لقد أعطانا الإسلام منهجا لكل شيء ومن ذلك منهج الحكم على الرجال وميزان النقد لهم حيث لم يتركها للأهواء والنزعات الشخصية ونقد الأقران لبعضهم
وتتمثل بعض مظاهر هذا المنهج في الآتي:
أولا: المسلم لا يقيّم مسلما لذاته الشخصيّة بل يقيّم المنهج والتوجه والأقوال والأفعال التي أعطى فيها الإسلام تصورا واضحا ولم يتركها للبشر.
ثانيا: التقييم للرجال يكون للحاجة ومن ذلك منهج الجرح والتعديل عند المحدثين وجواز الغيبة وبيان عند الفقهاء في مواضع مثل الشهادة والرواية وعند الخطبة والتظلم ....الخ
وإلا عمت الفوضى في التعامل واختلط المحسن مع المسيء!!!!
ثالثا: هناك لبس بين منهج الحكم على العلماء وبين الأدب معهم ولا تعارض بينهما فبيان خطأ عالم شرعي بأدلّة شرعية لا يعني سوء الأدب معه ما التُزمت ضوابط الحوار
رابعا: هناك لبس في قضية الكف عن تقييم العالم ونقده
فهناك قضايا علمية واجتهادية للعلماء يسع فيها الخلاف والتسامح وتقليد الناس لهذا العالم أو ذاك.
أما القضايا التي هي محل إجماع أو قريبا منه وبسند شرعي معتبر في الأقوال والأفعال والمواقف مثل الوقوف مع سلطان ظالم أو إباحة سفك الدماء أو كثرة الشذوذ بالفتاوى فهذا واجب شرعي على العلماء إنكاره وبيان حاله وإلا وقعوا في الإثم وأوقعوا الناس في الجهل والضلالة
والورع في هذا الباب ورع في غير محله
خامسا: عبارة "لحوم العلماء مسمومة" أصبحت تطلق ولا يدرك معناها وتنزيلها على وجه الدقة.
فقد قصد بها العلماء الحذر من اتهام عالم معتبر شهد له العلماء بالعلم والتقوى وقد أخطأ في مواضع
فهذا لا يضر بيان خطئه لكن اتهامه بالباطل _ أقول بالباطل _ امر محذور.
أما من كثرت شطحاته وبان عوار منهجه فهذا من الواجب الشرعي بيان حاله ولا تصح هذه المقولة في هذا المقام
سادسا: إنما يكون التقييم من أهل الاختصاص وليس مباحا لكل أحد أن ينقُد بالحق والباطل.
سابعا: لقد وجدنا العلماء في كتب المناقب والسير والتراجم يجرحون ويعدلون ويبينون الخطأ وكان منهجهم منهج السلف في عبارتهم الشهيرة "إن هذا العلم دين فاعرفوا عمن تأخذون دينكم"
وهذا سار الى يوم القيامة وفق منهج الحكم الشرعي على العلماء والرجال.
ثامنا: القول بأن علينا أن لا نتكلم على فلان من العلماء والذي بان خطؤه حتى لا يتجرأ أولادنا عليهم قول غير صحيح وإلا سنقع في محظور آخر أن يتابع هؤلاء الأولاد هذا العالم في خطأه وإذا تركنا كل عالم أو متعالم يفتي بما شاء وكيفما شاء دون ضوابط فقد عم الشر وانتشر.
تاسعا: المسلم ليس باللعان ولا الطعان ولا الفاحش ولا البذيء وقد كان الإمام أحمد أشد الناس بيانا لحال المعتزلة وضلالاتهم وأوذي أذى لا يطاق منهم لكنه لم يلعن أو يسب أحدا
عاشرا: لا يمنع أن يجتمع في العالم الصواب والخطأ والإنصاف والهوى فهو بشر وعلينا حين ننقد خطأه وأن لا ننسى خيره
إلا من غلب خطؤه وشره على صوابه وخيره فهذا يحذر منه وقد أصبح مصدر فتنة ومتابعة لهوى.
الحادي عشر: على المسلم السؤال والتمييز بين الواعظ والفقيه فكم يختلط الأمر في هذا الباب
فالواعظ لا يفتي وهي وظيفة ليس من الصعوبة مزاولتها وغالبا ما يزل عند الفتوى.
أما العالم الفقيه فهو من لديه مؤهلات الفتوى وهذه لا يحسنها كل أحد.
الثاني عشر: حين نحكم على عالم علينا أن نفرّق بين العالم الذي يمثل نفسه وبين الذي يمثل منهجا وتوجها وتيارا وله أتباع، فالثاني يبين حاله حتى بعد موته لأن أثره باق ولا يقال أفضى إلى ما قدم!!!!
الثالث عشر: من عوامل التوفيق الرباني لنقد العلماء وتصويبهم، النية الحسنة وطلب النصيحة للخلق ولا يقصد المثالب والعيوب التي تغتفر لهذا العالم أو ذاك ولا ينجو منها أحد