سوق الدعوة و الدعاة في زمن الإشاعة والشبهات


إن المتأمل اليوم في حال شبابنا بل حتى كهولنا هو ضعف التدين والعزوف عنه.
وقد أرجع ذلك إلى بعض الأسباب التي أراها جديرة بالدراسة و التأمل و الاستدراك.
وقد نبه النبي صلى الله عليه و سلم إلى أهم معالم الصراع الذي يعيشه الإنسان في معركة الحياة .
فعن سيدنا ابن عباس رضي الله عنه قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لرجلٍ وهو يَعِظُه : اغتنِمْ خمسًا قبل خمسٍ : شبابَك قبل هَرَمِك، وصِحَّتَك قبل سَقَمِك، وغناك قبل فقرِك، وفراغَك قبل شُغلِك، وحياتَك قبل موتِك”.
فمن يرجع العقول إلى هذه المقاصد السنية و المعادلات الثنائية إن لم تتحرك عجلة الدعاة ، و إحياء الدعوة الفردية بشكل خاص، و إعادة النظر في الجماعية التي أصابها الدخن!!!
أولا: أسباب ضعف التدين في الواقع المعاصر:
1_ قوة الباطل المادية والإعلامية، مع إحتكار و توجيه المعلومة.
2_ سيطرة الأنظمة الاستبدادية على شعوبها و توجيه الوعي إلى نظرية القطيع و التأطير.
3_ شيوع الفاحشة بل و تقنينها، في حياة المجتمع . و تسهيل و تيسير كل طرق الانحلال الأخلاقي.
4_ عدم وجود فضاءات محصنة لاستيعاب الشباب ، تثبيتا و دعوة.
5_ تشويه صورة التدين، و أنه مطية إلى التزمت، و الارهاب .
6_ تضييق فرص العمل و المشاركة في الحياة العامة لكل من يحمل مظاهر التدين ( اللباس ، اللحية ، العفة، عدم الكذب ….).
7_ التشكيك في القواطع، و الدعوة إلى علمنة التدين، أو ما يسمى التدين الفردي الذي ليس له أثر في المجتمع.
8_ كثرة وتنوع مناهج وصور و مذاهب وفرق التدين، وإدخال المدعو في دوامة الحيرة!!
9_غياب القدوة في الأروقة لا في الأوراق…
10_ تقاعس الدعاة و الركون إلى ما ليس فيه كلفة، والخشية على ضياع المكاسب و المناصب، و أكثرها الخوف من بطش السلطان، إلا من ثبته الله .
ثانيا: سوق الدعوة و ضوابطه:
1_ أن تكون مالكاً حقيقياً لرصيد الدعوة: إعرض بضاعتك من الأفكار الدعوية بأصالتها و كما هي حيازة لا ادعاء .
2_ عدم النجش: في بخس بضاعة الغير زوراً و بهتاناً بنية التنفير.
3_ عدم التدليس: في بضاعة الدعوة، و هذا بانتحال الألقاب، و تصحيح الضعيف و تضعيف الصحيح.
4_ عدم التغرير : و إدخال الغرر في ميدان الدعوة باعتبار كل من هو معك فهو من الطائفة الناجية المنصورة، و كل من يخالفه في المنهج الفكري فهو في النار.
5_ عدم الغبن: وهذا من خلال استغلال حاجة الأفراد و ضعفهم و قلة ذات اليد.، فلطالما استعبد الإحسان إنسانا
ثالثا: سوق الدعاة و مؤهلاته:
1_ العلم : لا بد للداعية من علم يبصره ويهديه ( فاعلم أنه. لا إله إلا الله…)
2_ التجرد : و هو أن يخلص الداعية كلمته أن تكون لله ، متجردة عن كل طمع دنيوي أو مصلحة خاصة ( فمن كانت هجرته لله و رسوله …)
3_ الصدق : الرائد لا يكذب أهله، و إياك و التبرير عند التقصير فما نجى كعب بن مالك إلا الصدق ( ولا زال العبد يكذب ويتحرى الكذب ، حتى يكتب عند الله كذابا ….والكذب يهدي إلى الفجور …)
4_ الصبر و المتابعة: على طريق الدعوة والاستعداد للبلاء من غير أن تطلبه، و الصبر على المدعويين فهم رأس مالك ( لئن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من الدنيا و ما فيها …..) ( و اصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم ….) ، و المتابعة لهم في أهم أمور دينهم ( و لا تعدو عيناكِ عنهم ….) .
5_ البذل: و البذل أنواع :
أولا: بذل الوقت ، و ثانيها: بذل العلم ، و ثالثها: بذل الإنفاق بالميسور.
الخلاصة:
إن واجب الدعوة أصبح أشد مما كان عليه قبل ، حيث كان الصراع مع الباطل أو الكافر بوجهه الحقيقي في وقت مضى، أما اليوم فإن الإسلام يواجه من أبناء جلدته، و من أقرب الناس إليه و هذا ما وضحته رسالة ورقة بن نوفل إلى النبي صلى الله عليه و سلم.( سوف يخرجك قومك ، قال : أو مخرجي هم ، قال : ما جاء أحد بمثل ما جئت به إلا وعودي و في رواية إلا وأوذي ، و كلاهما في صحيح البخاري .
فهذه هي طبيعة المرحلة و طبيعة التحولات في الصراع بين الحق والباطل : ( بدأ الإسلام غريبا ، وسوف يعود غريبا كما بدأ، فطوبا للغرباء، قيل و من الغرباء يا رسول الله قال : في رواية الذين يُصلِحون ما أفسد الناس . و في رواية الذين يٓصلُحون عند فساد الناس .
عن أنس بن مالك و أبي هريرة رضي الله عنهما، قالا قال رسول الله صلى الله عليه و سلم:” سيأتِي على الناسِ سنواتٌ خدّاعاتٌ؛ يُصدَّقُ فيها الكاذِبُ، ويُكذَّبُ فيها الصادِقُ، ويُؤتَمَنُ فيها الخائِنُ، ويخَوَّنُ فيها الأمينُ، وينطِقُ فيها الرُّويْبِضَةُ . قِيلَ : وما الرُّويْبِضةُ ؟ قال : الرجُلُ التّافِهُ يتَكلَّمُ في أمرِ العامةِ”.
فاللهم اهدي شبابنا ، و أصلح أحوالنا ، و رد حكامنا إلى دينك ردا جميلا يا رب يارب يارب.