الهند ... الهندوس يقتلون ويحرقون منازل المسلمين تحت مراقبة السلطة
رابطة علماء أهل السنةمنذ مجيء ناريندرا مودي رئيسا لوزراء الهند عام 2014، وضع كثير من المسلمين أيديهم على قلوبهم خشية مما سيقع وكانوا متأكدين من حدوثه.
وسبب هذا اليقين معرفتهم بماضي مودي الذي انضم في شبابه إلى المنظمة القومية الهندوسية (راشتريا سوايامسيفاك سانغ)، وترأس ولاية غوجارات ما بين عامي 2001 و2014 ،ووجهت له انتقادات واسعة بسبب عدم تحركه خلال اضطرابات قتل فيها مئات المسلمين بالولاية.
كما أن أوروبا والولايات المتحدة قاطعته لسنوات، واتهمته منظمات حقوقية بما أسمته "تشجيعا ضمنيا" لأحداث العنف الديني التي ذهب ضحيتها مسلمون.
وأثار مودي غضبا واسعا عام 2013 قبل تقلده منصب رئيس الوزراء بعام واحد، عندما قارن بين ضحايا أعمال العنف التي راح ضحيتها مسلمون وبين "الجراء التي تدهسها السيارات".
وبمجرد فوز حزبه بهاراتيا جاناتا في مايو/أيار الماضي بالانتخابات (303 مقاعد من أصل 542)، سارعت الحكومة في ديسمبر/كانون الأول الماضي إلى الكشف عن قانون الجنسية المعدل الذي اعتبر محاولة لتحويل الهند إلى "وطن للهندوس" يقصي المسلمين.
ويسمح القانون بتعديل قانون الجنسية لعام 1955 وتضمينه مادة تقبل تجنيس مهاجرين من ثلاث دول مجاورة هي باكستان وبنغلاديش وأفغانستان شريطة أن يكونوا هندوسا أو مسيحيين أو سيخا.
وتسبب القرار في خروج مئات الآلاف من المحتجين إلى الشوارع، منددين بخطوة الحكومة، ومشددين على أنه يهدد استقرار البلاد وأمنها.
قبيل ذلك، سارع مودي وحكومته إلى إلغاء المادة 370 من الدستور والتي كانت تمنح إقليم كشمير حكما ذاتيا وحق تقرير المصير، مما أزّم العلاقات مجددا مع باكستان المجاورة، وتسبب في اضطرابات وحدوث أعمال عنف.
وخلال الفترة نفسها، وتحديدا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أعطت المحكمة العليا الهندية الحق للهندوس في بناء معبدهم على أنقاض مسجد بابري الذي هدمه متطرفون هندوس عام 1992 بذريعة إعادة بناء معبد رام، وتسبب في اندلاع أحداث عنف كبيرة بين المسلمين والهندوس.
احتقان
في هذه الأجواء المحتقنة ضد المسلمين، بات مفهوما تدهور الأوضاع الأمنية منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، واندلاع أعمال عنف طائفية سقط ضحيتها عشرات القتلى والجرحى، وحرقت ودمرت ممتلكات كثيرين.
ونقلت تقارير إعلامية تفاصيل إحراق منازل وممتلكات مسلمين من طرف متطرفين هندوس كانوا يرددون شعارات دينية أثناء اعتداءاتهم.
وقالت تلك التقارير إن سيدات مسلمات أكدن أن المتطرفين الهندوس أشعلوا النيران في متاجر ومنازل مسلمين، وألقوا عليها قنابل مولوتوف وأسطوانات غاز، في ظل غياب تام للشرطة التي لم تأت إلا بعد فترة طويلة رغم اتصالات متكررة بها وتأكيدها أنها ستحضر خلال خمس دقائق.
واضطرت كثير من النساء إلى الفرار من المكان برفقة أطفالهن، وقد تركن ممتلكاتهن خلفهن.
ونقلت شبكة "بي.بي.سي" البريطانية عن ضحايا من النساء قولهن إن المعتدين مزقوا ملابسهن أمام أطفالهن.
وبحسب باتريك كوبيرن في مقال له بصحيفة الإندبندنت البريطانية نشر مؤخرا، فإن المسلمين يُقتلون في الهند وسط غياب رد فعل دولي يدين ما يجري.
وقارن الصحفي المتخصص في حروب الشرق الأوسط بين ما يجري حاليا للمسلمين في الهند، وبين أعمال العنف التي حدثت لليهود يومي 9 و10 نوفمبر/تشرين الثاني 1938 في كل من ألمانيا والنمسا ومناطق في تشيكوسلوفاكيا المحتلة من قبل القوات الألمانية.
وضرب الكاتب البريطاني مثلا على ذلك بحالة طفل لم يتجاوز عمره العامين، جرده المعتدون الهندوس من ملابسه ليتأكدوا إن كان مختونا أم لا، بالنظر إلى أن الختان عادة إسلامية لا هندوسية.
وانتشرت عدة مقاطع فيديو تظهر مواطنين هنودا مسلمين وقد غطت الدماء وجوههم، وأجبِروا على الانبطاح وترديد أناشيد وطنية.
ويتساءل من هربوا من منازلهم للنجاة بحياتهم هل سيتمكنون من العودة والعيش بها مجددا بسلام.
رد فعل إيراني
حث المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية علي خامنئي اليوم الخميس السلطات في الهند على "مواجهة المتطرفين الهندوس ووقف المذبحة ضد المسلمين".
وقال خامنئي في تغريدة بالإنجليزية على "تويتر" بعد بضعة أيام من انتقاد نيودلهي وزير الخارجية الإيراني لتعليقه على هذه القضية، إن "قلوب كل المسلمين حول العالم تنفطر لما يتعرض له المسلمون من مذبحة في الهند".
الصحفيون أيضا
الاعتداءات لم يسلم منها حتى الصحفيون الذين كانوا يغطون التطورات، حيث ضُرب أحدهم وكُسرت أسنان صحفي ثان، بينما اضطر آخرون للكشف عن هويتهم الدينية تحت التهديد.
وأفاد صحفيون هنود بأن الاعتداءات التي تعرّض لها صحفيون أثناء تغطيتهم للاحتجاجات ضد قانون الجنسية في شمال شرقي العاصمة نيودلهي الأسبوع الماضي، تشير إلى أن الوضع يتجه نحو الأسوأ في البلاد.
وقال مصور صحيفة "تايمز أوف إنديا" أنينديا جاتوبادهاي إن مجموعة من الهندوس حاصروه في منطقة أثناء تغطيته الاحتجاجات، ليضايقوه عبر الضغط عليه للكشف عما إذا كان مسلما أم هندوسيا.
أما مراسل "تلفزيون نيودلهي" أرفيند غوناسكار فقد تعرّض للضرب من قبل مجموعة هندوسية أثناء تصويرهم بهاتفه وهم يهدمون حائط مقبرة للمسلمين.
ولم تشفع لغوناسكار مهنته الصحفية كي يفلت من الاعتداء حتى وصل زميله إلى مكان الحادث وأظهر للمجموعة المعتدية إشارة يرتديها في عنقه تظهر أنه هندوسي.
أفق مظلم
الكاتب البارز بريم شانكار جها الذي عمل في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، والبنك الدولي، وكان مستشارا إعلاميا لرئيس وزراء الهند الأسبق في بي سينغ، أكد في مقال أوردته وكالة "الأناضول" أن الأوضاع في الهند لا تبشر بخير بالنسبة للمسلمين مع تنامي خطاب الكراهية ضدهم، وما يظهر أنه تشجيع ضمني للسلطات للتخلي عن واجبات الحفاظ على الأرواح والممتلكات في البلاد.
وتساءل الكاتب عما "جعل الشرطة تتخلى عن واجبها في الحفاظ على القانون، والبدء في خرقه بدلا من ذلك"، مبرزا أن "الجواب المباشر هو التوجيهات التي تلقتها ربما بشكل صريح، ولكن بالتأكيد من خلال إشارات ضمنية من كبار القادة في الحكومة، بدءا من رئيس الوزراء ناريندرا مودي نفسه".
وقال إن الشرطة "حاولت في اليوم الأول على الأقل وفي بعض الأماكن -إن لم يكن جميعها- منع العنف، حيث تعرض أحد كبار ضباط الشرطة لإصابات خطيرة في الرأس ونُقل إلى المستشفى"، مضيفا أنه منذ ذلك الحين "تراجعت همة الشرطة وصارت غير مبالية بالأوضاع بشكل مثير للدهشة".
وفي ظل غياب رد فعل إسلامي ودولي، تتنامى مخاوف المسلمين من أن تتوسع الاعتداءات وتشتد حدتها، حيث "دخلت عائلاتهم في نفق لا نهاية له من الحزن، وحياتهم الهشة بالأساس تخيم عليها مآسٍ أخرى منذ اندلاع أعمال الشغب الطائفية والحرق العمد والقتل"، وفق الكاتب البارز.