الدروس المنسية في فتح دمشق
الأستاذ محمد إلهامي - باحث في التاريخ و الحضارة الإسلامية رابطة علماء أهل السنةفي مثل هذا اليوم قبل خمسة عشر قرنا وربع القرن (الأحد: 15 رجب 14 هـ = 3 سبتمبر 635م) كانت نقطة فاصلة في تاريخ الأمة الإسلامية، وتاريخ العالم كله: فتح دمشق!
لن يحاول هذا المقال التغني ببطولة الفاتحين، مع أنهم فخر الإنسانية في الفتوح: قوة وجسارة، وعدالة ورحمة. كما لن يحاول اجترار الأمجاد، وما على المرء من بأس إن افتخر بأسلافه.. وإنما سيلقي الضوء على ثلاث دروس مستفادة منه.
1. موجز قصة الفتح
ما إن انتهت حروب المرتدين حتى بدأت الفتوحات، بدأت في جبهة الفرس أولا لأنهم كانوا قد ساعدوا المرتدين في شرق الجزيرة العربية، فبعث أبو بكر جيشان: أحدهما بقيادة خالد بن الوليد والآخر بقيادة عياض بن غنم الفهري، واستطاع خالد بن الوليد أن يكتسح جيوش الفرس بسرعة مدهشة حتى أنه أزال الفرس عن كل مناطق غرب نهر الفرات، وفتح الحيرة –أول عواصم الفرس- بعد أربعين يوما فحسب من انطلاقته. فكانت نتائج فتح فارس أفضل من المتوقع!
بعدها بقليل أخرج سيدنا أبو بكر خمسة جيوش لفتح الشام، وكانت خطته أن خمسة جيوش ستجعل هرقل يقسم جيشه الكبير إلى خمسة جيوش، ومع أن كل جيش من الخمسة سيكون أعظم بكثير عددا وعدة من الجيش المسلم إلا أن هذا الحال أفضل من توحد الجيوش الخمسة الإسلامية لتقابل جيش هرقل الكبير مرة واحدة، إذ الفارق هنا مهول للغاية. لكن هرقل –وهو من أشهر المحاربين في التاريخ- فهم مراد أبي بكر، فلم يقسم جيشه، وعمل على أن يكون جيشه موحدا وكبيرا ويهاجم الجيوش الإسلامية الواحدة تلو الأخرى، فكان هذا يجبر الجيوش الإسلامية كلما فتحت بعض المناطق على أن تنسحب منها لأن جيش هرقل يحاول الالتفاف حول كل منهما.. وهكذا تعثر وتباطأ مسار فتح الشام رغم أن فيه خمسة جيوش!
إزاء هذا الوضع قرر أبو بكر أن يقسم جيش الفتح في فارس، وأن يبعث بنصفه مع خالد بن الوليد ليدعم جيوش الشام، وقد كان.. وبسرعة، ومن طريق وعر خفي سار خالد من العراق إلى الشام فوصل إلى دمشق والمسلمون في حصارها.
تكرر هذا المشهد ثلاث مرات: الجيش الإسلامي –الذي صار واحدا تحت قيادة خالد- يريد دمشق، لأنها عاصمة الروم في الشام، لكن دمشق محصنة بأسوار منيعة، فيحاصرها، وقبل أن يفتحها يكون هرقل قد أرسل جيشا يتوغل جنوبا ليحيط بالمسلمين، فيضطر الجيش للانسحاب جنوبا، وخوض معركة كبيرة، ينتصر فيها ثم يعود إلى دمشق، فيحاصرها، وبينما هو كذلك يأتي جيش آخر.. وهكذا!
حتى كانت المرة الثالثة، إذ استطاع الجيش الإسلامي أن يفتح دمشق بعد حصار أربعة أشهر، وبعد معركتين كبيرتين هُزِم فيهما جيش الروم هما: أجنادين، وفحل بيسان.. ثم أرسل هرقل آخر ما في جعبته، فكانت معركة اليرموك الخالدة والتي كانت الهزيمة فيها هي نهاية وجود الروم في الشام إلى الأبد!