”أحب الدين ولكني أخشى القساوسة” .. مُعمم في إيران يعترف بنفور الشعب من رجال الدين!
رابطة علماء أهل السنة
نشر موقع "خبرنامه گويا" الإيراني، مقالًا للمدرس في الحوزة الدينية بقم والباحث في الأديان والمذاهب، حجة الإسلام، "مهراب صادق نیا"، وجاء تحت عنوان "الفقه في مترو طهران: علماني أم ديني؟/ فقه در متروی تهران: سکولار یا دینی؟.
تناول صادق نيا في مقاله نقدًا لاذعًا للصورة التي وصل لها رجل الدين في إيران داخل الشارع الإيراني؛ حيث لم يعد يقابل بالاحترام كما كان يعهد، وإنما يحمل عليه رجل الشارع كل سخطه، ويتهمه بأنه سبب كل كوارث وأزمات المجتمع الإيراني.
وما حاول رجل الدين إيصاله من اعترافه في مقاله، سبقه رجال دين آخرون في إيران، منهم الشاعر والممثل الإيراني الشهير، حسين بناهي، حيث تخلى عن عمامة رجل الدين واتجه لمساعدة المجتمع، وعبر عن خطورة سلطة رجل الدين في قصيدة له بعنوان "اعتراف"، قال فيها: "أحب الدين ولكني أخشى القساوسة".
علماني أم ديني؟
وقد نشر مركز "تنوير" للثقافة الكويتي، ترجمة الكاتب الإيراني، وجاء فيه: (سنوات عديدة مرّت وأنا لم أتجوّل على قدمي في شوارع طهران مرتديا لباس رجال الدين. فكلما أزور طهران استخدم سيارتي الخاصة للانتقال من مكان إلى آخر وأتجنب ارتداء لباس رجال الدين. أما هذه المرة، فاضطررت لارتداء هذا اللباس من أجل المشاركة في حديث عام مع الناس. ذهبت بالمترو إلى جهة بعيدة نسبيا. كانت نظرات الناس تجاهي مليئة بعبارات غريبة، ناهيك عن سماعي لمفردات مهينة وبصوت عال. على سبيل المثال جاء شاب نحوي وقال بصورة عصبية: "ارفعوا وصايتكم عن الشعب فقد خرّبتم ديننا أيضا". أقولها بكل صدق، لقد خفت للحظة من هذا الشاب، وتذكّرت بصورة غير واعية المرحوم جمشيد بحري، رجل الدين الذي قُتل في محطة للمترو في طهران على يد أحد المحتجين.
كالعادة، كان قطار المترو مزدحما، ولم تكن المقاعد تكفي لجلوس الناس، وكنت أحد الواقفين. في كل محطة، كانت بعض المقاعد تخلى لتتوفر فرص لبعض الوقوف للجلوس. حاولت مرات عديدة الجلوس ولكني لم أوفّق. كما لم أحصل على أي دعوة من أحد للجلوس، إنما كان الجميع يريدون أن يسبقوني إلى ذلك. حاولت أن أبيّن معاناتي من آلام لي في الركبة، لكن ذلك لم ينفع. أمام مختلف النظرات الموجهة إليّ، فإن بعضها عكست مشاعر انتقامية. رجل في منتصف العمر وكان مرتاحا على مقعده، نظر إليّ وهو يطلق ابتسامة لها معنى، وتعابير وجهه تقول: "آآآه، قلبي مرتاح من عدم قدرتك على الجلوس".
في المحصلة، لم تكن نظرات الناس وديّة. فقد زرت طهران مرات عديدة مرتديا لباس رجال الدين، ورغم أن البعض كان يطلق عليّ بعض الكلمات المهينة، لكن كان من بين الناس من بدا لطيفا معي وكريما تجاهي بسبب لباسي الديني. لكن في هذه المرة اختلف الوضع تماما. فلباسي لم يحقق لي أي احترام. أتذكّر إني رأيت في إحدى المرات نساء محترمات لم تكن الرداءات التي تغطي شعورهن شرعية، لكن بمجرد أن رأوني سعين لتعديل الرداءات. لكن في هذه المرة، استطيع القول بأن الناس كانوا يتعمدون أن يوجهوا لي رسالة واضحة، مفادها أنهم يرفضون أن يُقْدِموا على أي تغيير في سلوكهم أو في مظهرهم بسبب وجودي بينهم.
تذكرت حينها لقائي مع القناة التلفزيونية الرابعة الليلة الماضية، حيث دار حوار معي حول جدوى الفقه العلماني. ومع المشاهد التي حدثت لي في المترو، ترسخ في ذهني أن الحديث عن الفقه العلماني في صورته الجوهرية والفلسفية، إلى أي حد يمكن أن يكون من دون معنى. ليتنا نستطيع أن نطرح هذا التساؤال: في نظر هؤلاء الناس، ما هو الفقه والحوزة ورجال الدين؟ هل يعتقد الناس بأن الفقه والحوزة ورجال الدين، شأن ديني أم شأن علماني؟ من يعتقد بأن الإجابة على هذين التساؤلين غير مهمة، يكفيه أن يتجوّل باستمرار مع الناس في شوارع المدينة).
أزمة "ولاية الفقيه"
هذا وكان "مهراب صادق نيا" قد شارك في لقاء تلفزيوني على القناة الرابعة الإيرانية في "برنامج زاوية"، مع رجل الدين، حجة الإسلام "علي رضا بيروزمند"، دافع فيها عن إمكانية تقبل العلمانية بصورة ما، يكون فيها الفقه قادر على بناء المجتمع والحضارة عبر منطقة التفكير وعقلانته. وهو ما قابله رفض من رجال الدين، حيث اعتبر رئيس المجمع العمومي لمدرسي الحوزة العلمية في قم، احمد فرخ فال، أن كلامه يحمل دعوة للفصل بين الحوزة الدينية والمجتمع.
ويعاني المجتمع الإيراني من حكم نظام "ولاية الفقيه" وهي النظرية التي قامت عليها الجمهورية الإسلامية في إيران.
وبينما كانت هذه النظرية مجرد فكرة خضعت للتطور البشري عبر العهود السياسية المختلفة في إيران، وأيضًا تطورت وفق العلاقة المتداخلة بين السلطان والفقيه. وكذلك كانت هناك نظريات أخرى موازية، تبحث عن كيفية شرعنة السلطة القائمة في ظل غياب الإمام العادل (الإمام المهدي).
إلا أن النظام الحاكم في إيران عمل على جعل نظرية ولاية الفقية مسألة مقدسة مرتبطة بالتمهيد لدولة المهدي المنتظر والحفاظ عليها. وهو ما جعل النظام يقضي على كل تيار ديني معارض للنظرية الحاكمة، مثلما واجه آية الله منتظري مصيره بالحصار حتى الموت