الثلاثاء 24 ديسمبر 2024 07:49 صـ 22 جمادى آخر 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    الشيخ علي السالوس .. فقيه الاقتصاد والمعاملات الذي كشف حقائق الشيعة

    رابطة علماء أهل السنة

    تلقيت ببالغ الألم والحزن نبأ وفاة العلامة الفقيه أ.د. علي أحمد السالوس، إثر أزمة صحية ألمت به أدت إلى وفاته، عن (92) عاما هجريا و(89) عاما ميلاديا؛ حيث ولد عام 1353 هجرية الموافق 1934م.

    حصل الشيخ الفقيد على ليسانس من كلية دار العلوم جامعة القاهرة، عام 1376هـ - 1957م، ودبلوم الدراسات العليا - كلية دار العلوم 1389هـ - 1969م، وماجستير في الشريعة من كلية دار العلوم جامعة القاهرة 1389هـ- 1969م وموضوعها: "فقه الشيعة الإمامية مواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة"، ودكتوراه في الشريعة من كلية دار العلوم جامعة القاهرة بمرتبة الشرف الأولى 1395هـ - 1975م، وموضوعها: "أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله"، حصل عليها بمرتبة الشرف الأولى.

     

    وقد شغل الشيخ مناصب علمية عديدة، منها:

    أستاذ الفقه والأصول، وأستاذ فخري في المعاملات المالية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي في جامعة قطر.

    النائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا.

    خبير بمجمع الفقه منظمة المؤتمر الإسلامي بجدة ثم اختير عضوا بالمجمع.

    خبير بجمع الفقه برابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة ثم اختير عضوا بالمجمع.

    أحد الأمناء لمركز قطر الإسلامي بلندن.

    رئيس الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح بمصر (سيأتي الحديث عنها).

     

    مجالات الاهتمام العلمي:

    عرف الشيخ بالكتابة في مجالين مهمين جدا

    المجال الأول:

    كتاباته عن الشيعة وفقههم، وبخاصة الشعية الإثنا عشرية، وهو من أوائل من كتب عنهم، وكان لهذه الكتابات قصة، يقول عنها: "في الدراسات العليا درّس لنا الأستاذ الشيخ الجليل محمد مدني رحمه الله، وكان ينادي بالتقريب بين المذاهب فدرس لنا أنه لا يوجد خلاف بين الإمامية والمذاهب الأربعة إلا كما يوجد بين أي مذهب و آخر ومن هذا المنطلق سجلت رسالة الماجستير في فقه الشيعة الإمامية ومواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة أراد الشيخ المدني أن تكون النتيجة انه مذهب خامس مثل المذاهب الأربعة، ولكن الله أراد غير ذلك، فلما بدأت أدرس كاد شعري أن يشيب من هول ما أراه تكفير الأمة تكفير الصحابة وهذه الفرقة موجودة في العراق وفي إيران ولبنان وغيرها، ولما انتهيت من الماجستير وجدت أن نظرية الإمامة لها أثر كبير في الفقه والأصول وليس على العقيدة فقط فكانت رسالة الدكتوراه " أثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله " ثم توسعت بعد ذلك أكثر وأكثر لأني أحسست أن الأمر خطير".

    حسبك فقط أن تتصفح كتابه: "مع الشيعة الاثنى عشرية في الأصول والفروع"، وهو موسوعة شاملة جاءت في أربعة أجزاء في مجلدين يقعان في 1218 صفحة، منشور في دار الفضيلة بالرياض، عام 1424هـ- 2003م: الجزء الأول: جاء في خمسة فصول: الفصل الأول: الإمامة عند الجمهور والفرق المختلفة، والفصل الثاني: أدلة الإمامة من القرآن العظيم، والفصل الثالث: الإمامة في ضوء السنة، والفصل الرابع: الاستدلال بالتحريف والوضع، تضمن الحديث عن: تحريف القرآن الكريم، والاستدلال بالأحاديث الموضوعة، ونهج البلاغة، والصواعق المحرقة، والطرق التي يعلم بها كذب المنقول .. أما الفصل الخامس فتحدث عن عقائد تابعة، مثل: أولا : عصمة الأئمة، وثانيا : البداء، وثالثا : الرجعة، ورابعا : التقية.

    أما الجزء الثاني من الموسوعة فجاء في قسمين كبيرين: القسم الأول عن: التفسير وأصوله عند أهل السنة، في ثمانية فصول تصمنت تفسير الرسول والصحابة والتابعين ومن بعدهم، والقسم الثاني: التفسير وأصوله عند الشيعة الإثنى عشرية، تضمن الفصل الأول : القرآن الصامت والقرآن الناطق، والفصل الثاني : الظاهر والباطن، والفصل الثالث : القرآن الكريم والتحريف، والفصل الرابع : كتب التفسير الشيعي في القرن الثالث، والفصل الخامس : التبيان للطوسي وتفاسير الطبرسي، والفصل السادس : التفسير بعد الطوسي والطبرسي، الفصل السابع : نظرة عامة لباقي كتب التفسير.

    أما الجزء الثالث فجاء في قسمين كذلك: القسم الأول : الحديث وعلومه عند الجمهور، وتكون من عشرة فصول، فيما جاء القسم الثاني عن: الحديث وعلومه وكتبه عند الشيعة، متضمنا ستة فصول، وبعد ذلك كان ملحق للجزء الثالث، تحدث عن السنة بيان الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم.

    أما الجزء الرابع والأخير فتضمن ثلاثة أبواب كبيرة: الباب الأول: أصول الفقه، والباب الثاني: العبادات، والباب الثالث: المعاملات.

    تأمل فقط هذه العناوين التي تضمنها هذا الكتاب – كتاب واحد من كتبه - وهو يعد موسوعة متكاملة لمن أراد أن يعرف الشيعة ومعتقداتهم ومذهبهم وأصولهم وفقهم مقارنا بأهل السنة؛ حيث اعتمد فيه عالمنا الجليل على نقل أقوالهم من مصادرهم وتوثيقها وفحصها بالحجة والبرهان، مقارنًا ذلك كله بما عند أهل السنة والجماعة الذين هم السواد الأعظم لهذه الأمة.

    المجال الثاني:

    هو مجال فقه المعاملات المالية، وللشيخ فيها جهد مبكر، وكتابات تأسيسية ومرجعية في هذا الباب، ولتوجهه لمجال المعاملات والاقتصاد الإسلامي قصة أ]ضا، يقول عنها: "أحد السادة العلماء الفضلاء نشر قولا حول تبادل العملات وأباح التبادل بالأجل فيها وأن الربا في الذهب والفضة فقط ولا يسري في النقود الورقية ، وكنت ساعتها في الكويت فانتظرت أن يرد عليه أحد ولكن لم يرد أحد فعرفت أن هذا صاحب مدرسة كبيرة في الكويت ومن يرد عليه يتعرض لمخاطر جمة لذلك لم يستطع أحد أن يواجهه فكتبت مقالا عن الصرف وبيع العملات نشر في مجلة اللواء الإسلامي ولم أذكر اسمه وقلت في المقال أنه عالم فاضل وكذا وكذا وبينت مسألة الصرف وقلت إن لم تنطبق على النقود الورقية إذا لا ربا ولا زكاة، ففوجئت برده الشديد مع قدر كافي من الشتائم وأنا عادة لا أرد على الشتائم لكن وجدت أنه لابد من رد علمي فرددت برد علمي موسع - أخذ ما يقرب من ثلث أو ربع المجلة - أحكام النقود باقية – ليست قاصرة على عصر الذهب والفضة و إلا لقلنا بعصر بلا نقود ؛ فرد مرة أخرى فلم أرد - ورد عليه اقتصاديون آخرون - وكتبت مقالا لم أنشره لكن ضممته للكتاب الذي كتبته عن النقود وبيع العملات بعد ذلك ؛ وكانت هذه بداية الدخول في الاقتصاد الإسلامي، وجمعت هذه المقالات وتوسعت في كتاب النقود واستبدال العملات دراسة وحوار، ثم كان تصنيف كتاب الثقافة الإسلامية اشترك في تصنيفه 6 علماء كان نصيبي الاقتصاد الإسلامي وهذا من تقدير الله، ثم كتبت دراسة عن بيت التمويل الكويتي، ثم عينت خبيرا اقتصاديا في مجمع الفقه لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة وذلك في المؤتمر الأول التأسيسي، ثم في المؤتمر الثاني كتبت ثلاثة أبحاث، ثم توالت الأبحاث والكتابة في الاقتصاد الإسلامي".

    لقد عالج الشيخ الجليل قضايا مهمة ومسائل شائكة من المستجدات والنوازل في مجال المعاملات، كما سنورد في قائمة بعض مؤلفاته بعد قليل، ووضع لها حلولا فقهية أصيلة تتسق مع تراثنا الفقهي العظيم وتستجيب لحاجة الأمة وتحقق مصالح الناس، فباب المعاملات هو عصب الحياة وتتجلى حاجات الناس فيه بشكل يومي.

    وتميز تناول الشيخ الجليل والفقيه الكبير في القضايا لتي تناولها بالنفس العلمي والتناول الموضوعي، والتيسير الملحوظ المنضبط البعيد عن التحلل والتحجر، التحلل الذي يبيح كل شيء بحجة التيسير على الناس، والتحجر الذي يحرم كل شيء لأجنى شبهة عارضة، وفي هذا تفويت مصالح الخلق ومعارضة مقاصد الشرع.

    والكم الكبير من البحوث التي كتبها الشيخ الفقيه، أو أشرف عليها، أو قام بتحكيمها، أو مناقشتها، يدل على علو كعبه في فقه المعاملات، ويشير إلى السهمة الكبيرة والبصمة العظيمة التي تركها في هذا المجال – الاقتصاد والمعاملات – وتصنفه من فقهاء المعاملات وعلماء الاقتصاد الإسلامي في عصرنا، وهو ما يستحق أن يفرد له دراسات وبحوث تفحص المنجز العلمي الذي تركه فقدينا الكبير الجليل.

    مؤلفات الشيخ:

    ترك الشيخ تراثا كبيرا في هذين المجالين بالإضافة إلى كتب أخرى، تجاوز هذا التراث العلمي والمنجز الفقهي (80) كتابا وبحثا، فضلا عما أسهم به في تقييم البحوث وتحكيم الكتب والرسائل والترقيات، والأبحاث المقدمة لنيل الجوائز.

    ومن أهم المؤلفات:

    فقه الشيعة الإمامية مواضع الخلاف بينه وبين المذاهب الأربعة، وأثر الإمامة في الفقه الجعفري وأصوله، والإمامة عند الجعفرية والأدلة من القرآن العظيم، ومع الشيعة الاثنى عشرية في الأصول والفروع : موسوعة شاملة، وحكم أعمال البنوك في الفقه الإسلامي، والمعاملات المالية المعاصرة في ميزان الفقه الإسلامي، وموسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والأقتصاد الأسلامي، والمعاملات المالية المعاصرة في ميزان الفقه الإسلامي، والاقتصاد الإسلامي والقضايا الفقهية المعاصرة (جزءان)، وفقه البيع والاستيثاق والتطبيق المعاصر ج1 : دراسة في الفقه الإسلامي مقارنا بالقانون مع تهذيب وترتيب وتبويب المغني لابن قدامة وتخريج أحاديثه، ومعاملات البنوك الحديثة في ضوء الإسلام، وقصة الهجوم على السنة من الطائفة الضالة في القرن الثاني إلى الطاعنين في عصرنا، وأثر تغير قيمة النقود في الحقوق والالتزامات الآجلة، وفوائد البنوك وشهادات الاستثمار في ضوء الكتاب والسنة والإجماع، والتضخم في ميزان الفقه الإسلامي، والسياسة المالية (معالجة العجز في الميزانية).

     

    العلماء الذين تعلم عليهم أو التقاهم:

    ومن مآثر الشيخ - يرحمه الله تعالى - أنه تربى على مشايخ العصر، مشايخ كبار، منهم:

    فضيلة الشيخ / مصطفى زيد - أشرف على رسالة الماجيستير

    - فضيلة الشيخ / محمد أبو زهرة - أشرف على رسالة الدكتوراه وبعد وفاته أتم الأشراف عليها الشيخ مصطفى زيد.

    - فضيلة الشيخ / علي حسب الله.

    - فضيلة الشيخ / محمد المدني.

    - فضيلة الشيخ / عمر الدسوقي.

     

    كما عاصر عددا من العلماء والتقى بهم، ومنهم:

    فضيلة الشيخ / محمود محمد شاكر أبو فهر.

    - فضيلة الشيخ / جاد الحق شيخ الأزهر السابق رحمه الله.

    - فضيلة الشيخ / ابن باز سافر إليه الشيخ وناقشه في مسألة التورق.

    - فضيلة الشيخ / ابن عثيمين سافر إليه وناقشه في مسألة البيع الآجل.

    - فضيلة الشيخ / الألباني قابله في قطر و تناقش معه الشيخ في موضوع حديث الثقلين وذكر ذلك الشيخ في كتابه حديث الثقلين وفقهه.

     

    من مواقف الشيخ:

    لم يكن الشيخ الجليل علي السالوس مجرد عالم يحسن التعليم والتدريس والكتابة والحياة بين الكتب والأوراق فحسب، وإنما كان عالما عاملا، صاحب مواقف واضحة وفاصلة لا مجاملة فيها في الحق، فكان – رحمه الله تعالى – لا يخشى في الله لومة لائم.

    ومن ذلك موقفه من فتوى الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر بحل فوائد البنوك، فوقف الشيخ مع ثلة كريمة من أهل العلم في مصر والعالم الإسلامي ضد هذه الفتوى، وكان د. السالوس من أعلاهم صوتا، فذهب الطنطاوي إلى القضاء وعاجله بقضية حكمت عليه بالسجن، وساعتها قال طنطاوي: "حتى يعلم الجميع أني أنا مفتي الدولة"!

    وبعد ثورة الخامس والعشرين من يناير تنادى مع إخوانه لتأسيس هيئة علمائية في مصر تكون مرجعل للتيارات والجماعات جميعا، فأسس معهم ما عرف باسم: "الهيئة الشرعية للحقوق والإصلاح"، وكان لها دور ملحوظ في توجيه الرأي الشرعي فيما تحتاجه ثورة مصر، وكان رئيسا لها، وهي تضم كوكبة من صفوة علماء مصر.

    وبعد أن وقعت أحداث 3 يوليو 2013م، غادر الشيخ مصر إلى قطر؛ حيث أسلم الروح إلى بارئها في الدوحة يوم الثلاثاء 7 محرم الحرام 1445هـ اموافق 25 يوليو 2023م.

    نسأل الله تعالى أن يغفر للشيخ الجليل والفقيه الكبير والمجاهد الصارب المرابط الشيخ الدكتور علي أحمد السالوس، وأن يرحمه، ويتقبل جهاده العلمي والدعوي، وأن يحشره مع العلماء العاملين والدعاة الصادقين الربانيين، ويخلفنا والعلم فيه خيرا، وإنا لله إنا إليه راجعون.

    ---------------------------------------------------------------------------------

    (البيانات الأساسية والكلام الذي ورد على لسان الشيخ مأخوذ من موقعه الشخصي رحمه الله وغفر له).

    الشيخ السالوس فقيه الاقتصاد المعاملات

    مقالات