الأزمة الروسية الأوكرانية ... ما أسبابها و ما علاقة الغرب بها؟
رابطة علماء أهل السنةيطرح التصعيد العسكري الروسي شرق أوكرانيا الكثير من الأسئلة حول خلفيات الأزمة المستمرة بين روسيا وأوكرانيا منذ 7 سنين، والأسباب التي تدفع نحو استمرار هذه الأزمة وزيادتها تعقيدا.
وفيما يلي إجابات على بعض هذه الأسئلة، وذكر لأسباب الأزمة والتصعيد الجاري:
ما أهمية أوكرانيا بالنسبة لروسيا؟
لأوكرانيا أهمية كبيرة بالنسبة لروسيا بطبيعة الحال، فتاريخيا هي مهد حضارة مملكة "كييف روس"، والعرق السلافي المنتشر بين أوكرانيا وروسيا وبيلاروسيا.
وسياسيا واقتصاديا، أوكرانيا جارة رئيسية بالنسبة لروسيا، وتتمتع بثروات وإمكانيات عسكرية وصناعية وزراعية واسعة وضخمة، وموقع جغرافي يفصل بينها وبين "معسكر القوى الغربية".
وأما ثقافيا واجتماعيا، فيرتبط البلدان بعلاقات كبيرة، وخاصة في المناطق الحدودية.
كل هذه الأمور جعلت من أوكرانيا "حديقة خلفية" بالنسبة لموسكو التي ترفض التخلي عنها وتَحوّلها إلى "وصاية الغرب" بعد عقود التبعية والموالاة، إن صح التعبير.
متى بدأت الأزمة؟
منذ استقلال أوكرانيا عام 1991، شهدت العلاقات الأوكرانية الروسية كثيرا من أحداث وفترات التوتر، لكنها لم تبلغ حد العداء إلا في نهاية 2004، عندما اشتعلت في أوكرانيا ثورة برتقالية ميّالة نحو الغرب.
عندها، دخل الغرب بقوة على خط العلاقات، داعما انحياز الثورة نحوه؛ لكن الحكم عاد بقوة إلى الموالين لروسيا في 2010.
وباندلاع احتجاجات "الميدان الأوروبي" في نهاية 2013، أخذ المشهد الأوكراني بُعدا آخر تعاظم فيه التوجه الغربي والدور القومي، على حساب انحسار أدوار وتأثير "الموالين لروسيا".
ما أسباب الحرب؟
بحجة حماية الرعايا الروس، ضمت روسيا أراضي شبه جزيرة القرم إليها في مارس/آذار 2014، ودعمت حراكا انفصاليا عسكريا في إقليم دونباس شرق البلاد، وإن كانت تنفي ذلك الدعم جملة وتفصيلا.
ويرى كثيرون أن سبب "الضم والحرب" يعود إلى حقيقة أن روسيا لم تعد (بعد 2014) قادرة على إبقاء أوكرانيا في صفها سياسيا، وشعورها أن جنوح أوكرانيا المتعاظم نحو الغرب بات يشكل خطرا عليها، وخاصة أن كييف تخلت عن صفة عدم الانحياز، وتسعى علنا إلى عضوية الناتو.
ويرى خبير الشؤون الأوكرانية في مركز "الأطلسي" للدراسات الكاتب بيتر ديكنسون، أن "حقيقة تراجع الرغبة الشعبية بالعودة إلى علاقات الماضي مع روسيا، وغياب الحنين إلى فترات الوحدة معها (في ظل الاتحاد السوفياتي) أمر باعد الدولتين، وقد يشكل عدوى بين الدول الأعضاء في الاتحاد الروسي أيضا، لذلك يجب أن "يحارَب" وفق العقلية السياسية الروسية"، على حد قوله.
رئيس أوكرانيا زيلينسكي يتحدث في مؤتمر صحفي مع رئيس المجلس الأوروبي تشارلز ميشيل بخصوص الأزمة (رويترز)
ماذا تريد روسيا من أوكرانيا؟
استنادا إلى ما سبق، ترفض روسيا عضوية أوكرانيا في أي تكتل غربي، وخاصة حلف الناتو، وتعتبر ذلك تهديدا مباشرا لأمنها.
ولهذا -بحسب خبراء كثر- تسعى إلى عرقلة مساعي أوكرانيا في ذلك الاتجاه، والإبقاء عليها منطقةً رمادية فاصلة مع القوى الغربية كأقصى ما يمكن، بعد أن بات خيار "عودة الولاء" مستبعدا.
ويرى الخبراء أيضا أن ذلك جعل أوكرانيا ساحة حرب غير معلنة بين روسيا والغرب لا تزال في مرحلة البرودة والجمود حتى يومنا هذا.
بماذا تضغط موسكو على كييف والغرب؟
لا تملك كييف الكثير من أدوات الضغط على موسكو، والعكس غير صحيح، لأن الأخيرة تمسك بعدة أدوات وملفات وقضايا، نذكر من أبرزها:
-ضم القرم وعكسرتها، وهو ما تعتبره أوكرانيا احتلالا لأراضيها.
-دعم الانفصاليين في شرق البلاد، الذين لا يخفون أحلاما توسعية تكاد تبلغ نصف مساحة أوكرانيا.
-ورقة الغاز المتمثلة بمشروع "نورد ستريم 2" (Nord Stream2) الذي يهدد شبكات النقل الأوكرانية.
-بطبيعة الحال، يتخوف معسكر الغرب من تنامي النفوذ العسكري والاقتصادي في المنطقة، وهنا تبرز أكثر مخاوف دول البلطيق وبولندا التي كانت يوما جزءا من الاتحاد السوفياتي أيضا، وتخشى من "أطماع استعادة الأمجاد السابقة لدى بوتين".
كيف يواجه الغرب روسيا؟
على خلفية الأزمة الأوكرانية منذ سنة 2014، فرضت دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة وكندا وغيرها كثيرا من العقوبات السياسية والاقتصادية على روسيا التي أُبعدت بداية عن مجموعة "الثماني الكبار"، ثم عن المشاركة في أروقة "البرلمان الأوروبي".
ودعمت تلك الدول أوكرانيا بمساعدات مالية كبيرة، موجهة بشكل رئيسي نحو الإصلاحات الرامية إلى تطبيق معايير العضوية في الاتحاد الأوروبي والناتو، وكذلك نحو مجال مساعدة النازحين عن مناطق الحرب والتوتر.
ولعل أكبر هذه المساعدات وأكثرها "قوة" -إن صح التعبير- كانت من الولايات المتحدة، وجاءت على شكل مساعدات عسكرية ونظم أسلحة وصواريخ (جافلين) وتدريبات مشتركة، بحجم بلغ نحو 2 مليار دولار، وفق السفارة الأميركية لدى أوكرانيا.
ما عوامل التصعيد في 2021؟
تحشد روسيا قواتها على حدود أوكرانيا بشكل واسع وغير مسبوق، وهذا يعود إلى عدة عوامل ومستجدات، من أهمها: تغير الإدارة الأميركية، وتشدد إدارة بايدن مع موسكو فيما يتعلق بالأزمة الأوكرانية، واحتمالات التدخل الروسية في الانتخابات، إضافة إلى تنامي العلاقات العسكرية بين أوكرانيا وتركيا، حيث باتت تركيا مصدرا رئيسيا للطائرات المسيرة بالنسبة للجيش الأوكراني، والعامل الأخير هو حملة أطلقتها السلطات الأوكرانية قبل أسابيع ضد نفوذ ورموز المعارضة الموالية لروسيا.
ويصف كثيرون التصعيد الأخير بأنه استعراض للعضلات بين موسكو وواشنطن، وهذا قد يفسر حجم التصريحات وتبادل الاتهامات بين الجانبين، إلى جانب التصريحات الأوكرانية.
وينظر المراقبون باهتمام إلى تطور موقف أنقرة من الأزمة، وهي المعنية أيضا بالحد من تنامي النفوذ الروسي شمالا وجنوبا، في البحر الأسود وسوريا.
الأزمة اندلعت بعد إعلان أوكرانيا مقتل أحد جنودها بنيران الانفصاليين المدعومين من روسيا شرق البلاد (الأوروبية)
ما حدود التصعيد؟
وفق البيت الأبيض، يصعب التنبؤ بحقيقة الأهداف الروسية من هذا الحشد الكبير، ولكن الأكيد أن تعامل واشنطن والناتو معه يأتي على محمل الجد.
ويرى إيليا كوسا خبير العلاقات الدولية في "المعهد الأوكراني للمستقبل" أن "روسيا لا تريد حربا واسعة، لكنها تستعد لها، واليوم -في الوقت الذي تنشر فيه داخليا مخاوف من "تهديد الغرب"- تقوم عمليا هي بتهديده (الغرب والناتو)".
ويقول الخبير "نتوقع زيادة الدعم الأميركي لأوكرانيا، دون المخاطرة بضمها إلى الناتو، الأمر الذي سيفتح أبواب جهنم؛ وبالمقابل، ستزحف روسيا شيئا فشيئا بقواتها، استعدادا لحرب يبدو أنها حتمية في المستقبل القريب أو البعيد".
المصدر : الجزيرة