هل يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الإنجاب
الدكتور أكرم كسّاب رابطة علماء أهل السنةالسؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، زوجي عنده أولاد من زوجة أخرى، وبعد الزواج قال: أنا لا أريد أولاد، ويريد أن يحرمني من هذه النعمة؟ فهل هذا من حقه؟ ماذا أفعل وقد أمرني أن أخذ حبوب منع الحمل؟
ملخص الفتوى:
لا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الإنجاب، وذلك لأن الإنجاب مقصد أساسي حق للزوجين، فإن أصر الزوج على عدم الإنجاب فلها الحق في الإنجاب حتى وإن أبى، لكنها تستعين بالأقارب، ولتطلب منه الذهاب إلى أهل العلم لمعرفة رأي الشرع، فإن أصر على رأيه فلها أن تحقق رغبتها إلا أن يكون في ذلك مفسدة كبرى..
الإجابة:
الحمد لله، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله، وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين، وعلى أزواجه أمهات المؤمنين؛
أما بعد
فلا شك أن هذه الأخت السائلة تتكلم بحرقة، لأنها تعبر عن فطرتها، وسوف أجيب على هذا السؤال على هذا النحو:
أولا: الزواج ليس شهوة: نعم؛ فلم يشأ الله أن يكون الزواج مجرد رغبة وشهوة أو قضاء وطر، بل جعل له كثيرا من المقاصد ومنها إيجاد الذرية، وذلك حفاظا على النسل وإبقاء للنوع البشري من ولد آدم، روى أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: ” تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “( قال محققو المسند: صحيح لغيره). وروى البيهقي في السنن الكبرى عَنْ أَبِي أُذَيْنَةَ الصَّدَفِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ” خَيْرُ نِسَائِكُمُ الْوَدُودُ الْوَلُودُ الْمُوَاتِيَةُ الْمُوَاسِيَةُ، إِذَا اتَّقَيْنَ اللهَ، وَشَرُّ نِسَائِكُمُ الْمُتَبَرِّجَاتُ الْمُتَخَيِلَّاتُ وَهُنَّ الْمُنَافِقَاتُ لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْهُنَّ، إِلَّا مِثْلُ الْغُرَابِ الْأَعْصَمِ ” (صححه الألباني). وعند أبي داوود وغيره عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ، قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَجَمَالٍ، وَإِنَّهَا لَا تَلِدُ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا، قَالَ: «لَا» ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ فَنَهَاهُ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ: «تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ». (صححه الألباني والأرناؤوط).
ثانيا: الولد أمنية البشر وفي مقدمتهم الأنبياء: وقد أشار القرآن إلى ذلك في كثير من المواضع، فقد قال سبحانه عن إبراهيم عليه السلام: {رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} [الصافات: 100]، وقال عن زكريا عليه السلام: {هُنَالِكَ دَعَا زَكَرِيَّا رَبَّهُ قَالَ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ} [آل عمران: 38]، وقال عن عباد الله المتقين: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا} [الفرقان: 74].
ثالثا: فوائد الأولاد: كما أن للأولاد فوائد أشارت إليها النصوص، ومنها:
- موافقة أمر الله في تحصيل الولد لإبقاء جنس الإنسان، وفي الصحيحين عن ابن مسعود أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ».
- تحصيل محبة الرسول صلى الله عليه وسلم بتكثير من يباهي بهم الأنبياء والأمم يوم القيامة، روى أحمد عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُ بِالْبَاءَةِ، وَيَنْهَى عَنِ التَّبَتُّلِ نَهْيًا شَدِيدًا، وَيَقُولُ: ” تَزَوَّجُوا الْوَدُودَ الْوَلُودَ، إِنِّي مُكَاثِرٌ الْأَنْبِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ “، (قال محققو المسند: صحيح لغيره).
- تحصيل الأجر الوافر واستمرار العمل، وذلك بوجود الولد الصالح، روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: ” إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ “.
- ضمان الجنة إذا حسنت التربية: روى البخاري عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا مِنَ النَّاسِ مِنْ مُسْلِمٍ، يُتَوَفَّى لَهُ ثَلاَثٌ لَمْ يَبْلُغُوا الحِنْثَ، إِلَّا أَدْخَلَهُ اللَّهُ الجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ».
رابعا: الأولاد حق مشترك بين الزوجين: وحق الإنجاب حق مشترك بين الزوج والزوجة، وعليه فلا يجوز للزوج أن يمنع زوجته من الإنجاب لكونه لا يريد، أو لكونه لديه من الأولاد ما يكفيه، ففي هذا من الأنانية ما فيه، يقول ابن قدامة: ولأن لها في الولد حقا، وعليها في العزل ضرر، فلم يجز إلا بإذنها… (المغني لابن قدامة (7/ 298). وقد روي عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، قَالَ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْزَلَ عَنِ الْحُرَّةِ إِلَّا بِإِذْنِهَا» ({واه ابن ماجه وضعفه الألباني).
خامسا: يجوز للمرأة التحايل على زوجها لتنجب: نعم هذا جائز، فإذا أصر الزوج على عدم الإنجاب، وأراد إجبار زوجته على ذلك، فعليها أن تسعى لإقناعه، ولتستعين على ذلك بأقاربهم وأصدقائهم، ولتخبر قبل ذلك بسؤال أهل العلم، فإن أصر على ما هو عليه فلها الكذب والتحايل للحصول على حقها في الإنجاب، ولا شيء عليها، وإنما الإثم كل الإثم على هذ الزوج المتعنت الغشوم الظلوم… لكنها إن وجدت في ذلك مفسدة كبرى، فلتوازن بين الأمرين، ولتدفع المفسدة الكبرى بالمفسدة الصغرى.
هذا والله تعالى أعلم
الفقير إلى عفو ربه
د.أكرم كساب