الأستاذ الدكتور جمال عبد الستار - الأمين العام لرابطة علماء أهل السنّة ورئيس الجامعة العالمية للتجديد
رابطة علماء أهل السنة
من أجلك ياقدس
لم يكن استهدافُ القُدْسِ وليدَ اليوم، ولم يكن كذلك رَدَّةَ فعلٍ عابرة، أو نَزْوَةً طارئة، ولكنها منهجيةٌ واضحةٌ وخُطَةُ تَتَابَعُ فُصُولُها، وتَتَوالى مَرَاحِلُها.
ولن أُحَدِثَكَ عن تَارِيخِها التليد، وخُطواتِها القديمة، ومَرَاحِلها السابقة، ولكنِّي أُحَدِثُكَ عن مَعَالِمها القريبة:
فمن أجلِ القُدْسِ سَحَقوا الشبابَ المصريَّ الذي أعلن مَوْقِفَهُ في الجُمُعَةِ التاليةِ لِجُمُعَةِ الغَضب، وهَتَفَ في المَيْدانِ وصَرَخَ من الوِجْدَان وسَمِعَ العَاَلَمُ صَوْتَهُ المُزلزِلَ وهو يقول: (على القدس رايحين شهداء بالملايين).
فقد انْتَبَه الطُّغاةُ لِمُرَادِه، وتَآمَرَ العُملاءُ على ثَوْرَتِه، وتَزَلْزَلُوا خَوفا من انطلاقه، ورُعبا من تَحقيقِ مُرادِه، فتَنَادَوا مُصْبِحِينَ أَنِ اغْدُوا على ثَوْرَتِه فَأوْقِفُوها، وعلى إرادته فَقَيِّدُوها، وعلى أصْواتِه فكَمِّمُوها!
نعم من أجلِ القُدْسِ قتلوا من سَجدوا يُصلون الفَجْرَ بِرَصاصاتِ الغَدْر، وقتلوا من وَقَفُوا يَحْرُسُونَ ثَوْرَتَهم ويُدافِعون عن إرَادَتِهم ويَسْتَمْسِكُونَ بِحُرِّيَّتِهم.
من أجْلك يا قُدْسُ تَآمَرُوا على الرئيسِ الذي قال بكل وضوحٍ: (كلُّ القلوبِ تَهْفُو إلى القُدْس، وأنه ليس للصهاينةِ في فلسطينَ شبرٌ واحد)، فانقلبوا عليه وكانت تُهْمتُه الأَصِيلَةُ دَعْمُهُ لمن يُجَاهِدُونَ لِتَحْرِيرِيك، ويُقاوِمُونَ لِتَطْهِيرِك!!
من أجْلكِ يا قُدْسُ حَكمُوا على الدكتور (جمال عبد الهادي) الذي خَطَّ بِيَدِهِ كتابَ (الطريق إلى بيت المقدس) بالإِعْدام، حتى لا يَعْرِفَ الناسُ طريقَ الوصولِ فَيَتِيهُوا في دُروبِ المُؤتمراتِ، وزَحمةِ المُبَادراتِ ثم يَسُقُطوا صَرْعَى للمُؤَامرات!!
من أجلكِ يا قُدْسُ اعْتَقَلُوا الشُّيوخَ المُجاهدينَ وعلى رَأْسِهم رمزَ القضيةِ الطَّائر، والقائدَ الثائر، والعَالِمَ المُثَابِرَ (صلاح الدين سلطان) مُؤسسَ حَركةِ أُمَناءِ الأقصى، وحكموا عليه بالإعدام!!
من أجلكِ يا قُدْسُ أَغْلقوا لَجْنةَ الإِغَاثةِ بِنِقَابَةِ الأَطِبَّاءِ حتى لا تُرْفعَ صُورَتَكِ، ولا تُنْشَرَ قَضِيَّتَكِ، ولا يُسْتَنْفَرَ الناسُ لِإِغَاثَتَكِ، واعتقلوا أَمِينَهَا وَرَائِدَها الدكتور (جمال عبد السلام)!!
من أجلكِ يا قُدْسُ قاموا بإلغاءِ لَجْنةِ القُدْسِ من لِجانِ المَجْلسِ الأعلى للشِّئُونِ الإسلامية، واستحدثوا لِجانا للتَطْبِيعِ والتَغْريبِ والتَخْرِيفِ والتحريف!!
من أجلكِ يا قُدْسُ حَذفُوا من المَنَاهِجِ الغَزَوات، ومَحَوا مِنْها سِيرَةَ البُطولات، بل فَعَلُوا ما لم يَفْعَلْهُ الصَّهَايِنَةُ ولم يَجْرُؤوا على الاقْتِرابِ منه، ألا وهو الطَّعنُ في مَكَانَةِ القائدِ (صلاحِ الدين)، ومُحَاوَلَةُ تَزْييفِ سِيرَتِه، وَتَشْوِيهُ صُورَتِه!!
من أجلكِ يا قُدْسُ جَرَّدُوا سَيْنَاءَ من أهلِها، وهدموا بُيُوتَها ومَسَاجِدَها، وقتلوا شَبابَها ومَحَوْا مَعَالِمَها، وحَرَّمُوا على المصريين دُخُولَها، وفَتَحُوها للصَّهَايِنَةِ يُعَرْبِدُونَ فيها آناءَ الليلِ وأْطْرَافَ النهار!!
من أجلكِ يا قُدْسُ غَيَّرُوا عَقِيدَةَ الجَيْشِ المصري، فبَدَلا من حِماية الثُّغُور، وحِرَاسةِ الحُدودِ انْشَغَلَ بِحِمايةِ الخَمَّارَاتِ وصِنَاعةِ (البَسْكُوتِ) والحَلَوِيَّات.
وبَدلا من حِصَارِ الأعداء حَاصَرَ المساجدَ، واعْتَقلَ العُلماءَ، واغْتَصَبَ النِّسَاءَ!!
وبَدلا من حِمايةِ شَعْبِهِ الذي لم يَبْخَلْ عليه بمالِه وصَفْوَةِ شبابِه، تَفَرَّغَ لِسَفْكِ دَمِ أبنائِه، وإهدارِ كَرامِتِهِم، وبَيْعِ أراضِيهم، ونَهْبِ ثَرَوَاتِهِم، وانْتِهَاكِ حُرُمَاتِهِم، بل صَوَّبَ سِلَاحَهُ لِصُدُورِهم ورُؤوسِهم، وَوَالى أَعْدَاءَهم، وحَاربَ أوْلِيَائَهم!!
من أجلكِ يا قُدْسُ اعتقلوا خَمْسِينَ ألفا من خِيرَةِ الشباب، وصَفْوَةِ الرجالِ والنساء، ونُخْبَةِ العُلماءِ والأصْفِيَاءِ والنابغينَ والناجحين والنابهين!!
من أجلكِ يا قُدْسُ تَآمَرُوا على ثورةِ الأحرارِ في لِيبيا، وانطلاقةِ الأبطالِ في اليمن، وتَضْحِيَّاتِ المُجاهدينَ في سُوريا، وقَبْلِ ذلك فَتَّتُوا العِراق!!
من أجلكِ يا قُدْسُ يُريدونَ اغْتِصَابَكِ في عَتْمَةِ الليلِ حتى لا يَسْمَعَ أنَّاتَكِ المُخْلِصُون، فتآمروا لإسكاتِ (الجزيرة) حتى لا يُفْتَضحَ أَمْرُهم، ولا تَنْقِلَ الكاميراتُ قَبِيحَ وُجُوهِهِم وسُوءَ صَنِيعِهم!!
من أجلكِ يا قُدْسُ حُوصرت (قطرٌ) حتى لا يَهُبَّ أحدٌ لإِغَاثَتَك، ولا يتحركَ أحدٌ لِسدِ خِلَّتَك، فتستلمي للذبحِ دُونَ مُقاومةٍ، وللاغتصابِ دُون مُدَافعة!!
من أجلك يا قُدْسُ لابد أن نُقَاوِمَ في كل مَيْدَان، وأن نُعِدَّ أنْفُسَنَا للدفاعِ عن المُقدساتِ والأوطان، وأن لا نَسْتَسْلِمَ للطُّغَاةِ المُجرمين، بل يَجبُ أن نَظَلَّ شَوْكَةً في حُلُوقِهم، وعَقَبةً تُفْسِدُ عليهم خِطَطَهُم، وتَفْضَحُ تآمُرَهم، وتَرُدُ كَيْدَهم في نُحُورِهم.
من أجلكِ يا قُدْسُ ما يَنْبَغِي أن نَتَوقفَ عن إعدادِ جِيلِ النَّصرِ المُتَيَقَّن،
وأن نُعِيدَ رُوحَ الجهادِ إلى النُّفوسِ والقلوبِ والعقولِ والأبدانِ والميدان.
من أجلكِ يا قُدْسُ لن نَسْأَمَ الطريقَ، ولن نَبْتَئِسَ من قِلةِ الرفيق، ولن نَسْتَكْثِرَ العطاء، أو نَرْتابَ في مَدَدِ ربِّ الأرضِ والسماء، أو نُسْتَنْزَفَ في معاركَ جانبيةٍ، بل سنكونُ بإذنِ اللهِ في بيتِ المَقْدِسِ أو من أكْنَافِ بيت المقدس،
مع تلك الطائفةُ المنصورةُ التي قال فيها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: