الإثنين 25 نوفمبر 2024 02:59 صـ 23 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    مقالات

    كورونا بين تعطيل الشعائر وحماية الأنفس

    رابطة علماء أهل السنة

    لاشك أن الإسلام وضع قواعد شرعية تضبط حركة المسلمين في كل الظروف والأحوال، وقد كانت تلك القواعد انعكاساً لعظمة التشريع الإسلامي، واستيعابه للمستجدات على مدار الأزمنة واختلاف العصور.

    ومن أبرز تلك القواعد: قاعدة :"الضرورات تبيح المحظورات"، وقاعدة:"المشقة تجلب التيسير "... وغيرهما.
    لذا فحينما ابتُلي العالم بوباء كورونا أفتت أكثر المؤسسات الدينية والرموز الإسلامية في العالم بجواز تعطيل الجماعة في المساجد على النحو المتعارف عليه حماية للأنفس، ولم يكن المقصود بتلك الفتاوى تعطيل إقامة الشعيرة تماماً، سواءً على مستوى الأفراد أو على مستوى الدول والأقطار.


    فمن ضوابط أحكام الضرورات أن الضرورة تقدر بقدرها، وإذا كانت المحافظة على مسافة تفصل بين المصلين كافية في دفع العدوى فلا يجوز إغلاق المساجد ومنع الجمع والجماعات جملة لأن في ذلك تجاوزا لقدر الضرورة.


    وإذا كانت إقامة الصلاة على هذا النحو متعذرة لانتشار المرض، فلا أقل من رفع الأذان وإقامة الصوات والجمع بعدد قليل خاصة والجمعة تجوز بثلاثة مصلين على رأي الأحناف وغيرهم من علماء الأمة.

    فلابد من رفع الأذان وإقامة الصلاة حتى بالحد الأدنى من المصلين، ولو اقتصر في بعض الحالات على الإمام وعدد قليل من العاملين في المسجد، إقامة للشعيرة، وتحقيقاً للواجب الشرعي، وهو ماقامت به بعض الدول الإسلامية بالفعل.


    فإقامة الجماعة في المسجد شعيرة لايملك أحد إبطالها أو إيقافها، لكن يمكن ترتيبها أو تنظيمها.

    أما الإيقاف فهو جريمة شرعية ومنع لمساجد الله أن يُذكر فيها اسمه، وسعيُ في خرابها!! وهذا عقوبته أشد وأنكى، قال تعالى: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا ۚ أُولَٰئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ.

    الصلاة في زمن الكورونا

    هذا بخصوص الصلاة ،أما الحج فنؤكد على نقطتين هامتين:


    الأولى : أن القرارات المصيرية المتعلقة بشعيرة الحج ليست ملكاً خالصاً للنظام السعودي أولغيره من الأنظمة، بل هو حق الأمة بأسرها وفي الصدارة منهم علماؤها المعتبرون وفقهاؤها الراسخون.
    وعليه فأي قرار يخص إيقاف شعيرة الحج هو اعتداء على حق الأمة واجتراء على مقدساتها واغتصاب لإرادتها.


    الأمر الثاني: أنه لايجوز تعطيل شعيرة الحج تحت أي مسمى لأن إمكانية إقامة الشعيرة متاحة، ومرونة التشريع الإسلامي تستوعب كل الوسائل التي يمكن استخدامها للوقاية من انتشار العدوى، أو تفشي الوباء.
    فتقليل الأعداد لاحرج فيه مطلقا، ووضع نسب لكل دولة معمول به من قبل، وتوزيع الناس على الأماكن والمناسك بطريقة تُجنب التزاحم وتُقلل الأخطار ممكن ولاحرج فيه، وتقليل مدة إقامة الحجيج إلى ثلاثة أيام أو أربعة وارد كذلك.
    وتفويج وتنظيم حركة الأفراد أو المجموعات كذلك ممكنة، والإنابة في الرمي تفتح أبوابا للحل واسعة، وجواز جمع الرمي في اليوم الثالث أداء وليس قضاء منحة تشريعية، ووقت الإقامة بعرفة يمكن تنظيمة وتقليله بحيث يشمل جزءا من الليل والنهار حتى ولو كان قليلاً، أو الليل فقط للاتفاق على أنه الأصل، وغير ذلك من الأحكام التي يمكن أن يقوم العلماء بوضع دراسة كاملة لها على الصورة التي تسمح بإقامة الشعيرة وتمنع انتشار المرض.
    أما أن نجترئ على الثوابت، ونستسهل حرمان الأمة بل حرمان الأرض من بركة الحج فهي جريمة شنعاء، ومنكر كبير، وإثم لا تسلم من عقوبته الأمة بأسرها .

    وإنه لعلامة من علامات الساعة، إن حدث، ففي الحديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : "لا تقوم الساعة حتى لا يحج البيت" .رواه أبو يعلي و ابن حيان و الحاكم و قال: صحيح على شرط الشيخين.
    وعليه فيجب على علماء الأمة وجمهور المسلمين أن يقاوموا أي جهود تسعى لتعطيلة، ويحاربوا أي خطط تعمل على تجميده، فتلك جريمة شنعاء، واعتداء واجتراء يؤدي بالأمة إلى ما لا تحمد عقباه.
    وعلى جمهور المسلمين في العالم أن يتمسكوا بحقهم في حماية الحرمين وعدم التنازل عنها لسلطة غاشمة أو لنظام فاسد، ليظلا محصنين بحصانة الأمة التي لاتجتمع على باطل.
    وأخيراً فإننا نؤكد أن فتح الباب للعبث بثوابت الأمة وشعائرها سيفتح عليها أصنافاً من البلاءات لا تتصورها، وصوراً من الحرمان لم تتخيلها، وعقوبات في البر والبحر لم تخطر لها على بال، وأختم بقول الله تعالى : وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَّا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنكُمْ خَاصَّةً ۖ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ.

    كورونا تعطيل الشعائر الحج الأنفس

    مقالات