الدكتور جمال عبد الستار الأستاذ بجامعة الأزهر والأمين العام لرابطة علماء أهل السنة
رابطة علماء أهل السنة
بعد أن عرضنا في المقال السابق استشرافاً لمستقبل الصراع في المنطقة ومدى خطورته عليها، وما سمعه ورآه الجميع خلال الأيام السابقة من تهديدات سافرة من كل حدب وصوب للمسلمين أفراداً ودولاً بالقتل والطرد والنهب، كان لابد من البحث عن مخرج تنجو به الأمة من كبوتها، أو تقلل به حجم خسائرها، وحقيقة أقول لقد ترددت في نشر هذا المقال، ولكن رأيت أن بيان الحق له ضريبته وصعوبة تقبله، وأن كسر حواجز الخوف يبدأ بكلمة ، فقررت الاستمرار في نشر سلسلة المقالات متعبدًا لله بالبيان .
وأول ذلك أن تدرك الأمة أنها فرطت في حقها يوم أن تنازلت عنه لأنظمة مستبدة، وقيادات عسكرية خائنة، وفرت لها الشعوب كامل الإمكانات والطاقات بلا حدود ، ثم فوجئت أنها يوم أن قررت استخدام تلك الإمكانات، كانت صدور الشعوب هدفها، ورؤس الشباب صيدها، وممتلكات الشعوب غنيمتها!! وبنات المسلمين سبيها، وعلماء الأمة قي كل التخصصات أسراها!!
إن من قُتل من أبناء الأمة على يد تلك الجيوش أضعاف أضعاف من قتل على يد أعدائها!! وانظر كم قتل الجيش السوري من شعبه، وما زال يقتل ؟!! وكم قتل الجيش المصري من أهله، وما زال يقتل ؟!! وكم قتل جيش القذافي من أبناء ليبيا ، وما زال يقتل!!!! وكم قتل جيش على صالح من أبناء اليمن، وكم دمر من مقوماتها، وما زال يقتل ويدمر !! ، وكم دمر جيش صدام ..!! وكم تآمر جنرالات تلك الجيوش على الشعوب ، وكم أهدروا من ثروات، وسفكوا من دماء، وأضاعوا البلاد، وأذلوا العباد!! فلا ديناً حموا، ولا وطناً حفظوا، ولا عدواً منعوا، ولا دماءً عصموا، ولا عرضاً صانوا، ولكن كانوا أضر على الأمة من أعدائها!!!
والواجب العملي ، والتكليف الشرعي: أن يُعد كل مسلم للمستقبل القريب عدته ،وذلك انطلاقا من قول الله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ ? ، والإعداد في أصله موجه للأمة بأسرها ، فكل مسلم مأمور بالإعداد قدر استطاعته، وأقل ذلك أن يمتلك كل مسلم حقه من جديد، وأن يعود إلى وعيه، وأن يعلم أن الدفاع عن الدين والمال والعرض واجبه الشخصي ، ومسئوليته الشرعية ،وأن يُصبح في الحد الأدنى متمكناً من الدفاع عن نفسه وعرضه ودينه.
وأن يعد نفسه لئلا يأتي عليه يوم فيصبح كما نري في كثير من أوطاننا السليبة مقطع فيديو في خبر، أو صورة على وسائل التواصل، وهو يُذبح كالخراف لا حراك له، ينتظر دوره في ثبات زائف، أوصمود كاذب، أو يُنتهك عرضه ويُسلب ماله، أو يعتدي على أهله وماله ودينه وهو مسكين لايملك حتى محاولة الدفاع عن نفسه ، وكما قال الاستاذ علي عزت بيجوفتش رحمه الله تعالى: لا توجد خسارة لا يكون الشعب الخاسر مسؤولاً عنها! ولا يوجد في مزبلة التاريخ أبرياء.لأنك عندما تكون ضعيفاً فهذه خطيئة من وجهة نظر التاريخ،وأن تكون ضعيفاً في التاريخ هو عمل لا أخلاقي!!
وحينما أنزل الله في كتابه: "وأعدوا لهم" لم يكن التكليف خاصاً بحاكم أو منظومته، بل كانت تكليفاً شرعياً للأمة واجب النفاذ ، وعلى كل مسلم بما يستطيع، ولم يكن هذا الواجب الشرعي أيضاً خاصاً بتيار أوجماعة أوفئة أو حزب، وإنما هو واجب الأمة كلها بما تستطيع.
والأمة لا يحل لها أن تكون إلا في أحد حالين : إما في إعداد لمواجهة عدوها: "ترهبون به عدو الله وعدوكم" وهذا عين الجهاد، وإما أن تكون في مواجهة مع عدوها،وذلك أيضا عين الجهاد. لذا فعلى كل راع أن يعد من الإمكانات مايحمي به رعيته، ومايصون به عرضه ،وأعجب ممن يجيز للإنسان تملك ما يحمي به دوابه، أو غنمه أو تجارته، أو ثروته، ويحرم عليه أن يتملك مايدافع به عن نفسه ودينه وعرضه.
وأخيراً أقول : كل أطراف الصراع في العالم محلية كانت أو دولية تملكت أدوات صراعها ، وتعلمت كيف تحقق أهدافها، وتحمي أمنها، إلا أمتنا فُرض عليها أن تموت في صمت !! أو أن يندرج شبابها تحت رايات سوءوأمراء سوء يضلونهم. فلا نامت أعين الجبناء.