تدبر ! :
فقوله تعالى { الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا ... } أي (( كل عود يزند منه النار فهو من شجرة خضراء )) ، (( وقال بعضهم : هو ما أنشأ لهم من الشجر يتنزهون به ويتلذذون ما دام أخضر، فإذا أدرك وبلغ ينتفعون بثماره وفواكهه، ثم يصير حطبًا يوقدون منه النار ويصطلون )) ، وفي هذا التفسير تنبيه إلى المغزى الجمالي في الآية .
وقال تعالى : { أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ ... } أي (( أوليس الذي خلق السماوات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم أي مثل البشر، فيعيدهم كما بدأهم )) ، وقوله تعالى { بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ } : ((أي بَلَى هو قادرٌ على ذلكَ وهو المبالغُ في الخلقِ والعلم كَيْفاً وكمًّا )) ، فهو سبحانه تعالى خلاق يخلق ما يريد ، وعليم يعلم ما يخلق ويعلم خصائصه وصفاته ولايفوته شيء منه .
وقال تعالى { إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ } أي (( يكون هذا الشيء : سماء ، أو أرضا ، ويكون بعوضة أو نملة ، هذا وذلك سواء أمام الكلمة.. كن.. فيكون! ليس هناك صعب ولا سهل ، وليس هنالك قريب ولا بعيد.. فتوجه الإرادة لخلق الشيء كاف وحده لوجوده كائنا ما يكون)) .
وقال تعالى { فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } : ((أي تنزيه وتقديس وتبرئة من السوء للحي القيوم الذي بيده مقاليد السموات والأرض، وإليه يرجع الأمر كله، وله الخلق والأمر وإليه يرجع العباد يوم المعاد، فيجازي كل عامل بعمله وهو العادل المنعم المتفضل )) .
فمن دلائل قدرته ومشيئته سبحانه وتعالى إذن خلقه للأمور اللطيفة والدقيقة والباطنة ، كخلقه من الشجر الأخضر الجليل نارا محرقا مخوفا هائلا ، وكذلك خلقه الأمور العظيمة الجليلة الظاهرة ، كخلقه السماوات والأرضين والكواكب ونحوها ، وكل ذلك من حيث تعلقه بقدرته ومشيئته عنده سواء ، إنما أمره إذا أراد شيئا أن يقول له كن فيكون ، فسبحانه من رب عظيم جليل مقتدر .