سيد قطب في سجن جلبوع
رابطة علماء أهل السنةمرت قبل أيام ذكرى مرور 55 سنة على استشهاد الأستاذ سيد قطب صاحب الظلال الوارفة، في التفسير والفكر والمعرفة، حيث أعدم في 29 أغسطس/آب 1966 بعدما ترك مكتبة علمية وفكرية هي عبارة عن معالم في الطريق الذي كان فيه رائدا لا يَكذب أهله، ومن أبدع ما خط قلمه كتاب (المستقبل لهذا الدين) والأمر أكبر من كونه عنوانا لمُؤَلَف، وإنما كان عقيدة للمُؤَلِف، والذي يتابع سير الأحداث ومجريات الأمور في العشر سنوات الأخيرة، متجردا من نظارة السوء وعشاق السواد والقتام، ومتحررا من نظرية المؤامرة، سيجد بوادر تحقق بشارة الأستاذ سيد رحمه الله، ووقوف الأمة على باب النصر ودرجات التمكين، والبداية كانت في كسب الجولة الأولى من جولات الربيع العربي، الذي أثبت أن الشعوب وإن كُبلت بقيود الفساد والاستبداد، قادرة على التغيير وإدراك اللحظة الفارقة، وما زالت أمام فصل الربيع الثوري صولات أخرى وجولات، لأن الأيام دول، والدول أيام.
بارقة الأمل بتجدد الانتصارات تجلت في فشل انقلاب تركيا الذي أعدت له جهات دولية وإقليمية، وتواطأت معها جبهات داخلية، من خلال الدولة العميقة التي أنشأها تنظيم فتح الله غولن، ولو قدر لهذا الانقلاب النجاح، لكنا أمام مرحلة جديدة من سطوة الظلم واستعلاء الباطل، والدليل أنه بعد فشل الانقلاب في تركيا رجحت كفة الثورة في ليبيا، وأُبرمت الاتفاقيات بين الدولتين، مما ساعد على الحفاظ على العاصمة طرابلس من اقتحام وشيك، وسيطرة كاملة لقوات الجنرال المتمرد خليفة حفتر، وتم تحجيمه وكشف جوانب من جرائمه كالمقابر الجماعية وفظائع معسكرات الاعتقال، وبدأت تتنامى مظاهر التعافي من خلال تشكيل الحكومة، والعمل على عودة مؤسسات الدولة.
ومن صفحات الانتصارات التي لا تنسى صمود دولة قطر أمام الحصار الذي استمر ثلاث سنوات، دون أن ينال أحد من سيادتها أو تفتر عزيمتها، وخرجت من الأزمة أصلب عودا وأقوى تأثيرا، ويتابع العالم الآن دورها الأساسي والفعال في نجاح المفاوضات بين طالبان والأمريكان، والتي أسفرت عن جلاء الاحتلال وتحرير أفغانستان، وما زال دورها البارز مستمرا والذي ثمَّنه قادة الدول وأرسلوا وفودهم للتعبير عن الامتنان، وكما كانت وقفة تركيا الجادة المقدرة في نصرة حلفها الاستراتيجي مع قطر، استطاعت بالدرجة نفسها أن تساعد أذربيجان على تحرير إقليم (ناغورني كاراباخ) المحتل من 30 سنة، وهزيمة أرمينيا التي كانت تؤازرها القوى الكبرى ودول الجوار، ثم حققت الأمة كبرى انتصاراتها في هذا العقد بانتصار حركة طالبان على أمريكا ومعها التحالف المكون من 38 دولة، وجلاء كل هذه القوات بعد 20 سنة من الحرب المتصلة، قدمت فيها طالبان أكثر من 50 ألف شهيد، وفقدت عددا كبيرا من قادتها وجيل الصف الأول، لكن تمكنت من الإثخان في صفوف عدوها، وإلحاق الخسائر المادية والبشرية به، مما أرغمه على الدخول في المفاوضات التي أدارتها طالبان بحكمة واقتدار، من خلال تعظيم النتائج في ظل الحفاظ على الثوابت، وظهر على أدائها السياسي بعد الجلاء وما اتخذته من خطوات في مقدمتها العفو العام، ما يؤكد أن نجاحها في ميدان الإدارة لا يقل عن نجاحها في ساحة الوغى وميدان القتال، واستطاعت في أقل من شهر توحيد كامل التراب الأفغاني بعد السيطرة على إقليم بانشير، وتشكيل حكومة تصريف الأعمال.
وفي أتون متابعة هذه الانتصارات وقع انتصار أدخل الفرحة في كل بيوت المسلمين، بل ما رأيت الأمة اجتمعت على فرحة كاجتماعها على الفرح بالأبطال الستة من أبناء فلسطين الذين أبهروا العالم، وحرروا أنفسهم من سجن جلبوع أكثر سجون الاحتلال تحصينا وتأمينا، من خلال النفق الذي حفروه في زنزانتهم إلى خارج أسوار السجن، في عملية هي إلى الإعجاز أقرب، وبكرامات الأولياء أليق، تجلت فيها العزيمة التي لا تلين، والأخذ بأبسط الأسباب، والإيمان الذي لا يتزعزع، واليقين الذي لا يرتد، والأمل الذي يطرد اليأس، والثقة في توفيق الله ومدده.
إن ما فعله الأحرار الستة ليس فكاكا من سجن وكسرا لقيود السجان وحسب، وإنما هزيمة لمنظومة الاحتلال كاملة، تلك التي تسوق نفسها على أنها الأقوى عسكريا وتقنيا، وأمنيا وعسكريا، وستتوالى هزائمهم بإذن الله حتى تحرير كل الأسرى، وتطهير المسجد والمسرى، وإن الذي أمسك بهذا الخيط من انتصارات الأمة لن يفقد بوصلة النصر، وكنا نبشر فنقول إننا نبصر النور في آخر النفق، والآن أصبح النفق رمزا للأمل وبوابة للحرية، وطاقة النور التي أسعدت جموع الأمة، التي باتت على يقين أن المستقبل لهذا الدين.