فلسطين من الأرض المباركة، قطعة من بلاد الشلام التي بارك الله فيها، ومدينة القدس درتها، وجوهرتها، ومركزها الديني والثقافي والروحي.
كان سفر سيدنا ابراهيم -عليه السلام- منها - بعد هجرته من العراق- إلى أرض مكة - الوادي غير ذي الزرع- الذي أسكن به زوجه وابنه إسماعيل عند بيت الله المحرم ليقيما الصلاة به، ثم في سفرة أخرى بعد ما بلغ اسماعيل الحلم، جدد هو مع ابنه إسماعيل بناء الكعبة المشرفة، التي كانت قواعده موجودة، وقد تهدمت أركانه وجدرانه، فرفعا القواعد، ودعا الله -تعالى- أن يجعلهما مسلمين بمعنى الكلمة، وأن يبعث أمة مسلمة، ويبعث نبيا معلماً يتلو على أهل البلد والأمة التي يراد بعثها آيات الكتاب ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة.
ثم بعد أربعين سنة من هذا الحادث، بنى إبراهيم في أرض الشام، بمدينة القدس المباركة، بيتا مع ابنه إسحاق، ليكون مركزاً ثانياً للتوحيد وعبادة الله.
فكانت أسرة إسماعيل عند الكعبة المشرفة، وكانت أسرة إسحاق عند المسجد الأقصى، ثم كان ما كان في أسرة يعقوب بن إسحاق، من ظلم الإخوة ليوسف بن يعقوب، وطرحه بعيداً في الجب، وهو يافع، وظنوا أنه سيخلو لهم بعد ذلك وجه أبيهم، فلم يكن لهم ما أرادوا، لا من أبيهم ولا من يوسف، فقد أصبح يوسف ملكاً على مصر، وأصبحوا متسولين على عتبته وهم لايعرفونه، إلى أن كشف لهم عن حقيقته بعد قصة طويلة، وفترة حرجة شديدة، ثم كانت هجرة يعقوب بأسرته إلى مصر.
مرت عقود وقرون، من حوالي 2000 قبل الميلاد إلى حوالي 1400 قبل الميلاد، ووقع للمسجد الأقصى والقدس وفلسطين، ما وقع لمكة المكرمة، والكعبة المشرفة، من زمن حوالي 150 قبل الميلاد. تسلط عليهما الكفار والمشركون، وخلا لهم الجو، فغيّروا وبدّلوا، وعبدوا من دون الله آلهة وأوثاناً، إلى أن جاء دور موسى (1520-1400 قبل المسيح) الذي بعث إلى فرعون وملائه لدعوته إلى الحق، وتحرير بني إسرائيل- مسلمي ذلك العصر المستضعفين- من قبضته الحديدية، فطالب فرعون بتخليصهم، والتخلية بينه وبينهم.
قائلاً: (أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ).
وكانت الهجرة أخيراً إلى سيناء، حيث أعطى موسى شرع الله، وألواح التوراة، ليقيم حكم الله تعالى على هذه الأمة من أعقاب سيدنا ابراهيم واسحاق ويعقوب، ويوسف، كانوا مسلمي ذلك العصر، استضعفوا واستعبدوا في مصر مدة طويلة، فأثّر فيهم الاستعباد الفرعوني، والاستعمار المصري المقيت، تأثرت معتقداتهم، وأفكارهم، وعاداتهم، وتلوثت حضارتهم الإسلامية المغلوبة بلوثات الحضارة الفرعونية الغالبة، فقالوا لموسى: ]اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ[[الأعراف: 138] وآذوا موسى، وتحايلوا، وتمحلوا، وتنصلوا من شرع الله، إلى أن انكبوا على قيادة دجالية خبيثة ماكرة، كان أحكم نسجها السامري، فلعب بعقولهم وعبث بعقائدهم وصنع له عجلا لهم خوار، فقالوا: هذا إلهنا، ونسى موسى إلهه، وراح يبحث عنه في جبل الطور.
هذه قصة المسلمين حذو القذة بالقذة، والنعل بالنعل، كان الله فضلهم على العالمين، وأزال بهم القوتين الطاغيتين العالميتين، الإيرانية والرومية، وسخّر لهم الدنيا وأخضع لهم العالم، فلم يلبثوا أن غدروا، وعصوا، وتعدوا الحدود، فكانت تنبيهات وعقابات شديدة تارة بالصليبين وتارة بالتتار وغيرهم، وكأنه قيل لهم كما قيل لبني اسرائيل -مسلمي عصرهم-.
]وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا _ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّيَارِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولا[ [الإسراء: 4-5]
وكان ذلك يوم دخل الصليبيون أرض الشام، واستولوا على أرض فلسطين، وأخذوا على مدينة القدس، ودمروا المسجد الأقصى، وقتلوا المسلمين شر قتلة، وأجروا أنهار الدمار، حتى خاضت فيها ركب الخيول.
ثم ردّ الله الكرة عليهم بعماد الدين، ونور الدين، وصلاح الدين، وأمد الله المسلمين بأموال وبنين، وجعلهم أكثرهم نفيراً، على مسيرة بني إسرائيل المسلمين، والتاريخ يعيد نفسه، وقد قال الرب لنا كما قال لهم : ]إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا[ [الإسراء:7].
وذكر لنا كما ذكر لهم -والقصص للعظة والاعتبار- ]فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الآخِرَةِ لِيَسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا[[الإسراء:7]، ووعد الآخرة يختلف بيننا وبينهم، وليست هى الآخرة التي ليست بعدها عودة، ويعقبها انقراض الدنيا، لأنه يذكر الله تعالى عقبه أنه سيرحمهم، ولارحمة لهم بعد الآخرة.
]عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنَا[[الإسراء:8]. فهذا يدل على أن المراحل تترى، وأنها كرّات وفترات، فإن تابوا، وأصلحوا، فسيرحمهم الله، وإن عادوا مرة أخرى إلى مسيرتهم في العتو والفساد، والتمرد والعصيان، فسوف يعود الله بسياط العذاب، وبعذبهم في الدنيا قبل عذاب الآخرة.
وقد سار المسلمون بعد أن أعزهم الله، ونصرهم، سيرة بني اسرائيل، فعاثوا في الأرض فساداً، وعتوا عتواً كبيراً، وجحدوا النعم، وفرقوا، ومزقوا وعادوا إلى جاهليتهم العربية البغيضة المنتنة، وأصغوا بآذانهم، وأقبلوا بقلوبهم إلى السامري - إلى سامري هذا العصر- إلى الصليبي البريطاني، واليهودي الأمريكي، والجاهلي العربي، إلى سامري الجامعة العربية؟ القائد الضليل الداعي إلى الجاهلية القبلية العربية، بل أضل منه أعمى، الداعي إلى الفرعونية، والأشورية، والبابلية، وأصنام القومية العربية، وتتلمذوا على ميشيل عفلق الصهيوني، وعلى أذناب مصطفى كمال اليهودي فخرقوا -بقلّة حيائهم- جلباب الخلافة، ومزقوا رداء الوحدة والعزة، واتبعوا كل ناعق، وهرعوا إلى كل شيطان، يكفر بالله، وبالرسول، وبالإسلام، وبالشريعة وبالقرآن وبالسنة، فغزوا في عقر دارهم، ومُزقوا شر ممزق، وذاقت الشعوب المسلمة الويلات، ورأو الدمار الرهيب، وضربت عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله، عام 1924، وعام 1948، وعام 1967، وقام ورّاث الأنبياء علماء الأمة المجددون والمصلحون - وعلى رأسهم حسن البناء- قائلا لهم: ]ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ[ [المائدة:21]. وكأنه يمثل سيدنا موسى عليه السلام وهو في سيناء، والعلماء ورثة الأنبياء، فقال عامة الحكام والولاة والعامة والخاصة. ]لاطَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ[ [البقرة:249]. وقالوا:
إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ _ قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ _ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة:22-23-24]..
هنالك قال المخلصون المؤمنون المجاهدون:
]كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ[[البقرة:249]، والله لايحب الظالمين، ]وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ[ [البقرة:251]. وكان صموئيل (110-1020)،وطالوت (1028-1012) وداؤد (1024-963) في صف واحد، فلم يكن منهم الغدر والخيانة، والتعويق والعرقلة وعمالة الأعداء، واستخبارات الجبابرة، وكان بنواسرائيل المسلمون الضعفاء عند ما طلبوا من نبيهم صموئيل:، ]ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[ [البقرة:246]. فكان هو يعرف طبيعتهم ووضعهم و ضعفهم، فقال لهم:
(هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلا تُقَاتِلُوا[ [البقرة:246].
فردوا عليهم قائلين:]وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا[ [البقرة: 246].
أما عندنا فكان دهاة الجاهلية ودجاجلة الدول العلمانية يمنعون من القتال، ويصدون عن المواجهة والمقاومة، ويقيمون سامريّهم ينفخ في بوق الجاهلية العربية، ويدعو إلى عجل القومية العربية، ليعبد من دون الله، فكانوا يقتلون ورّاث الأنبياء، ويسجنون الأبرياء، ويحولون دون قتال بني صهيون بكل ما أوتوا من قوة ومكر ودهاء، ونعرات جاهلية وإعلام مسخر، وأبواق تخور وتنعق وتيعر.
لم يُمنعوا هنالك، من كانوا يظنون أنهم ملاقوا الله، ويوقنون أنهم في سبيل الله، من المجابهة والقتال لأعداء الله، فهزموهم، رغم قلة عددهم وقلة عتادهم، بإذن الله، وقتل داؤد جالوت، فآتاه الله الملك والحكمة.
ولكن أين طالوتنا؟ وأين داؤدنا؟ وأين هزيمة الأعداء ونصر الأولياء؟ أين كل ذلك أيها المتعالمون الذين تفخرون بتفسير كتاب الله، وتطبيق الآيات على القوم الغابرين، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم طبقها على أهل بدر الغر المحجلين، الذين كتب الله لهم النصر المبين وطرد اليهود الخاسئين، بني قينقاع، وبني النضير، وبني قريظة، وقبائل خيبر من أرض الجزيرة العربية.
أيها المسلمون إن في القصص لعبراً، وإن كتاب الله فيه ذكركم أفلا تعقلون، أين قصتكم، أين ذكركم؟ إنه في سورة المائدة (الآيات 21-26).
إنه عندما قيل لكم:
]ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ[ [المائدة: 21]. قاله موسى في زمنه لمسلمي عصره، وكانوا قد بلغوا من الضعف والتهافت والخور، والجبن، أن قالوا لرائدهم وقائدهم موسى: "إن فيها قوما جبارين" وكانوا عمالقة مشركين.
ورددتم أنتم "إن فيها صهيونيين" عمالقة جدداً، سخروا العالم المعاصر باشعال الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، وتدمير أوربا، والمسيحية العجوز الهرمة، وإقامة مجلس شورى ابليس باسم عصبة الأمم، ثم باسم منظمة الأمم المتحدة، إنهما مجلسا الدجال نائب ابليس، وممثله الأعظم، فلما أخرجتم من دياركم وقتلتم وقتل أبناؤكم ونساؤكم شكوتم إلى مجلس شورى ابليس، وبكيتم، وأقمتم المآتم أمام مجلس الدجال، الذي أقام لبني صهيون وطناً، ليبنى له هيكله في مدينة القدس مكان المسجد الأقصى ليحكم من هناك العالم؟.
يا للبلاهة! والبلادة والسفاهة! ويا لدهاء السامري! وفوزه العجيب!.
كان سامري بني إسرائيل عند ما عاتبه موسى اعتذر إليه قائلاً:
]بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي[ [طه: 96] معاذير ينطق بها الإشراقيون، والزهاد العباد المتنسكون، فيدعون من الغيب ما يدعون.
أما سامريّكم أيها العرب فادعى أصالة الفرعونية، والأشورية والبابلية والجاهلية العربية، ودعا إلى الكفر الصريح البواح!! فاستمعتم وأصغيتم، واتبعتم، وعبدتم العجل الصهيوني الجديد، ورجعتم لحل مسائلكم ومشاكلكم إلى الدجال وابليس، وعقدتم الاتفاقيات والمعاهدات مع القردة والخنازير وعبدة الطاغوت، الذين أخرجهم الرسول صلى الله عليه وسلم من المدينة المنورة، وأخرجهم لوصية الرسول -صلى الله عليه وسلم- عمر الفاروق من جزيرة العرب، فرجعتم أنتم تعانقونهم وتبادلونهم القبلات، وتقيمون مقاعدهم وقواعدهم في أرض الجزيرة العربية، ومصر الكنانة، والعراق والشام وفلسطين.
كان نبي الله موسى -لغيرته وحميته- طرد السامري خاسئاً ذليلاً، وقال له: (فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ) [طه:97] رجل منبوذ مطرود، مرجوم، وأنتم أيها المسلمون العرب! قدستم سامريّكم، وقبلتم يديه ورجليه، وحكمتموه بدل موسى عليكم، فأصبحتم مريديه وأصحابه ومسترشديه، سميتموه القائد الجليل، والبطل المغوار، ورمز المقاومة، وخادم الحرمين، ورجعتم في جميع أموركم وقضاياكم السياسية والاقتصادية والتعليمية والثقافية إلى "مجلس شورى ابليس"، منه ترجون ما ترجون، وعليه تتوكلون، ومنه تسألون، فيا للعار والشنار، فماذا أعطاكم؟ أعطاكم الدمار والخراب، ومجازر الرجال والنساء والأطفال، وتشريد السكان، وتهجير أصحاب الأوطان، والخزي والذلة، فتقدمتم وقلتم: قد كان زمان ضربت فيه الذلة والمسكنة عليكم وقد علوتم، ونزلنا، وغلبتم، وهزمنا فاضربوا الذلة والمسكنة علينا.
وكان سيدنا موسى - ونحن أحق به منهم، وأولى بابراهيم من كل الأمم- بعد ما رأى منهم النكوص، والتنصل والتحايل، والتمحل، والذلة والضعف وقد كان رجلان من الذين يخافون أنعم الله عليهما: " ]أدْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ [المائدة:23].
كان يمثلهما عندكم الرجل العبقري العصامي الشيخ ياسين،
وكان يمثلهما بعده بإيمانه وصموده وصبره الشيخ عبد العزيز رنتيس.
فلم يسمعهما إلا فئة قليلة،رابطوا وصابروا، واستماتوا، فتقبلهم الله، وأدخلهم معهما في جنات النعيم.
ولكن لم تسمع الأكثرية على أرض فلسطين وخارجها من الدول المحيطة بها، نعم! فكان سيدنا موسى قال لهم: ]فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[ [المائدة:25]. هولاء أهل الخزي والذلة والعار، عاشوا في مصر الذلة والشنار، تعودوا على العبودية الفرعونية، والخنوع لكل جبار، فقال الله له: ]فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[ [المائدة:26]. وقيل في عصرنا على لسان من يمثل موسى: "إنها محرمة عليهم من 1948 لا إلى 2017 فحسب، بل إلا ما يعلم مداه إلا الله، دعهم يتيهون في الأرض، دعهم يقبلون عتبة مجلس الدجل في نيويارك، دعهم فليهنأوا بالاتفاقيات والمعاهدات للخزي والعار والخراب والدمار، دعهم فليلهثوا وراء كل سراب، وليعبدوا عجل كل دولة عربية ممسوخة، وليهيموا في الأرض مشردين، يخذلهم بنو جلدتهم، قبل خذلان آل الصليب وآل صهيون.
إنها قضية القدس وفلسطين:
إنها لا تحرر، إلا بأبي عبيدة بن الجراح، وإلا بعزمات عمر بن الخطاب، إنها لا تحرر إلا ببطولة عماد الدين، وجهاد نور الدين، وفتح صلاح الدين، إنها لاتحرر إلا برهبان الليل، وفرسان النهار، إنها لاتحرر إلا بالأشداء على الكفار والرحماء بينهم، الأعزة على الكافرين، الأذلة على المؤمنين، المجاهدين في سبيل الله الذين لايخافون لومة لائم، إنها لاتحرر إلا بالصادقين الصابرين القانتين المستغفرين بالأسحار، إنها لاتحرر إلا بمن تكون الشهادة إليهم أحب من الخمور إليهم.
من هزم في نهاية القرن الخامس الهجري، ومن هزم في منتصف القرن الرابع عشر الهجري، ومن هزم في نهاية القرن الرابع عشر الهجري؟
إن من هزموا، كان مغزوين في عقر دارهم، كان غدرة فاجرين، خرقوا ستار الخلافة فمزقوه، وأزهقوا روح الجامعة الإسلامية وقتلوه، وعبدوا عجل القومية، العربية وقدسوه.
إنهم مهزومون، مندحرون، مخزيون، مرجومون، ولا يتم الفتح إلا على يد عماد جديد، ونور جديد، وصلاح جديد، ليس إلا.
وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر.