فتيان صنعوا التاريخ - 4 - الزبير بن العوام ”أول من سلّ سيفة في الدفاع عن الإسلام”
رابطة علماء أهل السنةالزبير بن العوام
(حواري رسول الله ﷺ ) 15 سنة :
أول من سلّ سيفة في الدفاع عن الإسلام
هو فتى أسلم في الخامسة عشر من عمره، وصاحب أول سيف شھر في الإسلام، ففي الأيام الأولى للإسلام، والمسلمون يومئذ قلة يستخفون في دار الأرقم.. سرت اشاعة ذات يوم أن الرسول قتل، فما كان من الزبير إلا أن استل سيفه وامتشقه، وسار في شوارع مكة، كالإعصار..، ليتبين صحة الخبر، معتزما ان ما ألفاه صحيحا أن يعمل سيفه في رقاب قريش كلھا حتى يظفر بھم أو يظفروا به، وفي أعلى مكة لقيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله ماذا به....؟ فأنھى إليه الزبير النبأ.. فصلى عليه الرسول، ودعا له بالخير، ولسيفه بالغلب.
وعلى الرغم من شرف الزبير في قومه فقد لقي حظه من اضطھاد قريش وعذابھا. وكان الذي تولى تعذيبه عمه، حيث كان يلفه في حصير، ويدخن عليه بالنار كي تزھق أنفاسه، ويناديه وھو تحت وطأة العذاب:" أكفر برب محمد، أدرأ عنك العذاب". فيجيبه الزبير الذي لم يكن يوم ذاك أكثر من فتى ناشئ، غض العظام.. يجيب عمه في ّ تحد رھيب: " لا والله لا أعود لكفر أبدا"
. ويھاجر الزبير إلى الحبشة، الھجرتين الأولى والثانية، ثم يعود ليشھد المشاھد كلھا مع رسول الله لا تفتقده غزوة ولا معركة.
وما أكثر الطعنات التي تلقاھا جسده واحتفظ بھا بعد اندمال جراحاتھا، أوسمة تحكي بطولة الزبير وأمجاده.
ولنصغ لواحد من الصحابة رأى تلك الأوسمة التي تزدحم على جسده، يحدثنا عنھا فيقول: " صحبت الزبير بن العوام في بعض أسفاره ورأيت جسده، فرأيته مجذعا بالسيوف، وإن في صدره لأمثال العيون الغائرة من الطعن والرمي. فقلت له: والله لقد شھدت بجسمك ما لم أره بأحد قط. فقال لي: أما والله ما منھا جرح إلا مع رسول الله وفي سبيل الله".
ويوم اليرموك كان الزبير جيشا وحده.. فحين رأى أكثر المقاتلين الذين كان على رأسھم يتقھقرون أمام جبال الروم الزاحفة، صاح ھو" الله أكبر".. واخترق تلك الجبال الزاحفة وحده، ضاربا بسيفه، ثم قفل راجعا وسط الصفوف الرھيبة ذاتھا، وسيفه يتوھج في يمينه لا يكبو، ولا يحبو.
وكان رضي الله عنه شديد الولع بالشھادة، عظيم الغرام بالموت في سبيل الله. وكان يقول: " ان طلحة بن عبيد الله يسمي بنيه بأسماء الأنبياء، وقد علم ألا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلّم، وإني لأسمي ّ بني ". بأسماء الشھداء لعلھم يستشھدون".
وھكذا راح يختار لأبنائه أسماء الشھداء راجيا أن يكونوا يوم تأتيھم آجالھم شھداء
ولقد قيل في تاريخه: " أنه ما ولي إمارة قط، ولا جباية، ولا خراجا ولا شيئا إلا الغزو في سبيل الله".
وحين طال حصار بني قريظة دون أن يستسلموا أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم مع علي بن أبي طالب، فوقف أمام الحصن المنيع يردد مع علي قوله: " والله لنذوقن ما ذاق حمزة، أو لنفتحن عليھم حصنھم".. ثم ألقيا بنفسيھما وحيدين داخل الحصن، وبقوة أعصاب مذھلة، أحكما إنزال الرعب في أفئدة المتحصنين داخله وفتحا أبوابه للمسلمين..!!
ويوم حنين أبصر مالك بن عوف زعيم ھوزان وقائد جيش الشرك في تلك الغزوة.. أبصره بعد ھزيمتھم في حنين واقفا وسط فيلق من أصحابه، وبقايا جيشه المنھزم، فاقتحم حشدھم وحده، وشتت شملھم وحده، وأزاحھم عن المكمن الذي كانوا يتربصون فيه ببعض زعماء المسلمين، العائدين من المعركة..!! **
ولقد كان حظه من حب الرسول وتقديره عظيما.. وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يباھي به ويقول: " إن لكل نبي حواريا وحواريي الزبير بن العوام".. ذلك أنه لم يكن ابن عمته وحسب، ولا زوج أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين، بل كان ذلك الوفي القوي، والشجاع الأبي : ، والجواد السّخي، والبائع نفسه وماله لرب العالمين ولقد أجاد حسان بن ثابت وصفه حين قال:
أَقامَ عَلى عَهدِ النَبِيِّ وَهَديِهِ حَوارِيُّهُ وَالقَولُ بِالفِعلِ يُعدَلُ
أَقامَ عَلى مِنهاجِهِ وَطَريقِهِ يُوالي وَلِيَّ الحَقِّ وَالحَقُّ أَعدَلُ
هُوَ الفارِسُ المَشهورُ وَالبَطَلُ الَّذي يَصولُ إِذا ما كانَ يَومٌ مُحَجَّلُ
إِذا كَشَفَت عَن ساقِها الحَربُ حَشَّها بِأَبيَضَ سَبّاقٍ إِلى المَوتِ يَرفُلُ
وَإِنَّ اِمرَأً كانَت صَفِيَّةُ أُمُّهُ وَمِن أَسَدٍ في بَيتِها لَمُرَفَّلُ
لَهُ مِن رَسولِ اللَهِ قُربى قَريبَةٌ وَمِن نُصرَةِ الإِسلامِ مَجدٌ مُؤَثَّلُ
فَكَم كُربَةٍ جَلّى الزُبَيرُ بِنَفسِهِ عَنِ المُصطَفى وَاللَهُ يُعطي فَيُجزِلُ
فَلا مِثلُهُ فيهِم وَلا كانَ قَبلَهُ وَلَيسَ يَكونُ الدَهرَ ما دامَ يَذبُلُ
ثَناؤُكَ خَيرٌ مِن فَعالِ مَعاشِرٍ وَفِعلُكَ يا اِبنَ الهاشِمِيَّةِ أَفضَلُ
وكان رفيع الخصال، عظيم الشمائل.. وكانت شجاعته وسخاؤه كفرسي رھان..!! فلقد كان يدير تجارة رابحة ناجحة، وكان ثراؤه عريضا، ولكنه أنفقه في الإسلام حتى مات مدينا..!!
وكان توكله على الله منطلق جوده، ومنطلق شجاعته وفدائيته.. حتى وھو يجود بروحه، ويوصي ولده عبدالله بقضاء ديونه قال له: " إذا أعجزك دين، فاستعن بمولاي".. وسأل عبدالله: أي مولى تعني..؟ فأجابه: الله، نعم المولى ونعم النصير
يقول عبدالله فيما بعد: " فوالله ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت: يا مولى الزبير اقضي دينه، فيقضيه".
فاللهم يا مولى الزبير، افتح أعين شباب أمتنا ليروا ما كان يفعل أجدادهم، وابعث فينا من شبابنا أمثال الزبير ليذودوا عن محارم المسلمين واكتب لنا النصر على أيديهم.. اللهم آمين.