فقه الخلافة الراشدة
الأستاذ محمد إلهامي - باحث في التاريخ و الحضارة الإسلامية رابطة علماء أهل السنةلئن كان في تاريخ أمة ما شيئا تفتخر به فلن يكون بحال أعظم من فخرنا بعصر الخلافة الراشدة، فنحن الأمة الوحيدة التي حكمت ثلث العالم المعروف وقتها بعدل ورحمة، فلئن افتخر الغرب بأنه اخترع الديمقراطية فلقد كانت ديمقراطية المدن الصغيرة في اليونان (البلد ذات الجزر الصغيرة المحدودة) فأما حين بلغوا الإمبراطورية فلا عدل ولا رحمة ولا ديمقراطية بل امتصاص شعوب العالم وقهرها لخدمة أمة اليونان والرومان، وهو الأمر الذي نظَّر له فلاسفة الغرب الأوائل وعدُّوه أمرا طبيعيا ، وهو الأمر المستمر حتى يومنا هذا.
لكننا لن نتحدث الآن في المقارنة مع الغرب وإن كانت مثيرة للشهية لا سيما في زمن الجهل والهزيمة النفسية وظهور من يدعونا لترك تراثنا والسير وراء الغرب باعتباره قمة التجربة الإنسانية.. وإنما سنحاول أن نعرض بتبسيط: لماذا ينبغي علينا أن نفقه عصر الخلافة الراشدة؟ ماذا سنستفيد من ذلك؟ ولماذا تعلت قلوب المسلمين وطموحات الحركات الإسلامية بعصر الخلافة الراشدة؟.. والإجابة على تلك الأسئلة هي نفسها الإجابة على سؤال: لماذا يُراد لنا أن نجهل تاريخنا وننفر من تراثنا ونفقد ذاكرتنا؟
عصر الخلافة الراشدة هو عصر الإنجاز الكبير، عصر انبعاث الأمة من مجاهل التاريخ لتصعد إلى ذروة القوة العالمية في ثلاثين عام فقط؟!.. إنجاز اندهش له المؤرخون على اختلافهم وتنوع أفكارهم ومشاربهم! والعجيب أنه إنجاز راسخ لم تغيره الأيام والقرون على تطاولها، إنجاز غير خريطة العالم منذ حدث حتى الآن.
نحتاج ونحن في زمن القهر هذا أن نقترب من عصر الراشدين، نتأمل كيف صنعوا ذلك المجد الكبير، كيف أنشأوا دولة عظمى تحكم ملايين البشر بالعدل، كيف طبقوا الإسلام في عالم الواقع بعد انقطاع الوحي، كيف استطاعوا أن يخرجوا الجيوش من الصحراء العربية القاحلة المنقطعة عن الحضارة فيكتسحون الحضارات الكبرى والإمبراطوريات العظمى وينقذون الملايين من الظلم والقهر الطويل الذي امتد قرونا متعاقبة، ثم يظللونهم بحضارة إسلامية خالصة فيدخل الناس في دين الله أفواجا ويخرجون من الظلمات إلى النور، كيف استطاعوا أن يحتفظوا بثقتهم في أنفسهم فلا ينبهرون بمظاهر الفخامة والترف وبدائع القصور وروائع الزخارف والرسوم ومعالي البنيان وفسائح العمران؟!
لن يمكننا الانتقال من حالنا البائس إلى الحال التي نأملها إلا إن استوعبنا وتعلمنا من الخلفاء الراشدين، فأولئك الخلفاء هم التطبيق المثالي النموذجي للإسلام بعد أن توفي رسول الله، ولهذا قال لنا رسول الله في وصيته الغالية المشهورة: "فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، عضُّوا عليها بالنواجذ"، ولن يمكننا تنفيذ وصية حبيبنا إلا أن عرفنا سنة الخلفاء الراشدين! فمن هنا كان معرفة تاريخ وأنباء هذا العصر، ومعرفة رجاله وأحواله وأوضاعه هي الطريق لفهم الإسلام، وفهم واجبنا في واقعنا المعاصر.