منطلقات للطالبان في ابتداء الحكم
رابطة علماء أهل السنةبين هاتين الحقيقتين الواقعيتين يجب أن يتدفق التفكير في مشروع (الطالبان) لبناء الدولة،
الحقيقة الأولى: أنّ هذه الحركة المباركة حصدت النصر بيدها، وأنقذت بجهادها أفغانستان من براثن الاحتلال ومن مستنقع الحرب الأهلية، وأنّها تفردت بهذا الإنجاز الكبير دون أن يكون لها سابقةٌ تسيء إلى سمعتها، خلا اتهامات ساقطة لم يقم عليها دليل ولا شاهد؛ وأنّها بذلك تستحق أن تمضي في تأسيس الدولة على وفق معتقدها الذي لا يَبْعُدُ عن معتقد الأمة الإسلامية وتراثها الحضاريّ، دون التفاتٍ إلى جماعات وأحزاب لم تجلب للبلاد إلا الخراب واليباب.
أمَّا الحقيقة الثانية: فهي أنّ ما يسمى بالمجتمع الدوليّ لن يكون متعاوناً مع الطالبان ولا متهاونا تجاه ما ستقيمه من نظام قد يمثل تمردا على قانون (الحظيرة!)، وأنّ ما يسمى بالنظام الدوليّ لن يسمح بتمرير مشروع يمثل خروجاً على (النظام!) وخرقاً لقواعده.
ومن هنا فإنّ التجاهل أو التجاوز لحقيقة من الحقيقتين يُعَدُّ انهياراً لأحد الجسرين الَّذين يتدفق بينهما النهر الجاري، فليس من العدل ولا من العقل أن نَحْمِلَ الطالبان على التَّخلي عمّا تدين به وتعتقد أنّها إن تخلت عنه تكون قد أهدرت دماء شهدائها وضيعت الأمانة التي تحملتها يوم أن عزمت على الجهاد ومضت في طريقه الشاقّ الطويل، وكذلك ليس من المصلحة الشرعية والواقعية أن نتركها تنطح برأسها الصخرة فينكسر قرنها وتبقى عاجزة عن حماية نفسها فضلا عن حماية من وجب عليها حمايتهم؛ فأين الطريق إِذَنْ وكيف السبيل؟ هذا ما نحاول أن نجيب عليه بإيجاز في هذه النقاط السريعة.
أولًا: لا قيمة ولا وزن لما يطرحه المنهزمون نفسيا وعقليا وثقافيا، الحامدون أبدا للنموذج الغربيّ، الجالدون دوماً للتراث الإسلاميّ، لا قيمة ولا وزن لما يسمونه بالتشاركية السياسية، والاصطفاف السياسي، والديمقراطية التشاركية، وغير ذلك من المشاريع الخربة التي لا يجني منها المبتغون لبلادهم رشدًا إلا الخبال، والتي لم يقدمها لنا الغرب وأذنابه إلا للإملاء والامتطاء، لا قيمة ولا وزن لما يَدَّعون أنّه من ضرورات البناء وهو في حقيقته من معاول الهدم والإفناء؛ فما اجتمع شركاء متشاكسون تحت قبة حَجَر ولا وَبَر إلا وخَرّتْ عليهم من فوق رؤوسهم ؛ فالحذر كل الحذر من هذا الفخّ الفاجع الباقع.
ثانياً: ضرورة التمييز بين الاصطفاف السياسي والاصطفاف الوطني الشعبيّ، فأمّا الاصطفاف السياسيّ فلا وجود له حتى في أعتى الديمقراطيات، فالذي يظفر بالشرعية يحكم الدولة من مفرق رأسها إلى أخمص قدميها، ليس هذا وحسب، بل إنّ الواقع أنّ القبضة السيادية ليست مائعة سائلة، وإنّما هي متجمعة في يد نخبة هي التي تقود سفينة الدولة، هذه النخبة غالبا ما تكون أوليجاركية نفعية، يقول أحد الكتاب في الغرب (جاك رانسيير): “كل دولة هي دولة أوليجاركية، ويتفق مع هذا عن طيب خاطر مُنَظِّرو التعارض بين الديموقراطية والشمولية؛ لا يمكن تصور نظام لا يكون بمعنى معين أوليجاركيا، لكن الأوليجاركية تفسح للديمقراطية مكاناً بدرجة أو بأخرى …”([1]).
أمّا الاصطفاف الوطنيّ الشعبي فهو الذي يحقق تماسك الجبهة الداخلية، ويتحقق بوسائل وأساليب عديدة لها شرعية سياسية وإسلامية أيضا، والمجتمع الأفغانيّ مجتمع عشائريّ قبليّ سنيّ مُعَظِّمٌ للعلماء، والتعددية المؤثرة فيه هي فقط التعددية الإثنية العرقية، وقد كانت تمثل البعد الأول والأكبر للخلافات بين المجاهدين الأفغان([2])، فالمطلوب هو تحقيق هذا التماسك الداخليّ وهذا الاصطفاف الشعبي الذي يعطي بعدا تمثيليا، وقد فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك عندما قال للأنصار في بيعة العقبة: «أخرجوا لي منكم اثني عشر نقيباً ليكونوا على قومهم بما فيهم»([3])، وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا﴾[المائدة: 12]، والنقيب: كبير القوم القائم بأمورهم الذي ينقب عنها وعن مصالحهم فيها([4])، و﴿اثنى عشر نقيبا﴾: عرفاء على قبائلهم بالمبايعة والسمع والطاعة([5])، «وهكذا لما بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم الأنصار ليلة العقبة كان فيهم اثنا عشر نقيبا ثلاثة من الأوس وتسعة من الخزرج»([6]).
وبمقتضى الحق والعدل، وبمقتضى المصلحة الحقيقية، وبمقتضى واقع الممارسة السياسية في تاريخ الإنسانية كله؛ يحقّ لطالبان – بل ويجب عليها – أن تعترض على الاختيار الذي يأتي بمتورط في علاقات وتحالفات أضرت بالبلاد من قبل، أو بمشبوه لا يمثل الأفغان إلا بقدر ما يمثلهم عميل الأمريكان، وإن تدثر بدثار التمثيل القبليّ أو دخل تحت عباءة المعارضة السياسية، يحق لها أن تتدخل وتشارك في اختيار من يمثل القبائل والعشائر في المرحلة الانتقالية الحرجة، فقط الذي لا يحق لها هو تجاهل أيّ مكون قبلي مهما كان صغره، أو فرض ممثل لا يرضاه الناس، أو الإخلال بالعدل في التمثيل.
ثالثًا: تقوية المجتمع وتمكينه من أداء دور كبير في الحياة العامّة يساعد على التماسك الداخليّ، ويؤدي إلى تخفيف الكثير من الأعباء عن كاهل الدولة، كما أنّه يسهم بقدر كبير في التقليل من تغول الدولة على حساب المجتمع كما هو حاصل في الغرب، فبرغم أنّ الذي يبدو للناس فإنّ الدولة القومية المدنية متغولة على المجتمع إلى حدّ التأله، والذي يعود إلى تاريخ الأمة الإسلامية في صدرها الأول يجد أنّ الدولة لم تكن تحتكر كل شيء، فالمجتمع كان يمتلك الأوقاف والأسواق والتعليم والتشريع من خلال المدارس والمذاهب الفقهية، بخلاف الدولة المعاصرة التي احتكرت كل شيء حى الأكاديميا.
رابعًا: التدرج في تطبيق الشريعة أمر مشروع، وينبني القول بمشروعية التدرج والمرحلية في إقامة الحكم الإسلاميّ وتطبيق الشريعة الإسلامية على أصول كبيرة ثابتة، أولها: أن الله تعالى لا يكلف نفسا إلا وسعها، قال تعالى: (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) (البقرة: 286)، (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا) (الطلاق: 7)، (يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفًا) (النساء: 28).
وفي ضوء هذه الآيات وضع العلماء جملة من القواعد الفقهية الكلية، تدخل جميعها تحت هذه القاعدة الجامعة “المشقة تجلب التيسير”([7])؛ منها قواعد: “الضرورات تبيح المحظورات”([8])، “لا واجب مع العجز ولا حرام مع الضرورة”([9])، “الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة”([10])، “الميسور لا يسقط بالمعسور”، “ما لا يدرك كله لا يترك كله” وغير ذلك من القواعد الفقهية الكلية.
ثاني هذه الأصول: أنّ الاستقراء التاريخي لعملية التشريع يثبت بيقين أن الشارع الحكيم أخذ الناس على تؤدة وأناة فعلمهم الإيمان والتوحيد وأصول الأخلاق وبعض الشعائر التعبدية ثم نقلهم شيئا فشيئا وصعد بهم في درج التشريع حتى بلغ تمامه قبيل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حيث أقيمت الدولة وبلغت تمامها وكمالها، قال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) (الإسراء: 106)، وفى صحيح البخاري عن عائشة: “إِنَّمَا نَزَلَ أَوَّلَ مَا نَزَلَ مِنْهُ سُورَةٌ مِنَ المُفَصَّلِ، فِيهَا ذِكْرُ الجَنَّةِ وَالنَّارِ، حَتَّى إِذَا ثَابَ النَّاسُ إِلَى الإِسْلاَمِ نَزَلَ الحَلاَلُ وَالحَرَامُ، وَلَوْ نَزَلَ أَوَّلَ شَيْءٍ: لاَ تَشْرَبُوا الخَمْرَ، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الخَمْرَ أَبَدًا، وَلَوْ نَزَلَ: لاَ تَزْنُوا، لَقَالُوا: لاَ نَدَعُ الزِّنَا أَبَدًا، لَقَدْ نَزَلَ بِمَكَّةَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَإِنِّي لَجَارِيَةٌ أَلْعَبُ: {بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ} [القمر: 46] وَمَا نَزَلَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ وَالنِّسَاءِ إِلَّا وَأَنَا عِنْدَهُ”([11])، وإذا كان التدرج في التشريع الذي وقع في عهد النبي صلى الله عليه وسلم غَرَضُهُ وقَصْدُهُ التمكينُ للشريعة بتثبيت أحكامها على تؤدة وروية؛ لئلا ينقلب الناس عليها وينفروا منها، فإن ذات الغرض والقصد يستدعى التدرج في التطبيق إذا وجدت نفس الظروف ونفس الأسباب ونفس العلل في أي زمان أو مكان لا يوجد فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أي أن التدرج في التشريع دليل على مشروعية التدرج في التطبيق وأصل له، لأن العلة في الحالتين واحدة والقصد فيهما واحد، يقول ابن تيمية: “فإذا حصل من يقوم بالدين من العلماء أو الأمراء أو مجموعهما كان بيانه لما جاء به الرسول شيئًا فشيئًا بمنزلة بيان الرسول لما بعث به شيئًا فشيئًا، ومعلوم أن الرسول لا يبلّغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، ولم تأت الشريعة جملة، كما يقال: إذا أردت أن تطاع فأمر بما يستطاع، فكذلك المجدد لدينه والمحيي لسنته لا يبّلغ إلا ما أمكن علمه والعمل به، كما أن الداخل في الإسلام لا يمكن حين دخوله أن يلّقن جميع شرائعه ويؤمر كلها. وكذلك التائب من الذنوب والمتعلم والمسترشد، لا يمكن في أول الأمر أن يؤمر بجميع الدين ويذكر له جميع العلم فإنه لا يطيق ذلك، وإذا لم يطقه لم يكن واجبًا عليه في هذه الحال، وإذا لم يكن واجبًا لم يكن للعالم والأمير أن يوجبه جميعه ابتداءً، بل يعفو عن الأمر والنهي بما لا يمكن علمه وعمله إلى وقت الإمكان، كما عفا الرسول عما عفا عنه إلى وقت بيانه”([12]).
ثالث هذه الأصول: أنّ النبيّ صلى الله عليه وسلم شرع التدرج في التطبيق والتنفيذ؛ إذْ إنّه لما بعث معاذا إلى اليمن قال له: «إِنَّكَ تَأْتِي قَوْمًا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَادْعُهُمْ إِلَى شَهَادَةِ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللهِ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ، فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ، فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ، وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ»([13]).
وهذا في حقيقته تدرج في التطبيق وليس في البلاغ وحسب، لأسباب، الأول: أنه قال له في آخر الحديث “فإياك وكرائم أموالهم” وهذا يدل على أنه لم يأت مبلغا فقط وإنّما جاء مطبقا ومنفذا، الثاني : أن التوقف عن بلاغ شيء من الشريعة يعنى التوقف عن التطبيق لأنه لا تطبيق قبل البلاغ والبيان، الثالث: أنّ الصلاة والزكاة وغيرهما كانت قد شرعت وقتئذ؛ بما يعني أنّ هذا التدرج الذي أُمر به معاذٌ لم يكن في التشريع، وإنّما كان في التنفيذ والتطبيق.
إنّ التدرج في التطبيق لا ينتقص الدين بعد تمامه وكماله، لأنه من حيث العلم لا يعتمد على إنكار أو جحد لما تأخر تطبيقه من الشريعة، ومن حيث العمل لا يرفع حكما كان مطبقا من قبل ولا يؤخره، فالتدرج لا يلزم منه إنقاص للدين بعد تمام وكمال ولا عودة بالأحكام إلى صورتها قبل استقرارها.
وإنّ التدرج في إقامة الحكم الإسلاميّ وتطبيق الشريعة الإسلامية لا يخل بمبدأ الاستسلام للشرع والدينونة بأحكامه كلها؛ لأن تطبيق بعض الأحكام وتأجيل بعضها ليس تحكيما للهوى على حساب الشرع، وإنما هو خطة لتعظيم الشرع والتمكين له في النفوس والمجتمعات، وحماية له من ارتداد الناس وخروجهم عليه، ونفرة العامة من الالتزام به، كما أن التدرج والمرحلية ليس تعطيلا لما تأخر تطبيقه من الأحكام والنُّظم الإسلامية، وليس رفضا للدخول في كافة شرائع الإسلام، وإنما هو تهيئة وإعداد للمجتمعات لتستقبل الحكم الإسلاميّ برضا وتسليم، فيحدث التوقير للشرع والتعظيم لأحكامه.
خامسًا: لا يضر بالمشروع الإسلاميّ أن يتنازل القائمون عليه في أول الأمر عن بعض الأمور الشكلية، وأن يقتدوا برسول الله صلى الله عليه وسلم حين تنازل في عهد الحديبية عن بعض الأمور الشكلية كالنص في العهد على أنّه رسول الله، في سبيل تحقيق مقاصد وأهداف كبيرة، ومن هنا نقول إنّ الطالبان لن يضرَّها ولن يضرَّ مشروعَها الإسلاميَّ شيءٌ إذا أخَّرت أمرين، الأول: إعلان الإمارة الإسلامية، والثاني إصدار الدستور الإسلاميّ، ويكفيها فقط في السنوات الأولى “الانتقالية” – قصرت أو طالت – أن تصدر إعلانا دستوريا سهلا ومباشرا وبسيطا، على غرار صحيفة المدينة، تكتفي فيه بالإعلان عن هوية أفغانستان الإسلامية وأنّ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع، ثم يسهب الإعلان الدستوري في بيان الحقوق لكافة الأطياف والعشائر، ويضع مواد بارزة لتحقيق العددالة الاجتماعية والعدالة الانتقالية، وبنودًا أخرى تتضمن ميثاق حقوق الإنسان في الإسلام، مع بعض المواد التي تنظم المرحلة الانتقالية.
وفي هذه الفترة الانتقالية تكون قد اكتسبت الخبرة، واكتست بسياج من العلاقات الخارجية، وثبتت أقدامها في الداخل الأفغانيّ الذي سَلَّم لها عسكريا ودينياً، ولا ندري أيُسَلِّم لها سياسيا بنفس القدر أم بقدر لا يكفي بتفردها بالسيادة التي استحقتها بجهادها، وعليها في هذه الفترة أن ترتب لإعلان الإمارة الإسلامية وإصدار الدستور الإسلاميّ، وذلك بوضع منهجية متدرجة وخطة متأنية، وعليها كذلك أن تحقق للناس في هذه الفترة ما فقدوه من الأمن والعيش الكريم، وأن تجتهد في تطبيق الأحكام الشرعية المتعلقة بالعدالة الاجتماعية وبالنمو الاقتصادي وبالحقوق والحريات، وهي أحكام كثيرة ومبثوثة في أقطار الفقه الإسلاميّ بمذاهبه المختلفة.
سادسًا: ضرورة التفريق بين العفو عن المتورطين وبين إشراكهم في العملية السياسية، فأمّا الأول فهو جائز إذا اقتضت المصلحة ذلك، وأعتقد أنّ المصلحة تقتضي ذلك وتحبذه، وأمّا الثاني فليس جائزا ألبتّة ولو حاول البعض إيهامنا بأن فيه المصلحة؛ قال تعالى: (وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ) (هود: 113)، وقال سبحانه: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ) (آل عمران: 118)، وهذا من قبيل أداء الأمانات؛ فلا تسامح فيه.
سابعاً: في الفترة الانتقالية تسعى الطالبان في بناء مؤسسات المجتمع، هذه المؤسسات يجب أن تتنوع لتشمل كل المجالات والنشاطات المؤثرة، مثل النقابات المهنية المختلفة، ومثل نقابات العشائر والقبائل، ومثل الجمعيات الأهلية والأوقاف المختلفة، ومثل تجمع القضاة الشرعيين، ومثل الهيئات التعليمية والبحثية العامة، ومثل المجامع العلمية ومراكز البحث الكبرى، ومثل المدارس المهنية المختلفة، وغير ذلك، ومن هذه المؤسسات سيتم انتخاب شق كبير من مؤسسة أهل الحل والعقد التي ستكون إحدى المؤسسات الكبرى في الإمارة الإسلامية المنشودة.
وأخيراً .. فإنّنا إذْ نقدم هذه المقترحات لإخواننا الطالبان نعلن أنّنا لا نفتئت عليهم بها؛ فلا شك أنّ أهل مكة أدرى بشعابها، فعليهم أن يأخذوا منّا ما يرونه صالحا لبيئتهم وملائما لأحوالهم وظروفهم.
([1]) كراهية الديمقراطية – جاك رانسيير – ترجمة أحمد حسان – دار التنوير القاهرة بيروت تونس – ط أولى 2012م – صــــــــــ89 – 90
([2]) مايكل سمبل، ر: معضلة أفغانستان طالبان والولايات المتحدة – تحرير عبد العزيز الحيص – منتدى العلاقات العربية والدولية – الدوحة صــــ 114
([3]) سيرة ابن هشام (2/51)، وطبقات ابن سعد (3/602).
([4]) تفسير القرطبي (4/2109).
([5]) تفسير ابن كثير (2/30).
([6])تفسير ابن كثير (2/30)
([7]) الأشباه والنظائر للسيوطى ص160، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص830 المنثور للزركشي 3/169، مجلة الأحكام العدلية م/17.
([8]) مجلة الأحكام العدلية م/21، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص93، الأشباه والنظائر للسيوطى ص173 المنثور للزركشي 2/317.
([9]) إعلام الموقعين لابن القيم 2/41، القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه ص 92.
([10]) مجلة الأحكام العدلية م/22، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 100، الأشباه والنظائر للسيوطى ص180، المنثور 2/24، البرهان للجوينى 2/606
([11]) صحيح البخاري (6/ 185) برقم (4993)
([12]) مجموع الفتاوى: (20/59- 61)
([13]) متفق عليه، صحيح البخاري (2/ 129) برقم (1496) وصحيح مسلم (1/ 50) برقم (19).