الجمعة 22 نوفمبر 2024 02:14 مـ 20 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    أصحاب المواقف وأصحاب المواقع

    رابطة علماء أهل السنة

    أصحاب المواقف وأصحاب المواقع

     أصحاب المواقف هم أصحاب المبادئ الأخلاقية والقيم الإنسانية، في سرهم وعلانيتهم، في أوطانهم وفي خارج بلادهم، فهم كالجبال ثلثها الأغنى والأقوى والأصلب في باطن الأرض وثلثها الباقي هو الذي يظهر للناس، شعارهم: "إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ" (الملك:12)، و"اتق الله حيثما كنت، واتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن" فتخالطهم في السراء والضراء، في العسر واليسر، في المنشط والمكره، في الفقر والغنى، في الصحة والمرض، في العزوبة والزواج، فتراهم مثل الذهب والألماس إن اشتعلت فيه النار - ابتلاء - زادته نقاء، وإن غمرته المياه - رخاء- ازداد لمعانا،
    أما أصحاب المواقع فهم كما قال الله تعالى: " وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ" (البقرة:14)، فهم كالتراب يذوب في أقل قطرات الماء عند الرخاء، ويتطاير مع أقل لفحات الهواء عند البلاء، فهم ينظرون إلى الموقع الذي هم فيه فيميلون إلى مبادئ الموقع نفسه، فإذا كان موقعهم بين المؤمنين فهم أئمة المتقين، وإن انتقلوا بين المفسدين فهم أكابر مجرميهم، مثل الطالب الذي يُظهر قمة الأدب في موقعه أمام أبيه وأمه في البيت، أو أساتذته في المدرسة، فإذا خلا إلى أصدقائه فلغته في الحديث واجتراؤه على المعاصي كأنه شيطان مارد، فإذا ما حدَّث أحدٌ أباه أو أمه أو أستاذته عن نقيصة من نقائصه سارعوا بالإنكار، ودافعوا بحدة عن ولدهم أو تلميذهم الذين لم يتربى يوما أن يكون صاحب موقف ومبدأ، وإنما أمروه ونهوه فامتثل موقعا لا موقفا، ومن أمثلة هذا الطالب الفاشل الكثير من الحكام والوزراء والأمراء والمدراء والمسؤولين، فإذا حدَّثتهم كأخي السِّرار أو في المجالس الخاصة تظهر لك فطرته ويبدو كأنه أنقى الناس، ولا يخالجك شك أنه صاحب مواقف أخلاقية ومبادئ إنسانية، لكن ما إن يجلس على كرسي السُلطة، فيجد ضغطا من القوى العالمية أو من الحاكم فوقه، أو من مديره، أو يشم رائحة المواقف العليا إلا ويهدر المواقف والمبادئ، ويتصرف كأنه ليس إنسانا، كأنه لا عقل له يحتكم إلى الدليل، ولا قلب عنده فيه رائحة الرحمة، ولا حياء لديه يمنعه من ارتكاب الموبقات والاجتراء على الحرمات والمحرمات والسفاسف والمكروهات، فإذا سألته قال لك: "أنا عبد مأمور" فهو يهدر مواقفه وقيَمه لصالح كرسيه وموقعه، وقد جرى حوار منذ قرابة عشرين عاما بيني وبين اللواء... مدير مباحث أمن الدولة في الداخلية المصرية وبادرني بقوله: "إنني أحترمك لأن جميع التقارير عنك تقول: "إنك صاحب مبادئ ومواقف وأخلاق عالية"، قلت له: "أشكرك على موقفك، فماذا عن موقعك إذا أُمرت الآن أن تعتقلني وأن تعذبني؟!، ألست ستقلب ضيافة الكريم إلى تصرف اللئيم! وأتحول من حُرٍّ إلى معتقل، وأنت مقتنع تماما أنني أستحق التكريم لا التجريم؟!"، فقال: "نعم"، قلت: "إذن موقعك يضغط على موقفك، وتذهب كل يوم كسيرا في نفسك لأنك تؤمن بشيء في أعماقك، وتفعل شيئا آخر في موقعك".
    نصيحتي: عش يوما واحدا حرا أبيا كريما مهما كان موقعك، ولا تعش ألف عام رديئا دنيئا فلن ينفعك موقعك.
    وسبحان من له الدوام..

    المواقف المواقع الفتنة السلطة

    مقالات