ليبيا ... تركيا تقيم الحجة على داعمي حفتر
رابطة علماء أهل السنةالتزمت تركيا في مؤتمر برلين، بعدم إرسال قوات إلى ليبيا، رغم توقيعها على مذكرة تفاهم مع حكومة الوفاق في هذا الشأن، لكنها اشترطت بالمقابل استمرار الهدنة، وهو ما لم يتحقق بشكل كامل لحد الآن، مما يضع الكرة في ملعب الدول الداعمة للجنرال المتقاعد خليفة حفتر، لمنع انهيار مؤتمر برلين ومساراته الثلاثة.
فبعد أكثر من أسبوع من انعقاد مؤتمر برلين في 19 يناير/كانون الثاني الجاري، لا يبدو حفتر آبها باتفاق الدول الـ12 على وقف إطلاق النار، وقامت مليشياته بقصف صاروخي لمطار معيتيقة الدولي بالعاصمة الليبية طرابلس عدة مرات، وأعلنت فرض حظر جوي على الطيران المدني والعسكري في طرابلس ومحيطها.
ولم تكتف مليشيات حفتر، بإطلاق رشقات صاروخية من حين لآخر على معيتيقة، بل قامت بهجمات عنيفة للسيطرة على عدة محاور على غرار "الخلاطات"، وصلاح الدين، وعين زارة والرملة، جنوبي طرابلس.
ورغم أن القصف الجوي وخاصة عبر طائرات بدون طيار اختفى تقريبا من سماء العاصمة الليبية منذ وقف إطلاق النار بمبادرة تركية روسية، في 12 يناير الجاري، إلا أن استمرار مليشيات حفتر في شن هجماتها البرية على طرابلس يُعد خرقا صارخا لوقف إطلاق النار دون إدانة صريحة وقوية من الدول والمنظمات الدولية المشاركة في مؤتمر برلين، أو فرض مجلس الأمن عقوبات على حفتر ومليشياته.
فباستثناء ألمانيا، التي دعا وزير خارجيتها هايكو ماس، من الجزائر، مجلس الأمن إلى "فرض عقوبات ضد أي طرف ينتهك وقف إطلاق النار بليبيا"، لم تصدر مواقف قوية خاصة من روسيا أو فرنسا أو مصر والإمارات بإدانة هذه الانتهاكات، باعتبارها دول داعمة (وحتى ضامنة) لحفتر دبلوماسيا وعسكريا، فضلا عن أنها موقعة على البيان الختامي لمؤتمر برلين.
وهذا يعيدنا إلى قرار تركيا إرسال جنودها إلى ليبيا لدعم الحكومة الشرعية، مما أقام عليها الدنيا ولم يقعدها، بالمقابل هناك صمت مطبق عن آلاف المرتزقة الأفارقة والروس الذين يقاتلون في صفوف حفتر، ناهيك عن مليشيات متطرفة وعصابات المخدرات وتجار البشر التابعين للأخير، الذين لم يسلط عليها الضوء بشكل كافي من المجتمع الدولي.
** حفتر لم يلتزم بتفاهمات موسكو وبرلين
رغم المساعي الدولية لوقف إطلاق النار، إلا أن عدم توقيع حفتر على تفاهمات موسكو أو حتى برلين، وقيام أنصاره بوقف تصدير النفط للضغط يضع المجتمع الدولي أمام حتمية التقدم خطوة نحو فرض عقوبات على بارون الحرب لدفعه نحو السلام، وإلا فإن التغاضي عن جرائمه سيدفعه للتمادي أكثر، واعتبار ذلك ضوء أخضر لفرض الأمر الواقع على حكومة الوفاق المعترف بها دوليا.
هذا ما دفع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى القول إن حفتر، "لم يلتزم بمسار السلام للصراع في ليبيا لا في موسكو أو برلين"، خلال مؤتمر صحفي، الأحد الماضي، قبيل توجهه إلى الجزائر.
والجمعة، شدد أردوغان، في مؤتمر صحفي عقده مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بإسطنبول، على أن تركيا لن تترك فائز السراج، رئيس حكومة الوفاق الليبية، وحده، وأنها عازمة على دعمه.
وأشار إلى أن أبوظبي ومصر تدعمان حفتر، بالسلاح.
ومع ذلك مازالت تركيا ملتزمة بما تمخض عنه مؤتمر برلين، خاصة مع استمرار وقف إطلاق النار ولو بشكل "هش".
وهو ما أكده وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو، في حوار مع وكالة ريا نوفوستي الروسية، حيث قال تركيا "لن ترسل مزيدًا من المستشارين العسكريين والقوات إلى ليبيا، طالما كان هناك التزام بوقف إطلاق النار".
وبهذا تكون تركيا أقامت الحجة على داعمي حفتر، حيث أصبح واضحا للرأي العام العالمي من يقف حجر عثرة أمام السلام في ليبيا، ويواصل ارتكاب الجرائم في الحق المدنيين في طرابلس ومحيطها، وفي مدينة سرت أيضا (450 كلم شرق طرابلس) التي سقطت بأيديهم في 7 يناير الماضي.
** الأمم المتحدة توثق جرائم حفتر
جرائم حفتر لم تعد سرا، أو مجرد اتهامات مرسلة، فتقرير الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، المنشور الثلاثاء الماضي، تحدث عن بعضها بالتفصيل.
لكن أخطر ما سلط عليه غوتيريش الضوء، مجزرة ترهونة، التي قتلت فيها مليشيات الكانيات (اللواء التاسع ترهونة) المتحالفة مع حفتر، 39 من المتعاطفين مع حكومة الوفاق، داخل المدينة، وجرح العشرات، في الفترة من 26 أغسطس/آب و1 سبتمبر/أيلول 2019، عقب مقتل محسن الكاني وشقيقه عبد العظيم (قائدين في الكانيات)، والعقيد عبد الوهاب المقري (قائد اللواء التاسع).
وجاء في التقرير "بعد مقتل قادة من الكانيات/اللواء السابع في ترهونة، شنت الجماعة هجمات مكثفة ضد المشتبه في تعاطفهم مع حكومة الوفاق الوطني. وفي الفترة الممتدة بين 26 أغسطس و1 سبتمبر، أسفرت هذه الهجمات عن مقتل 39 شخصا، من بينهم مدنيون، وجرح العشرات غيرهم".
وهذه أول مرة تقدم حصيلة عن عدد قتلى مجزرة ترهونة، التي وقعت في صمت، رغم أن حكومة الوفاق أدانت حينها مقتل العشرات في ترهونة، لكن لم تَرشح معلومات ولا صور عن ضحايا المجزرة من المدينة الخاضعة بشكل كامل لمليشيات الكانيات المتطرفة.
كما حمّل التقرير طيران حفتر مسؤولية مجزرة الكلية العسكرية في طرابلس والتي راح ضحيتها 32 طالبا، والتي وقعت في 4 يناير الماضي.
وأقرّ غوتيريش، بأن طيران حفتر يقف وراء عدة هجمات استهدفت مناطق سكنية في أحياء الفرناج وجنزور والسواني وتاجوراء، بطرابلس، وكذلك بمدينة الزاوية (50 كلم غرب طرابلس)، وخلفت قتلى وجرحى في صفوف المدنيين.
وأشار إلى أن مليشيات حفتر نفذت 850 غارة جوية دقيقة التوجيه بطائرات مسيرة بدون طيار و170 غارة جوية أخرى بمقاتلة - قاذفة، مقابل 250 غارة لقوات الوفاق.
والمُلفت في تقرير الأمم المتحدة، أن نحو 60 غارة جوية تمت بطائرات أجنبية، دون تحديد الدول التي تقف وراء هذه الغارات، وإن كان من المعروف بداهة أن الإمارات تقف وراء أغلبها.
وخلال الأسبوع الجاري، من المنتظر أن يصادق مجلس الأمن الدولي، على اتفاق برلين، خاصة وأن الدول الخمسة دائمة العضوية شاركت في المؤتمر، لكن منح توافقات برلين صفة أممية، لا يكفي إن لم يكن هناك قرارات دولية لردع طموحات حفتر الرافضة للسلام، فالضغوط الدبلوماسية لا تبدو لحد الآن كافية لدفع الجنرال المتمرد للجنوح إلى السلام.