المعتقلون المصريون بين مطرقة العسكر وسندان الثوار
الدكنور جمال عبد الستار رئيس الجامعة العالمية للتجديد وأستاذ الدعوة والثقافة الإسلامية بجامعة الأزهر الشريف والأمين العام لرابطة علماء أهل السنة رابطة علماء أهل السنةالتجويع والتعذيب والتنكيل الذي يتعرض له الرجال والنساء في سجون مصر لن يسلم من عاقبته أحد. والناس أمام هذه الجريمة أصناف:
إما مؤيد للظلم، ومبرر للقتل، فهو سفاح ظالم سيعاقبه الله تعالى بخزي الدنيا وعذاب الآخرة.
وإما كاره ساكت ولا ينطق بكلمة أو يكتب حرفا، فصمته جريمة وخيانة.
وإما قادر تخلى عن واجبه، فلم يبذل ما استطاع من قدرته في فتح أي محاولات لإخراجهم مهما كانت صعوبتها حتى ولو لمجرد المحاولة فهو مجرم أثيم، ومفرط لئيم.
إلا من بذل وسعه فأنفق من ماله بقدر ما أوجبه الله عليه في فك الأسير وإغاثة المنكوب، أو تكلم فأسمع صوته الحجر والشجر والليل والنهار والعرب والعجم حسب إمكاناته.
أو كتب فسجل المعاناة، وحض على التفريج، وسعى في المؤازرة بكل صورها وأشكالها، أو تحرك في مسارات العمل الحقوقي، والمؤسسات التي تعني بحقوق الإنسان، وجرائم الإنسانية.
أو اجتهد في العمل السياسي لتوحيد صفوف من تبقى عندهم بعضا من الإنسانية، أو القليل من النخوة، أو من استشعروا ثقل الأمانة ووجوب خوض الصعاب لإنقاذ إخوانهم من مذبحة الإنسانية في أبشع صورها.
إلى كل من يتأذى من برد الشتاء أقول له: تخفف من الثياب التي عليك ونم على الأرض عشر دقائق فقط ثم تفكر في حال البنات المظلومات، والشيوخ المرضى والنساء المقهورات، والشباب اليافعين، والعلماء العاملين، والوطنيين الصادقين، كيف حالهم مع إضافة الإهانة والتجويع، والحرمان من الأدوية والزيارة والشمس، كل ذلك مع العزلة التامة والحبس الانفرادي!!!!!!
إن كان الله تعالى قد ابتلى إخواننا وأخواتنا بهذا البلاء المبين في سجون القتلة السفاحين فقد ابتلانا سبحانه بهذه المسؤولية العظيمة والواجب المتعين الذي لا فرار منه.
وإن كانوا قد صمدوا في آلامهم وهموهم فلم يعد أمامهم إلا انتظار الفرج ودعاء الرب القدير، فإني للأسف أعتقد أننا لم نصمد في القيام ببعض ما أوجبه الله علينا.
فقد رأيت بعض من رزقهم الله مالا يبحثون عن المحتاجين في سوريا والعراق واليمن وغيرها من إخواننا المأزومين، في الوقت الذي لم يأبهوا بالواجب المتعين عليهم لاستنقاذ إخوانهم ورعاية أعراضهم وحماية بيوتهم.
إن الأخوة في سوريا واليمن وغيرها لهم علينا حق المناصرة، لكن ربما يجدون من بعض الدول عونا، أومن بعض المؤسسات الخيرية مددا، أما إخواننا وأخواتنا فلا دولة تسأل عنهم، ولا مؤسسات تعمل من أجلهم، ولا جمعية صغيرة تخصصت في إغاثتهم، فخذلهم القريب والبعيد إلا ما رحم ربي.
ورأيت برامج إعلامية ملأت أوقاتها ببرامج التخسيس والتطريز والحب أولا أم الزواج أولا؟!!! وإبداع الفنانين في التمثيل، وبراعة الرياضيين في التمرير، وأخبار الراقصين في كوريا، واللاعبين في لندن، وكأنهم لم يدركوا أن كل دقيقة تمر من برامجهم بسرعة لا يشعرون بها هي في نفس الوقت ساعات تمر على المقهورين بردا، والمتألمين مرضا، والخائفين رعبا، والجائعين تضورا والمهمومين حيرة وقلقا وهما!!!
إنها صرخة للنفس وللغير، صرخة استغاثة لمن له قلب، المعتقلون يتزاحمون على طابور الموت، وليته موتا سريعا بدون تعذيب، ولكنه قتل للنفوس قبل الأبدان، وسفك للكرامة قبل الدماء.
أرى أننا مهما اختلفنا فإننا نتفق على حق إخواننا وأخواتنا المعتقلين الذين ضحوا بكل غال وثمين لتحقيق أهداف الثورة، ولم يوافقوا على التنازل عن مبادئها، رغم هول ما يلاقونه، وشدة ما يتحملونه وعظم ما يعانونه.
وأرى أن أخوة الميدان، وأخوة الثورة، وأخوة التضحية، وأخوة الوطن، ناهيك عن أخوة الدين توجب علينا جميعا أن نجعلهم القضية الأولى، فنصطف من أجلهم، ونترك القضايا الخلافية والصراعات الفكرية.
أناشد الجميع أن نجعلهم أرضنا الصلبة التي تجمعنا دون تمييز، فنتبارى لنصرتهم، ونتعاون لنشر قضيتهم، ونتكاتف لحمايتهم، ونتسابق لرعاية أسرهم وسد خلتهم، وننتفض في وجه من يريد المساس بهم، والنيل من كرامتهم.
إن إخراج هؤلاء الأسرى أمانة في رقاب الجميع دون استثناء، فما ينبغي أن نخون تلك الأمانة بالانشغال أو التشاغل، بالكسل أو التكاسل.
فهل نجعل من عامنا الجديد عاما للوفاء، عاما للاصطفاف والإخاء، عاما للتعاون والبناء، عاما لأسرى الثورة الشرفاء، عاما لاستنقاذ الشباب القابع خلف القضبان يتطلع بعد الله إلى إخوانه الأحرار، والرموز الذين ضربوا في الصبر والثبات أروع الأمثال، وحبات العيون من الرجال والنساء.
أعتقد أننا يمكن أن نعلنه عاما للأسرى والمعتقلين، ليكون حديثنا عنهم وأخبارنا عنهم وأنشطتنا الإعلامية والسياسية والشرعية والحقوقية والقانونية والثورية تتحدث عنهم، وتناقش سبل تحريرهم ووسائل دعمهم، إنها صرخة في وادي المغدورين، فهل من مشمر عن ساعد الجد ليقول آمين؟!