الجمعة 22 نوفمبر 2024 12:04 مـ 20 جمادى أول 1446هـ
رابطة علماء أهل السنة

    أخبار مصر

    مصر | قادة الجيش فوق القانون

    رابطة علماء أهل السنة

    في الذكرى الخامسة للإنقلاب العسكري، وعودة الجيش مرة أخرى إلى السلطة بعد فترة "طلاق" قصيرة، أقر البرلمان المصري قانونا يمنح قادة الجيش وكبار الضباط حصانة مفتوحة ومزايا واسعة، وذلك في مواجهة اتهامات واسعة من حقوقيين مصريين ودوليين لكبار ضباط الجيش والأمن المصري بارتكاب مجازر غير مسبوقة في تاريخ مصر.

    قُدم القانون المحصن للمتورطين في الجرائم من قبل الحكومة وناقشته لجنتا الدفاع والأمن القومي في اجتماع مشترك ظهر أمس الثلاثاء، ثم قدم إلى جلسة برلمانية مفتوحة ليتم إقراره مبدئيا على عجل، دون مسار طويل في انتظار إقراره النهائي في جلسة لاحقة ينتظر أن لا تتأخر طويلا.

    يهدف القانون حسب التصريحات الرسمية إلى تكريم الضباط الذين قدموا أرواحهم فداء للوطن في مرحلة حساسة من تاريخه، ويمثل بالنسبة للمعارضين ونشطاء التواصل الاجتماعي "رشوة" من زعيم الانقلاب عبد الفتاح السيسي لقادة المؤسسة العسكرية، وتمكينا لهم من الإفلات من العقاب. وبينما ينال الضباط تكريماتهم وأنواط الشرف، تتساءل أرامل وأيتام ضحايا العنف في عهد السيسي: أين العدالة؟

    حصانة وامتيازات
    تنص إحدى مواد القانون أنه لا يجوز مباشرة أي إجراء من إجراءات التحقيق أو اتخاذ أي إجراء قضائي بحق أي من كبار ضباط الجيش بشأن أي فعل ارتُكب خلال فترة تعطيل العمل بالدستور -في إشارة إلى إعلان الانقلاب العسكري يوم 3 يوليو/تموز 2013- وحتى تاريخ بداية ممارسة مجلس النواب الحالي مهامه أثناء تأديتهم مهام مناصبهم أو بسببها، إلا بإذن من المجلس الأعلى للقوات المسلحة.

    كما يخول هذا القانون -وفقا للمادة الأولى منه- لرئيس الجمهورية حق استدعاء ضباط كبار إلى الجيش للخدمة مدى الحياة. وتنص المادة الثانية منه على أن يعامل "المعاملة المقررة للوزير كل من لم يشغل من كبار قادة القوات المسلحة -المعنيين بهذا القانون- منصب الوزير أو منصبا أعلى، ويتمتع بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء في الحكومة".

    وبالإضافة إلى ذلك يمنح القانون الجديد مزايا ومخصصات واسعة لكبار ضباط الجيش، بينها التمتع بجميع المزايا والحقوق المقررة للوزراء، والتمتع أثناء سفرهم خارج البلاد بالحصانات الخاصة المقررة لرؤساء وأعضاء البعثات الدبلوماسية.

    الإفلات من العقاب
    يمثل القانون في منطوقه الحقوقي عفوا رسميا عن ممارسات قادة المؤسسة العسكرية المصرية في الفترة التي تلت الانقلاب، وهي الفترة التي ارتكبتت فيها انتهاكات ومجازر راح ضحيتها آلاف القتلى والجرحى والمصابين، خصوصا في ما عرف بمجزرتي رابعة والنهضة اللتين حدثتا في أحد أشد الأيام قساوة وصعوبة على مناهضي الانقلاب في مصر، وكان وفق كثيرين أبرز أيام الدم والموت في مصر الحديثة، ووصفته هيومن رايتس ووتش بأنه "إحدى أكبر وقائع القتل الجماعي لمتظاهرين سلميين في يوم واحد في تاريخ العالم الحديث".

    لا يوضح القانون في مواده وحيثياته الخلفيات القانونية والإنسانية التي أجازت لمجلس النواب طي إحدى أكثر الصفحات إثارة للغط والجدل في الماضي وربما في المستقبل، خصوصا في ظل تقارير حقوقية موثقة تعرضت لحجم الانتهاكات، ودعاوى قضائية دولية يصر أصحابها على معرفة الحقيقة وإقرار العدالة بشأن ما حدث.

    واكتفت اللجنة المشكلة من البرلمان لإعداد القانون في إطار تبريرها له بالقول "هؤلاء القادة من أبناء مصر الأوفياء، قدموا أرواحهم فداء لأمن مصر واستقرارها، ومصالحها، خلال أيام تاريخية، وفي مواجهة تحديات متعددة واجهت مصر وشعبها"، مضيفةً أن "مصر لا تبخل عليهم بأي عطاء أو تكريم أو تأمين يستحقونه".

    ولكن المتحدث باسم جماعة الإخوان المسلمين طلعت فهمي اعتبر القانون بمثابة "استمرار لجرائم العسكر الذي انقلب على الشرعية منذ خمس سنوات، وتقنين للجريمة وتحصين للقتلة"، مضيفا للجزيرة أن القانون يوحي أيضا بحالة من التخوف من المستقبل لدى النظام الحاكم.

     

    ثمن الصمت
    واعتبر مغردون أن السيسي يهدف من وراء القانون الجديد إلى شراء ولاء المؤسسة العسكرية وضمان استمرار وقوفها خلفه، وحماية نظامه من أي انقلاب أو تذمر، على اعتبار أن المؤسسة العسكرية تبقى الحامية الوحيدة له في ظل ازدياد التذمر الشعبي ضده مع ما يصفها أحدهم "بأنهار الدماء" وموجات الغلاء التي تضرب البلد باستمرار.

    ولكن رئيس حزب الأصالة المصري إيهاب شيحة قال في تغريدة له إنه "رغم أن قانون تحصين كبار قادة الجيش ماليا بالمعاملة كوزراء في الحكومة وقضائيا بعدم المساءلة وخارجيا بالتعامل كرؤساء بعثات دبلوماسية؛ يؤكد على الحالة الداخلية فيما بينهم، فإن الأمر يبدو أكبر من مجرد شراء سكوتهم. وماذا عن القيادات المتوسطة؟!.. دولة يوليو (تموز) إلى زوال".

    وصدرت في السنوات الماضية عدة قوانين وتشريعات ومراسيم تمنح ضباط المؤسسة العسكرية امتيازات خاصة عن بقية الشعب الأخرى، حيث صدر عام 2001 قانون يجعل أعضاء المجلس اﻷعلى للقوات المسلحة قيد الاستدعاء بعد بلوغهم سن المعاش. وصدر لاحقا قانون آخر يؤكد اختصاص القضاء العسكري دون غيره بنظر قضايا الكسب غير المشروع التي تقع من ضباط القوات المسلحة ولم يبدأ التحقيق فيها إلا بعد إحالتهم للتقاعد.

    وفي يونيو/حزيران 2017 وافق مجلس النواب المصري على إقرار زيادة في معاشات العسكريين هي الثامنة خلال ثلاث سنوات. وفي الشهر الماضي وافق المجلس أيضا على مشروع قانون مقدم من الحكومة بزيادة جديدة لمعاشات العسكريين بنسبة 15% اعتباراً من أول يوليو/تموز 2018.

    وأدت تلك الاستثناءات إلى تصاعد الحنق الشعبي باتهام النظام بإيثار رجالات الجيش والشرطة والقضاء على بقية المواطنين، فبينما يتم إقرار زيادات في الرواتب والامتيازات باستمرار لصالح ثالوث الجيش والقضاء والأمن، يستأثر المواطن البسيط وحده بميزات أخرى تتعلق بدفع فواتير الغلاء وزيادات الأسعار التي طالت أغلب السلع والخدمات الأساسية.

    ولا تقتصر الامتيازات التي تتراكم في جيوب الضباط المصريين على زيادات الرواتب والمنح، بل تشمل أيضا المؤسسات والشركات التابعة للقوات المسلحة.

    وكشف تحقيق مطول بثته وكالة رويترز في مايو/أيار الماضي عما يشبه "عصرا ذهبيا" تعيشه الشركات التابعة للقوات المسلحة المصرية في عهد السيسي الذي منحها امتيازات ودعما كبيرا جعلها تأخذ حصة كبيرة من السوق المصري.

    وتحدث التقرير باستفاضة عن الازدهار غير المسبوق الذي تعيشه استثمارات شركات التصنيع العسكري المصرية، وكيف باتت تنافس شركات القطاع الخاص التي يشكو الكثير منها مما تراه منافسة غير عادلة تتعرض لها من شركات الجيش المصري.

    وفي المجمل تمثل تلك الامتيازات الواسعة بما فيها القانون الجديد -وفقا لمحللين- جزءا من تفاهمات واسعة بين الرئيس السيسي ومجموعة الضباط الكبار المحيطين به، حيث سيكون إغراقهم بالمال والحصانة والامتيازات المعنوية سندا لحمايتهم من أمواج الدم التي أغرقوا فيها مصر الكنانة خلال السنوات الأخيرة.

    مصر الجيش فوق القانون البرلمان الدستور الانقلاب العسكري

    أخبار