دلائل حقيقة الملك وحقيقة القدرة لله عز وجل في سورة الملك
الشهيد الأستاذ سيد قطب
رابطة علماء أهل السنة
تاريخ الإضافة: 16/3/2016 ميلادي - 6/6/1437 هجري
(تبارك الذي بيده الملك , وهو على كل شيء قدير). .
وعن حقيقة الملك وحقيقة القدرة تتفرع سائر الصور التي عرضتها السورة , وسائر الحركات المغيبة والظاهرة التي نبهت القلوب إليها . .
فمن الملك ومن القدرة كان خلق الموت والحياة , وكان الابتلاء بهما . وكان خلق السماوات وتزيينها بالمصابيح وجعلها رجوما للشياطين . وكان إعداد جهنم بوصفها وهيئتها وخزنتها . وكان العلم بالسر والجهر . وكان جعل الأرض ذلولا للبشر . وكان الخسف والحاصب والنكير على المكذبين الأولين . وكان إمساك الطير في السماء . وكان القهر والإستعلاء . وكان الرزق كما يشاء . وكان الإنشاء وهبة السمع والأبصار والأفئدة . وكان الذرء في الأرض والحشر . وكان الإختصاص بعلم الآخرة . وكان عذاب الكافرين . وكان الماء الذي به الحياة وكان الذهاب به عندما يريد . .
فكل حقائق السورة وموضوعاتها , وكل صورها وإيحاءاتها مستمدة من إيحاء ذلك المطلع ومدلوله الشامل الكبير
(تبارك الذي بيده الملك , وهو على كل شيء قدير)!!
وحقائق السورة وإيحاءاتها تتوالى في السياق , وتتدفق بلا توقف , مفسرة مدلول المطلع المجمل الشامل , مما يصعب معه تقسيمها إلى مقاطع ! ويستحسن معه استعراضها في سياقها بالتفصيل:
(تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير). .
هذه التسبيحة في مطلع السورة توحي بزيادة بركة الله ومضاعفتها , وتمجيد هذه البركة الرابية الفائضة . وذكر الملك بجوارها يوحي بفيض هذه البركة على هذا الملك , وتمجيدها في الكون بعد تمجيدها في جناب الذات الإلهية . وهي ترنيمة تتجاوب بها أرجاء الوجود , ويعمر بها قلب كل موجود . وهي تنطلق من النطق الإلهي في كتابه الكريم , من الكتاب المكنون , إلى الكون المعلوم .
(تبارك الذي بيده الملك). . فهو المالك له , المهيمن عليه , القابض على ناصيته , المتصرف فيه . . وهي حقيقة . حين تستقر في الضمير تحدد له الوجهة والمصير ; وتخليه من التوجه أو الإعتماد أو الطلب من غير المالك المهيمن المتصرف في هذا الملك بلا شريك ; كما تخليه من العبودية والعبادة لغير المالك الواحد , والسيد الفريد !
(وهو على كل شيء قدير). . فلا يعجزه شيء , ولا يفوته شيء , ولا يحول دون إرادته شيء , ولا يحد مشيئته شيء . يخلق ما يشاء , ويفعل ما يريد , وهو قادر على ما يريده غالب على أمره ; لا تتعلق بإرادته حدود ولا قيود . . وهي حقيقة حين تستقر في الضمير تطلق تصوره لمشيئة الله وفعله من كل قيد يرد عليه من مألوف الحس أو مألوف العقل أو مألوف الخيال ! فقدرة الله وراء كل ما يخطر للبشر على أي حال . . والقيود التي ترد على تصور البشر بحكم تكوينهم المحدود تجعلهم أسرى لما يألفون في تقدير ما يتوقعون من تغيير وتبديل فيما وراء اللحظة الحاضرة والواقع المحدود . فهذه الحقيقة تطلق حسهم من هذا الإسار . فيتوقعون من قدرة الله كل شيء بلا حدود . ويكلون لقدرة الله كل شيء بلا قيود . وينطلقون من أسر اللحظة الحاضرة والواقع المحدود .