مثلث برمودا (الكبانة)
الأستاذ أحمد الحاجي رابطة علماء أهل السنةكنا نظن أن مثلث برمودا في المحيط الأطلسي فقط، وكنا نظنه خرافة، لكنه اليوم يظهر فوق قمة سامقة شاهقة تناطح السماء، يصل ارتفاعها إلى 1100م عن سطح البحر.
تلّة عزيزة عصيّة أبية؛ جُبلت تربتها من صمود وثبات...
عاش سكانها حياة الشظف والتقشف والشدّة، يقاومون الظروف الصعبة ويقهرونها، يجاهدون في سبيل لقمة العيش في رغبة وإصرار وسعادة غامرة...
الكبانة؛ تلّة حصينة، بل قلعة من أهم القلاع الاستراتيجية في جبال الساحل السوري.
تعتبر صِمام الأمان لسهل الغاب في ريف حماه، ولجسر الشغور وما حولها من القرى في ريف إدلب، كما أنها نقطة التقاء المحافظات الثلاث: (اللاذقية، وإدلب، وحماه). فتجمّع فيها ما تفرّق في غيرها من القرى...
فأخذت من اللاذقية؛ الجمال والجلال والرهبة والمناخ المعتدل، ومن زيتون إدلب؛ الخضرة والخير والعطاء والثبات، ومن نواعير حماه؛ الحركة والفاعلية والتدفق والاستمرار...
ونظرا لأهميتها الجيوسياسية؛ تحاول مليشيا النظام مدعومة بالترسانة الروسية، والإيرانية، وميليشيات حزب الله ...احتلالها.
مستخدمة في سبيل ذلك، كافّة الأسلحة المحرّمة دوليا! فضلا عن راجمات الصواريخ التي لا تكاد تتوقّف، مدعّمة بعشرات الطائرات التي تمطر البلدة بوابل من الحِمم والبراميل والقنابل...على اختلافها وتنوّعها، فهذه الطائرات لا تكاد تغادر سماءها! تُحرق الأخضر واليابس... أكثر من خمس طائرات في سمائها بشكل يومي لمدة تنيف عن ثلاثة أشهر!!!
أما على الأرض ففي كل يوم تتجدّد محاولات التسلل والاقتحام للبلدة، وبخاصة بعد سقوط مدن ريف حماه وفي مقدمتها مورك، وخان شيخون... الأمر الذي ألقى بظلاله الخطيرة على جوّ المعركة هناك فزاد الطين ابتلالا والحرب اشتعالا.
فحين انتهى النظام المجرم من تأمين القرى النصيرية هناك في ريف حماه، وجعلها في منأى عن نيران الجيش الحر؛عاد بنشوة المنتصر ليكمل مشواره الدموي في حصار ما تبقّى من المناطق المحرّرة وعلى رأسها "قرية الكبانة" أهم قلاع الثوار.
لكن ثبات المقاتلين هناك يقف سدًا منيعا أمام أعتى آلات الحرب والدمار، وما يزال المجاهدون في تلك الرقعة العنيدة يقضمون الفرق المتدافعة؛ فرقة فرقة، ويبيدون الكتائب المقتحمة كتيبة كتيبة، ولا تزال أسلحة النظام، وروسيا، وإيران، وحزب الله وغيرها عاجزة، صاغرة، ضئيلة، تتحطم عند سفوح الكبانة.
فالثبات الأسطوري من المقاتلين هناك يبقي على الأمل العنيد، لجميع الثائرين الصابرين في شتى الجهات، ومختلف الجبهات، بأن النصر قريب!!!
فانتصار الثوار في جبهة واحدة، يمنح الثقة المطلوبة لكافّة الجبهات!!! كي يواصلوا طريقهم ويكملوا مشوارهم المبارك في تطهير الأوطان من رجز الطغيان...
الكبانة تلّة أبية، حافظت على طهرها وإبائها. منذ اندلاع الثورة انتفضت ثائرة وحافظت على طهرها فحتى يومنا هذا لم تدنس تربتها أقدام النظام، ولا مرتزقة إيران، ولا الأجندات المأجورة الذين جاؤوا من كل مكان...
عاش أهلها أحرارا؛ وسيبقون أحرارا يدافعون عن حريتهم وكرامتهم مهما عظمت التكاليف، ومهما طال الطريق...
فإن كان في الأرض جبالا راسخة فيها فِلز الحديد، وأخرى فيها فِلز النحاس، وأخرى فيها فلز الذهب، فلا غرو، فإنك يا جبال الكبانة فيك فلز الرجال الأحرار الأطهار الأخيار...
فأهلك صامدون ثابتون مرابطون يعلمون الناس جميعًا دروس الثبات والتضحيات. ويبرهنون للناس كافّة بأن النصر لا يأتي من العَدد والعُدد، وإنما من الإيمان والثبات...
يؤكدون على الحقيقة الخالدة الباقية ما بقي القرءان:
(كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ)/البقرة 249
ستثبت تلك التلة وستبقى شامخة حتى تدرك الأجيال المتعاقبة؛ بأن الحق يعلو، وأنّ إرادة الشعب أقوى من إرادة الجيوش الظالمة الغاشمة...
الكبانة ثابتة، وأعداؤها زائلون! منتصرة وأعداؤها منهومون!
والثورة مستمرة حتى يرحل الظالمون!!!
وما هذا التقدم الذي أحرزه النظام إلا جولة، من جولات كثيرة، والنهاية يحتكرها الصابرون!
لقد انسحب خالد بن الوليد رضي الله عنه في غزوة مؤتة أمام الجحافل الهائلة، محافظا على سلامة المقاتلين! ولما عاد إلى المدينة بدأ النساء والأطفال يحثون على رؤوسهم التراب، يقولون: أنتم الفرّارون، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: بل العكارون (الكرارون).
لقد تآمر أهل الجزيرة العربية كلها على المؤمنين (-قريش، ومن دخل في حلفهم من الأحابيش، وغطفان، واليهود، وقبائل تهامة-يوم الأحزاب، وحتى من كان في حلف النبي وهم بنو قريظة وهم من سكان المدينة، لما أحسوا بأن المسلمين في موقف الضعيف نقضوا العهد وانضموا إلى الأحزاب!!!)
أليست هذه الظروف التي مرّ بها المؤمنون يوم الأحزاب هي هي التي نعيشها اليوم؟!
ألم ينقض العهد أصدقاء الثورة، كما نقض بنوا قريظة عهدهم؟!
لكن ما الذي حدث؟!
لقد استثمر المؤمنون اختلاف رايات العدو، وتضارب مصالحهم، فحاول ضرب بعضهم ببعض!
وهذه الأحزاب التي تحاصرنا يضرب بعضها بعضا، ويحارب بعضها بعضا! وهذه عاجل بشرى الثائرين الصابرين!
لقد أنزل الله نصره على المؤمنين الصابرين يوم الأحزاب، وأصبح المؤمنون أعظم قوّة في الجزيرة العربية، وتحوّلوا من موقف المدافع إلى موقف المهاجم!
وقال عليه الصلاة والسلام: اليوم نغزوهم ولا يغزونا!
لقد انتصر المسلمون يوم الأحزاب! واليوم يثبتون وقريبًا سينتصرون،
وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنقَلَبٍ يَنقَلِبُونَ/227الشعراء.
بقلم أ. أحمد الحاجي