تونس .. واشنطن ترى عزل القضاة تقويضا لمؤسسات الديمقراطية والمعارضة تحذر
رابطة علماء أهل السنةحذّرت قوى المعارضة التونسية من استفحال الأزمة في البلاد بعد قرار الرئيس قيس سعيد أمس عزل 57 قاضيا، ودعت إلى التصدي صفا واحدا لما وصفته بالانقلاب، وسط دعوات متصاعدة لإسقاط الاستفتاء المقرر الشهر المقبل لتعديل الدستور.
وقالت جبهة الخلاص الوطني المعارضة إن قرار العزل جاء بناء على شبهات لم يقع البتّ فيها من قِبَل الهيئات التأديبية.
وأكد الجبهة، في بيان، أن عزل الرئيس للقضاة يؤذن بدفع البلاد إلى المواجهة بين الدولة والأحزاب السياسية والنقابات، ولن يزيد الأزمة السياسية إلا استفحالا.
وأضاف البيان أن "التدخل الفظ لرئيس الجمهورية في سير المرفق القضائي يحوله إلى أداة للاضطهاد"، مؤكدا أن قرار سعيد عزل القضاة جاء بناء على مرسوم مخالف لمبدأ الفصل بين السلطات.
فساد وتواطؤ
وكان الرئيس التونسي قد أصدر مرسوما رئاسيا نشرته الجريدة الرسمية يقضي بإعفاء 57 قاضيا من مهامهم بتهمة الفساد والتواطؤ والتستر على متهمين في قضايا إرهاب.
وتشمل القائمة يوسف بوزاخر الرئيس السابق للمجلس الأعلى للقضاء الذي حله قيس سعيد، إضافة إلى الرئيس السابق لمحكمة التعقيب الطيب راشد ووكيل الجمهورية السابق بشير العكرمي.
وشنّ سعيد في افتتاح اجتماع مجلس الوزراء هجوما على من سماهم القضاة غير الشرفاء، وأضاف أن أسبابا عدة، منها علاقتهم بأحزاب سياسية وتسترهم على ذوي الشبهات الإرهابية، خاصة في ملف ما وصفه بالجهاز السري لحركة النهضة، هي التي دفعته إلى اتخاذ القرار بتغيير المجلس الأعلى للقضاء الذي لم يقم بتطهير القضاء، حسب قوله.
وردا على هذا القرار، قال اتحاد القضاة الإداريين في تونس "نرفض رفضا قاطعا مرسوم الرئيس القاضي بإعفاء 57 قاضيا"، مؤكدا أن مرسوم الرئيس قيس سعيد "أنهى استقلالية القضاء".
بدورها، أدانت جمعية القضاة التونسيين "مذبحة الرئيس قيس سعيد في حق القضاة وتصفية من لم يخضعوا لتعليماته وضغوطه".
كما اعتبرت جمعية القاضيات التونسيات أن مرسوم عزل القضاة الذي أصدره سعيد "انحراف خطير بالسلطة يهدف إلى ترهيب باقي القضاة".
تنديد أميركي
وردا على القرار أيضا، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس إن عملية التطهير جزء من "مجموعة مثيرة للقلق من الخطوات التي تقوّض المؤسسات الديمقراطية المستقلة في تونس".
وقال برايس، في مؤتمر صحفي دوري، إن المسؤولين الأميركيين أبلغوا نظراءهم التونسيين بأهمية الالتزام بضوابط النظام الديمقراطي.
وقال برايس "ما زلنا نحث الحكومة التونسية على متابعة عملية إصلاح شاملة وشفافة بمساهمة من المجتمع المدني والأصوات السياسية المتنوعة لتعزيز شرعية جهود الإصلاح".
موقف المعارضة
من جانبها، دعت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" في تونس القوى السياسية والمدنية وكل الشارع الديمقراطي إلى التصدي صفا واحدا لما وصفته بالانقلاب في البلاد.
وبحسب ما نشرته المبادرة على صفحتها بموقع فيسبوك، فإن قرار عزل القضاة جرى بناء على شبهات لم يقع البتّ فيها من قِبَل الهيئات التأديبية والقضائية.
واعتبرت مبادرة "مواطنون ضد الانقلاب" القرار "ممارسة أخرى تمعن فيها سلطة الانقلاب في مسارها الاستبدادي".
وأضافت المبادرة أن قرار عزل القضاة "يؤذن بمرحلة خطيرة من استعمال أجهزة الدولة والمرفق القضائي لإغلاق الحياة السياسية واستهداف المعارضة".
وأكدت المبادرة أن ما وصفته بالإجراء التسلطي يأتي في سياق "عزلة داخلية وخارجية لسلطة الانقلاب ومحاولة لتصدير أزمته السياسية".
إسقاط الاستفتاء
في سياق متصل، دعت الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء في تونس إلى مقاطعة استفتاء 25 يوليو/تموز المقبل، وعدم المشاركة فيه.
وقالت الحملة إن ما فعله سعيد "انقلاب على مكاسب الديمقراطية يهدف لإرساء حكم معاد للحريات".
وأضافت الحملة الوطنية لإسقاط الاستفتاء بتونس أن "استفتاء سعيد مخالف للدستور وللمعايير الدولية ولإرادة الشعب".
وتابعت الحملة أن "القضاء بات يعيش اليوم حالة رعب بسبب مراسيم سعيد"، كما أكدت أنها "لا تقبل أن يمر تطهير القضاء عبر تصفية حسابات مع معارضي سياسة سعيد".
وصرحت الحملة بأن رئيس الجمهورية "يرغب في وضع يده على القضاء لتنفيذ مشروعه الهلامي".
استفتاء "عبثي"
من جهته، وصف الأمين العام للحزب الجمهوري في تونس عصام الشابي الاستفتاء على دستور جديد للبلاد بالعبثي، مضيفا أن "المقصود منه تطويعه لفائدة الحاكم". وجدد رفضه العودة لما وصفه بمربع الاستبداد والتفرد بالحكم
بدوره، قال الأمين العام لحزب العمال في تونس حمة الهمامي إن الأحزاب الموقعة على بيان مقاطعة الاستفتاء على الدستور ترفض السير وراء ما وصفه بالخيار الشعبوي الذي يدفع نحوه الرئيس.
واعتبر الهمامي أن خطورة مشروع الاستفتاء تكمن في إضفاء شرعية زائفة على خيارات جاهزة من قبل الرئيس سعيد.
أما الأمين العام للتيار الديمقراطي في تونس غازي الشواشي فقال إن قرار الرئيس قيس سعيد المتعلّق بعزل عدد من القضاة قرار منفرد ويهدف إلى وضع اليد على السلطة القضائية من أجل تصفية حساباته مع خصومه ومعارضيه.
وقال الشواشي، خلال مؤتمر صحفي لـ5 أحزاب معارضة لإجراء الاستفتاء، إن قرار العزل هو رسالة ترهيب وتخويف للقضاة حتى يخضعوا للتعليمات.
من جانب آخر، قال حزب آفاق تونس إنه تلقى دعوة للمشاركة في الحوار الوطني لكنه "رفض المشاركة فيه باعتباره حوارا شكليا".
اتحاد الشغل يندد
في غضون ذلك، قال الأمين العام للاتحاد التونسي للشغل نور الدين الطبوبي "إن الذين أداروا الشأن العام لم يوظفوا قدراتهم لصالح الدولة".
وأضاف الطبوبي -أمام اجتماع نقابي بشأن الدعوة لإضراب عام في مدينة صفاقس- أن الاتحاد "يعتبر نفسه القاطرة الحقيقية في المجتمع المدني"، مشيرا إلى استعداده لأي حوار يفضي إلى نتائج مجدية.
ونفى الطبوبي توظيف نضالات الطبقة العاملة التونسية لأسباب سياسية، مؤكدا أن البلاد في حالة انهيار اقتصادي.
وبشأن الإضراب العام في القطاع العمومي الذي سيتم تنفيذه يوم 16 من الشهر الجاري، قال الطبوبي إنه "مدروس، وعنوانه كرامة العاملات والعمال بالفكر والساعد".
ومنذ 25 يوليو/تموز الماضي تعاني تونس أزمة سياسية حادة إثر إجراءات استثنائية بدأ سعيّد فرضها، منها حلّ البرلمان، وإلغاء هيئة مراقبة دستورية القوانين، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وحل المجلس الأعلى للقضاء.
وتعدّ قوى تونسية هذه الإجراءات انقلابا على الدستور، في حين ترى فيها قوى أخرى ما تسميه تصحيحا لمسار ثورة 2011، لكن سعيّد يقول إن إجراءاته هي تدابير في إطار الدستور لحماية الدولة من خطر داهم، مشددا على عدم المساس بالحريات والحقوق.
المصدر: الجزيرة