الديمقراطية الأوربية والفرنسية في دوامة الإسلاموفوبيا
رابطة علماء أهل السنةعلى الرغم من جميع الجوانب الجيدة للديمقراطية التي اكتشفها العقل البشري الجمعي، فهي تعاني من ثغرات خطيرة، من أبرزها ذلك الإغراء الكبير بتحقيق مكاسب من خلال الخطاب والسياسات الشعبوية. إن التسامح مع هذا الإغراء من شأنه أن يقضي على جميع مكتسبات الديمقراطية، أو يفرغها من مضمونها، ولا سيما أن الطريق سالكة أكثر من اللازم أمام أولئك السياسيين الفاشلين لاعتماد الخطاب الشعبوي استثمارًا رخيصًا وجاهزًا في مخاطبة الجماهير وكسب ودّهم.
إغراء الشعبوية في عالم الديمقراطية
ولسوء الحظ، فإن هناك شريحة من الناس تصفق لهذا الخطاب المبني على مجرد وعود كاذبة، وقلب للحقائق عبر نظريات مؤامرة خيالية، واللعب على وتر الكراهية والتحريض.
إن هذا النوع من الخطاب يمثل تهديدًا حقيقيًّا للديمقراطية، يفوق بدوره أي تهديد خارجي، وإن التهديدات التي تتعرض لها الديمقراطية الأوربية اليوم هي من هذا النوع بالذات. ولهذا نجد علاقة مباشرة بين خطابات الإسلاموفوبيا أو معاداة اللاجئين والأجواء الانتخابية في أوربا.
فيروس الإسلاموفوبيا يتفشى في فرنسا
تعيش فرنسا اليوم أجواء عملية انتخابية قريبة، ومن المتوقع بالتالي أن تشهد البلاد زيادة كبيرة في خطاب الكراهية ضد الإسلام. وفي هذا السياق، نجد أن خطاب المرشح الرئاسي العنصري (إريك زمور) يمكن أن يتحول إلى وعود عنصرية، مثل وعده بحظر اسم “محمد” حال فوزه في الانتخابات الرئاسية. بل يمكن أن يصل الأمر إلى اقتراح استهداف المسلمين في فرنسا بشكل مباشر، والتشهير بهم، وتذكيرهم بالتمييز القانوني الممارَس ضدهم. وقد نشر موقع إلكتروني محسوب على اليمين المتطرف في فرنسا، قائمة بأسماء 300 مسلم عرّفهم بأنهم “يساريون مسلمون”، في خطوة غير مسبوقة من استهداف المسلمين بشكل مباشر.
لا تستطيع فرنسا الآن أن تتستر أو تخفي عداءها الاستثنائي للإسلام. والأهم من ذلك أن خطابات السياسيين العنصريين واليمينيين المتطرفين، وإن كانت تبدو فجة في البداية، لكنها سرعان ما تجد قبولًا لدى المجتمع. ذلك لأن الخطاب اليميني المتطرف بمجرد أن يبدأ، دون أن توقفه مبادئ أو قوانين صارمة، يتحول إلى حالة من الإغراء تدفع أصحابه بقوة أكبر نحو حصد مكاسب خطابهم. وبهذه الطريقة يتحول الوضع إلى عدوى للفاشية على صعيد المجتمع بأسره.
ولا شك أن تصديق المجلس الدستوري الفرنسي على قانون التمييز بحق المسلمين، المعروف بـ”مكافحة الإسلام الانفصالي”، في أغسطس/آب الماضي، كان بمثابة تشريع رسمي من الدولة لمحاولات التدخل بسهولة بحياة المسلمين في فرنسا.
وفي نطاق هذا القانون الذي يُسمّى كذلك “مبادئ تعزيز واحترام قيم الجمهورية”، أُغلِق العديد من الجمعيات والمساجد، كما استُهدفت النساء المحجبات، فضلًا عن دور النشر. بل إن وزارة الداخلية الفرنسية أعلنت إغلاق نحو 30 من أصل 89 مسجدًا، في إطار هذا القانون الفاضح. ولا تزال الآن بصدد إغلاق 6 مساجد أخرى.
في الواقع، لا تقتصر هذه الخطوات على كونها اعتداء على الإسلام فحسب، بل هي تعني الانتحار باسم القيم الفرنسية المزعومة.
حاجة الديمقراطية إلى بعض التدابير
يُنظر إلى فرنسا على أنها مهد الديمقراطية والتنوير والعلم والجمهورية وحقوق الإنسان، وبالتالي مهد جميع القيم الأوروبية. ثمة أسباب عديدة وراء تراجع فرنسا إلى هذا الحد، لكن أولًا يجب مناقشة ذلك تحت عنوان مخاطر أو مشكلات الديمقراطية المباشرة.
إن المشكلة التي نواجهها في هذا الصدد هي أن حدود الديمقراطية على صعيد حقوق الإنسان والحريات الدينية لم تُرسم بشكل واضح. ويمكن قراءة ذلك بوضوح لو بدّلنا الحديث عن المسلم في فرنسا، باليهودي الموجود هناك. فمثلًا لا يلجأ أحد في فرنسا إلى أي نوع من خطابات الكراهية ضد اليهود، لأن القانون يجرّم ذلك تحت عنوان معاداة السامية، بل إن الوضع يصل إلى درجة أن اليهودية معفاة من أي نوع من الانتقاد.
لكن في المقابل، حين الحديث عن المسلم والإسلام في فرنسا فالصورة مختلفة تمامًا. نحن لا نطالب بالطبع بإعفاء المسلمين أو الإسلام من الانتقاد، بل نطالب بضرورة حماية المسلمين والإسلام هناك من خطاب الكراهية والحقد، وبالطبع من الممارسات التمييزية، وإلا فإن النتائج السلبية لذلك لن تقتصر على المسلمين، بل ستؤثر على فرنسا نفسها وأوربا والديمقراطية بصورة أشمل.
هل الإسلاموفوبيا في تركيا مستوردة من فرنسا؟
يبدو أنني أسمع أشخاصًا يسألون عمّا إذا كنا في تركيا بوضع أفضل بكثير في هذا الصدد. في الواقع، لا يزال الوضع في فرنسا يقدّم لنا دروسًا ثمينة، نحن الذين أخذنا العلمانية والديمقراطية من خلال النموذج الفرنسي.
ألا نشاهد كيف أن الحركة التي بدأت مناهِضة للاجئين، ذهبت إلى أقصى الحدود ثم تحولت إلى فاشية انتشرت في المجتمع بأسره، وقضمت كل القيم والفضائل والخير والمكتسبات التي صنعت تركيا؟
بعد فترة، ألن يجرؤ معادو اللاجئين على توجيه خطابات معادية للمسلمين تفوق خطابات اليمين المتطرف في أوربا؟
في تلك اللحظة بالذات، ألن نشعر بمرارة أن بلادنا تحت احتلال أعداء الإسلام دون أن نعرف ذلك؟