لأني مقتنع إلى درجة اليقين بأن الكثير من القوالب الفكرية الجاهزة قد لا تبطن دوما فكرا حرا غير مرتهن لإيديولوجيا معينة، حتى وإن تبدت تلك القوالب جذابة متدثرة بمسوح من الفكر الحر، لهذا السبب فإني أستدعي القارئ الكريم وأكِله إلى عقله الحر وإرادته الطليقة إلى أن نغوص معا في مضامين الدعوة الحالية إلى تسوية المرأة بالرجل في الإرث، وهي دعوة ليست حديثة، وإنما هي دعوة برزت في أوائل القرن الماضي إذ أطلقها الطاهر الحداد سنة 1930، وقالت فيها الأمة يومئذ كلمتها.
ثم برزت حاليا في المغرب مستقوية ومساندة في آن واحد لدعوة رسمية أطلقتها مؤسسة رئاسة. وعيب هذه الدعوة أنها صدرت عن مركز السلطة السياسية، فابتعدت بذلك عن أن تحمل على أنها مجرد اقتراح ودعوة إلى التفكير الحر والبحث والتعليق ثم القبول أو الرفض، لأن جهة صدروها هي جهة آمرة تفرض المواقف إذا أعياها الحصول على الموافقة الشعبية العامة، وعيب كثير من الأنظمة أن القرار السياسي يصبح لديها هو نفسه سلطة فيما هو فكري وديني.
إن أول ما يستلفت النظر ويستفز الفكر في هذه الدعوة في صيغتها الجديدة وفي تمثلها الحالي أنها قفزت وأبعدت في القفز وارتمت في مجال العلم والمعرفة، وهو مجال له أهله وآليات اشتغاله التي لا صلة لها بالسلطة والإجبار.
وقد ادعت هذه الجهة الآمرة أن أحكام الإرث ليست أحكاما شرعية، وإنما هي أحكام بشرية يتدبرها الإنسان كما يشاء، وكأن من يردد هذا القول لا علم له بنصوص شرعية كثيرة قررت أن صاحب الأمر والنهي في قضية الإرث هو الله تعالى.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه فلا وصية لوارث. [صحيح البخاري كتاب الوصايا باب لا وصية لوارث] وتتداول مصادر الفقه نصا آخر منطوقه إن الله تعالى لم يكل قسمة مواريثكم لنبي مرسل ولا ملك مقرب، وإنما تولى قسمتها بيده قال الله تعالى: "يوصيكم الله في أولادكم". [النساء 11].
وأهل العلم بالمواريث يدركون أن المسلمين لم يضيفوا نصيبا واحدا ولا ألغوا نصيبا، وحين كانت تجابههم مشكلات اجتماع الورثة الكثيرين في الفريضة الواحدة، فإنهم كانوا يورثون من له فرض محدد، فإن ضاقت بهم الفريضة أدخلوا النقص على الجميع عن طريق العول، فلم يحرموا وارثا مستحقا، وأبرز مثال على هذا ما قضى به عمر بن الخطاب بأن يضم الأخ الشقيق إلى الإخوة للأم فيشاركهم ثلثهم، رغم أن درجة إرثه هي الأقوى، وذلك تفاديا لأن يحرم الأخ الشقيق الذي له فرض مقرر.
إن آيات الإرث هي في أعلى درجات الإحكام، وهي غير قابلة لأي تأويل قطعا، لأنها تنص على الأنصبة بدقة متناهية فتتحدث عن الكسور في الأعداد، وهي الثلثان والثلث والسدس والنصف والربع والثمن، وهذه أنصبة لا يجوز أن يعتورها أي تأويل، وإلا لأصبح من الممكن أن تؤول كل الأعداد في كل اللغات وفي نصوص القوانين، كتحديد القوانين لسن الرشد القانوني في 18 سنة، ولو صح أن يتأولها الناس لأصبح النص القانوني كله هلاميا لا يدل على شيء محدد، ولما صح أن يكون وعاء ضامنا للحقوق والواجبات.
ثم إن القرآن الذي هو خطاب الله العليم بدخائل النفوس وما يعتلج فيها، وبما جبلت عليه من أثرة وحب شديد للمال، عبر عنه قول الله تعالى: "وإنه لحب الخير لشديد". [العاديات8] قد حمى صيغ التوريث من المساس بها والعبث بمقتضياتها، لأن فتح باب التغيير والتأويل فيها هو إحالة للحقوق على المجهول، ولا بد أن يتخذ التأويل حينذاك مستندا يتكئ عليه الطامعون ليستولوا على حقوق الضعفة، ومن يُختلبون ويخدعون، وغالبا ما تكون المرأة خصوصا في الأوساط غير المتعلمة هي ضحية ذلك الانتهاب المؤسس على التأويل الباطل لما هو نص صريح.
ورغم وضوح عبارات الإرث وجلائها، فإن الرجال كثيرا ما التفوا على أنصبة النساء وحرموهن حقهن بذرائع واهية، من مظاهرها وصورها اختصاص الرجال دون النساء بالأراضي السلالية، والاحتيال على حرمانهن من الإرث بالتحبيس على الذكور دون الإناث، وبتفويت الأموال للرجال بطرق مزيفة منها البيوع الصورية والهبات الجائرة، ولأن الله يعلم حرص الإنسان الشديد على الاستكثار من المال، فقد أقصى سبحانه البشر عن إعمال آرائهم الملتبسة بالشهوة، وتولى هو نفسه قسمة المواريث ولم يكلها إلى البشر، لأن موضوع الإرث له حساسيته، ولو كان للبشر مدخل فيه لتصرفوا على نحو يرضون به أهواءهم.
وأمام عجز القوانين عن منع أنواع الاحتيال على حقوق الورثة بمن فيهم المرأة مما هو مشروع بنص القرآن، فإن المزايدة على القرآن والتلويح بإمكان إعطاء المرأة أكثر من حقها المنصوص عليه ليس إلا ضربا من الوهم أو التدليس، والقانون في حد ذاته يتعامل مع ظواهر الأشياء، وهو لا يمنع الإنسان من إنفاذ مراده خصوصا إذا كان هذا الإنسان غير مقتنع بما ينص عليه القانون، لأن القوانين هي صنيعة ذكاء الإنسان، وليس الإنسان صنيعة القوانين، فهو دائما أذكى منها وأقدر على التصرف فيها، لأنه هو من صنعها وهو من يتجاوزها.
يقول الشاعر:
كلما أنبت الزمان قناة ** * ركَّب المرء في القناة سنانا
إن الدعوة إلى التصرف في أحكام الإرث وإلى تغييرها هي بكل وضوح وبعيدا عن كل التواء وتمحل وتعسف في تطويع النصوص، هي دعوة مصادمة لنصوص صريحة من القرآن، شدد الله فيها على وجوب الالتزام بأحكام الإرث وعدم تعديها، وهي نصوص لها أثرها البالغ في نفوس من يؤمنون بالقرآن موجها لسلوكهم ومن هم راضون بأحكامه.
ومن تلك النصوص المشددة على وجوب الالتزام بأحكام الإرث أن الله عقب على أحكام الإرث بصيغ واضحة منها قوله: "يبين الله لكم أن تضلوا والله بكل شيء عليم". [النساء 175].
وقوله:" فريضة من الله إن الله كان عليما حكيما". [النساء 11].
وقوله: "تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله ندخله جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده ندخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين". [النساء 14].
وقد أفاد معنى ضرورة الالتزام بقسمة المواريث أن الله تعالى أراد ترسيم عملية قسم المواريث وتثبيتها وجعلها مشهدا علنيا وفعلا يحرسه المجتمع، فدعا إلى إعطاء من حضر القسمة بعض المال تطييبا لأنفسهم، رغم أنهم ليسوا مستحقين، لكنهم أمناء على استمرار القسمة على الوجه الشرعي.
وأكيد أن من يجور في القسمة أو ينحرف بها لا تكون له شجاعة إحضار الناس للقسمة، لأنه يعرف أنه يرُوغ من أحكام الشريعة. يقول الله تعالى: "وإذا حضر القسمة أولوا القربى واليتامى والمساكين فارزقوهم منه وقولوا لهم قولا معروفا". [النساء 8].
ويؤكد فرضية الالتزام بأحكام الإرث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قسم المواريث على نحو ما ورد في القرآن، فدل بفعله على أن أحكام المواريث هي أحكام شرعية لا معدل عنها إلا إذا اختار الإنسان مواجهة الأمر الإلهي ليكون حسابه مع ربه، وما لم يرد التنصيص عليه في القرآن من الأنصبة والحظوظ، فقد نصت عليه السنة الصحيحة وتناقلتها جماهير الأمة، وذلك كميراث الجد.
وبعد كل هذا فهل يصح منطقيا أن يجازف شخص بادعاء أن أحكام المواريث ليست أحكاما شرعية؟، وأن قسمتها مفوضة للبشر ليتصرفوا فيها وفق ما تزينه لهم الأهواء ضدا عن تنصيص الله على ما ينوب الورثة.
ثم إن التظاهر بالتعاطف مع المرأة على حساب أحكام الشريعة الإسلامية هو ولا شك إيغال في الانتهازية، لأنه تعاطف يزايد على الشريعة الإسلامية، ويبرز من الرفق والحنو على المرأة أكثر مما يرفق بها ربها، ولأنه يسوِّق لها وهما لا يتحقق أبدا إلا في مخيلة من لا يدركون بكل تفصيل كيف تتم التسوية ضمن شبكة الإرث الواسعة والمتشابكة؟، ولذلك فهم يلقون القول على عواهنه، وليس بمقدورهم بعد ذلك تصور جميع حالات الإرث التي تصير فيها التسوية تضحية من المرأة وتنازلا عن كثير مما منحتها الشريعة من حظوظ الإرث.
والعيب في هذا كله هو أن يتحدث المرء فيما لا يحسنه، ويعد بما لا يستطيع الوفاء به.
إن الواجب في هذه الحالة أن تُنبه المرأة إلى ما يراد بها، لأنها هي المعنية بالأمر أولا، ولأن ما تخسره جراء تسوية وهمية هو أضعاف ما تناله بتلك التسوية، والمخرج من ذلك هو وصل المرأة بالمعرفة الشرعية، وإطلاعها على أحكام الإرث كما هي، لتدرك كل المسارب الخفية التي يراد تمريرها من خلالها، وحين يُدعى المرء إلى المعرفة وإلى الاطلاع، فإن تلك الدعوة جديرة بالتأمل وبالتفاعل معها، وبالاستجابة لها لمن كان يحترم عقله ولم يضع قياده في يد غيره.
والمتعين الممكن حاليا هو توجيه الخطاب إلى المرأة أصالة، ودون وساطة ولا وصاية من أحد لتفتح عينيها على الحقيقة التي تنتهي إليها الدراسة العلمية لشبكة الإرث كلها.
ومن أجل تبين حقيقة التسوية هذه، فإنه لا بد من عرض قضيتين:
أولاهما: بيان أن التسوية على مستوى مدونة الأسرة لا تتحقق بمجرد تغيير مادة واحدة هي مادة الإرث فقط، لأن مدونة الأسرة تتألف من 400 مادة، فوجب إلغاء كل صور التمييز بين المرأة والرجل في كل المواد، لئلا تبقى للامساواة بقية في المدونة كلها، أما الوقوف عند اللامساواة في مادة الإرث دون غيرها فهي انتقائية تُبعدها عن الموضوعية وعن سلامة القصد.
والمواد التي يجب تغييرها أو الإضافة إليها لأجل أن تتحقق المساواة، هي مواد كثيرة ليس من المناسب جلبها كلها في هذا الحيز، لذا فسأقتصر على ذكر بعضها مما يقوم مقام الشاهد والدليل دون تقص أو استيعاب.
وأسأل المرأة بعد كل مادة أعرضها لتجيب بنفسها إن كانت مستعدة لأن تسخو بما تعتبره مكسبا أولتها الشريعة إياه، أو أنها مستعدة لأن تذهب مع المساواة إلى النهاية ولو أدى ذلك إلى الإجهاز على مكاسبها الشرعية.
ومن المواد التي يجب تغييرها من المدونة من أجل تحقيق المساواة :
المادة 26 وهي تنص على استحقاق الزوجة للصداق بناء على قول الله تعالى: "وءاتوا النساء صدقاتهن نحلة" [النساء 4] وفي حال إقرار المساواة المطلقة، فإنه يجب أن يقابل هذا الحكم بوجوب إعطاء المرأة الصداق للرجل كما فعل هو، وتجب الإضافة إلى منطوق المادة 29 التي تنص على أن الصداق ملك للمرأة تتصرف فيه كيف شاءت، ولا تتحقق المساواة إلا بأن يضاف نص آخر يشير إلى أن الصداق الذي تمنحه المرأة للرجل هو أيضا حق له يتصرف فيه كيف يشاء.
ثم يجب تغيير كل المواد التي تلزم الزوج دون الزوجة بالنفقة والغذاء والكسوة والعلاج، كما تنص عليه المادة 189، كما يجب أن تغير المادة 102 التي تنص على أن للزوجة أن تطلب التطليق بسبب إخلال الزوج بالنفقة الواجبة، وسيكون من حق الزوج هو أيضا أن يطلب التطليق بسبب إخلال الزوجة أيضا بالنفقة، والواجب أيضا تغيير المادة 194 التي توجب على الزوج وحده الإنفاق على زوجته بمجرد البناء، أو إذا دعته هي إلى البناء، وفي حال المساواة يجب إلزام المرأة قانونيا بالإنفاق حتى لا يبقى إنفاقها طوعيا وغير منصوص عليه في مقابل إنفاقه الإلزامي، لأن التطوع لا يقابل الإلزام في القوانين حين تؤسس على المساواة، وعلى هذا فإن ترك الزوجة للإنفاق يجب أن تجرى عليه أحكام المادة 202 التي تنص على أن كل توقف ممن تجب عليه نفقة الأولاد عن الأداء لمدة أقصاها شهر دون عذر مقبول يطبق عليه إهمال الأسرة، وأحكام إهمال الأسرة قد نصت عليها المادة 480 من القانون الجنائي المغربي. وبهذا يمكن أن تجد المرأة نفسها أمام هذه المساءلة القانونية، وحين تقر المساواة في المدونة، فإنه يجب إلغاء التمييز الذي نصت عليه المادة 198 بخصوص الإنفاق على الذكور والإناث من الأبناء، والأم والأب من الأصول، وقد نصت المادة على أن نفقة الأب على أولاده تستمر إلى سن البلوغ، أو إلى إتمام الخامسة والعشرين بالنسبة إلى من يتابع دراسته، أما البنت فإن النفقة عليها تستمر إلى أن تجد مصدرا لاكتساب المال أو إلى أن تنتقل نفقتها إلى زوجها، وهذا في حال الإبقاء على وجوب نفقة الزوج على الزوجة طبعا، وهو ما تأباه المساواة، كما يجب تعديل أو إتمام المادة 84 التي تتحدث عن آثار الطلاق فتنص على أنها تشمل مستحقات الزوجة ومنها الصداق المؤخر إن وجد، والمتعة التي يراعى في تقديرها فترة الزواج والوضعية المالية للزوج.
ومن أجل تحقيق المساواة فإنه يجب أن يحدد للزوج هو أيضا ما يستحقه من الزوجة بعد الطلاق، وكل ما منح للزوجة ومنه متعة الطلاق وأداء مؤخر الصداق والبقاء في بيت الزوجية.
وسيكون من الواجب تغيير أحكام الحضانة بعد الطلاق فتغير المادة 171 التي تنص على أن الحضانة للأم ثم للأب لتصير حقا مشتركا بينهما بالتساوي إعمالا لمبدأ المساواة، كما يجب أن تغير المادة 167 التي تلزم الأب وحده بدفع أجرة الحضانة، ويجب تغيير المادة 193 التي ترتب مستحقي النفقة وهم الزوجة، ثم الأولاد الصغار ذكورا وإناثا ثم البنات ثم الذكور ثم الأم ثم الأب، وهذا ترتيب روعي فيه تقديم الأنثى على الذكر، لئلا تتعرض للإهمال أو الضياع، ومع إقرار المساواة فإنه يجب أن يتغير هذا الترتيب كليا.
هذه بعض حالات تخسر فيها المرأة أضعاف ما تستفيده من إقرار المساواة في الإرث، ولا أظن أن كثيرا ممن يتحدث حديث المساواة يستحضر كل هذه الأبعاد.
فإن قيل إن المطالبة بالتسوية مقتصرة على حال إرث المرأة فقط، فإنه يقال إذن فالمساواة لم تتحقق، لأنها باقية في أكثر نصوص المدونة، وإذا كان الأمر على هذا النحو فلنقل بكل وضوح: إن القصد ليس هو إقرار المساواة، وإنما هو تعمد إلغاء أحكام شرعية مقصودة بالذات.
وخلاصة هذا أن المساواة الشاملة من شأنها أن تغير أكثر نصوص المدونة، وأن تفقد المرأة حقوقا أولتها الشريعة إياها، ولن توجد في النساء امرأة تفكر بعقلها وتحرص على مصلحتها، وترضي عاطفتها يمكن أن تسخو بأبنائها حينما تدعى إلى أن تتخلى عن حضانة بعضهم لصالح الزوج إعمالا للمساواة.
وليس في النساء امرأة لا تدرك خطورة إلزامها قانونيا بالإنفاق، وقد تكون المرأة طالبة تتابع دراستها وتتأهل للحياة، أو تكون امرأة لم تجد فرصة للشغل خصوصا في البوادي، وقد تكون امرأة من ذوات الاحتياجات الخاصة اللواتي هن في حاجة إلى أن يرعاهن المجتمع، وأن يمكنهن من فرص تكوين أسرة بدل أن يطالبهن بالإنفاق ويهددهن بعواقب إهمال الأسرة.
أما ثاني القضيتين اللتين تتعين إثارتهما فهي: تنبيه المرأة إلى أنها ليست لها صيغة واحدة في الإرث، هي الصيغة التي ترث فيها أقل من نظيرها الرجل فقط، وهي منحصرة في نسبة33،16% من جميع أحوال الإرث، وإنما لها صيغة أخرى تتساوى مع الرجل، وصيغة ثالثة ترث أكثر مما يرث الرجل، وصيغة رابعة ترث، بينما يحرم الرجل في درجتها.
فإذا كانت المرأة تحرص على المساواة في الإرث، فهل تتنازل عن كل ما ترثه أكثر من الرجل في حالات إرثية كثيرة؟ وهل ستقبل بأن يتغير موقعها الإرثي في الحالات التي ترث هي، ويحرم الرجل في درجتها؟ كما في حالة ما إذا ماتت امرأة عن زوج وأخت شقيقة وأخت لأب، فيرث الزوج النصف وترث الشقيقة النصف، فتكون التركة مستغرَقة أي منتهية، لكن الأخت لأب لها حظ ثابت وهو السدس فلا تحرم منه، وإنما تضم إلى الأخت الشقيقة والزوج، وتعُول الفريضة إلى 7، وإذا كان مكان الأخت لأب أخ لأب، فإنه لا يرث شيئا لأنه عاصب، والعاصب لا يرث إلا ما تبقى عن ذوي الفروض.
وقد أرادت الشريعة حماية حق المرأة، فجعلت إرثها بالفرض الذي لا يجوز إسقاطه في 17 حالة، أما الرجل فإنه لا يرث بالفرض إلا في 6 حالات، ومعنى هذا أن الرجل قد لا يبقى له شيء بعد أخذ ذوي الفروض حقوقهم فيحرم من الإرث، بينما ترث المرأة في درجته في تركة أخرى وتأخذ حقها المنصوص عليه.
فإذا كانت المرأة تعي هذا كله، فهل سيكون من مصلحتها المطالبة بالتسوية؟.
إن أكثر دعاة التسوية هم في أنفسهم لا يعلمون كل أحكام الإرث، وهم يغالطون المرأة فيبيعونها الوهم، مستغلين عدم معرفتها بتبعات التسوية.
وبعد هذا فإنه لا بد أن يطرح سؤال جوهري، وهو سؤال عن مدى تطبيق المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة لدى جميع الشعوب غير الإسلامية، فهل لدى هذه الشعوب نصوص توجب المساواة؟ أم أن الأمر غير هذا؟.
إن الواقع هو أن غير المسلمين كثيرا ما ينظرون إلى أن المال الذي يمكن أن يورَّث على أنه حق لصاحبه يمكنه أن يتصرف فيه كما شاء، فيوصي لمن يشاء بالمقدار الذي يشاء، وقد يُؤثر الولد على البنت، أو يحرم الأبناء جميعا، ويوصي لمؤسسات ثقافية أو اجتماعية دون أن يطالب بتسوية في الحالات كلها.
لذا يصح أن يقال إن التسوية ليست نظاما عالميا لمن يحتج بعالمية القوانين.
وبعد هذا كله، فإنه لا بد من مقارنة وضع المرأة الوارثة في الإسلام بأوضاع النساء في باقي النظم، وبأدنى مقارنة يتبين تفوق نظام الإرث في الإسلام عن غيره، لأن المرأة المستحقة للإرث في غير الإسلام معرضة لأن يحرمها صاحب المال بأن يوصي بكل ماله لمن يشاء، أما في الإسلام فإن صاحب المال لا يجوز له أن يوصي بأكثر من الثلث، كما أنه ممنوع من أن يوصي لوارث حتى لا يضايق وارثا آخر، وقد يكون ذلك الوارث هو المرأة.
ثم إن من يتم توريثهم في أكثر النظم هم الزوجة والأبناء غالبا، ويتأكد ذلك حاليا في تقسيم معاشات الأشخاص المتوفين، وهو تقسيم يقتصر على الحد الأدنى من النساء، فلا تستحضر فيه الأخت لأب أو لأم أو الجدة لأب أو لأم، أما بالنسبة لنظام الإرث في الشريعة، فإن قاعدة إرث النساء فيه واسعة جدا، والوارثات من النساء في الإسلام عشر، ولسن امرأة أو امرأتين، فوجب استحضار كل هذا حين الحديث عن إرث المرأة، ووجب إبعاد إرث المرأة عن التوظيفات الإيديولوجية والسياسية التي تتمدد في مساحة جهل الناس بأحكام الشريعة.