينتمي إليها الناس، ويتمسكون بها، ولا تنتقص أبداً من انتمائهم للهوية الأم".

    حقوق الجميع منقوصة.. والنخب تستفيد من التجييش

    واعتبر الحوارات أن "جميع الأردنيين حقوقهم منقوصة، فلا يعبّر الأردني عن حقوقه الدستورية بشكل كامل، ويلتجئ إلى الواسطة والمحسوبية لتحقيق مطالبه وأمنياته، وبدون ذلك يحتاج الأردني من شتى الأصول والمنابت جهوداً مضاعفة حتى يخطو خطوة صغيرة".

    وبيّن أن "نظر بعض الأطراف لبعضها بنوع من الريبة، يدلل على فشل الدولة في صياغة مفهوم عادل للقانون، يحتوي الجميع تحت مظلته"، مؤكدا أن "المشكلة لم تكن أبداً في الهوية، وإنما في إيجاد قانون عادل يحقق المطالب بدون تحيز أو تمييز لأي طرف".

    وقال الحوارات إن طرح الأجندات المشبوهة، مثل صفقة القرن والوطن البديل "غالبا ما يرتبط بمشاريع، ولا أتهم طرح مصطلح الهوية الجامعة بالتساوق مع مشاريع خارجية، ولكن الداخل الأردني يتصرف بانفعال تجاه ما يقال في الخارج، وبالتالي يأخذ أحياناً مواقف سياسية تبدو متناغمة مع الطرح الخارجي بشكل غير مدروس".

    وأوضح أن "المواطن العادي في الأردن ليست لديه مشكلة، فهو يريد أن يعيش حياة كريمة ومستقرة، والنخب هي من تستفيد من تجييش الأطراف لتحافظ على مكانتها ومكتسباتها"، مشيرا إلى أن "غالبية الشرق أردنيين، على سبيل المثال، لا يفكرون بالعقلية المنطوقة على ألسنتهم، ويرون أن تخوفهم مبرر من الوطن البديل والتهجير والضم، واستيعاب المزيد من السكان، وجعلهم أقلية، ولا ندعي ملائكية الناس".

    وأكد الحوارات أن "الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة مواطن ذكي، دفع ثمناً غالياً لتحرير بلاده، ولن يساوم عليها لا بمشاريع خارجية ولا داخلية، ومنه يستمد الأردنيون من شتى أصولهم ومنابتهم، كثيرا من قوتهم وإصرارهم على رفض التهجير والوطن البديل، والتأكيد على حق العودة وتحرير فلسطين بأكملها".

    الأردن فلسطين الهوية الجامعة حق العودة

    تقارير