فقه الموت.. عن علماء السلطان وكهنة البلاط
الأستاذ مصعب الأحرار رابطة علماء أهل السنةﺭﺑﻤﺎ ﻳﻮﻣﺎً ﻣﺎ ﻭﺟﺪﺕ ﻧﻔﺴﻚ ﻣﺎﻛﺚٌ ﻭﻟﻮ ﻟﺪﻗﺎﺋﻖ ﺑﻴﻦ ﻳﺪﻱ ﺃﺣﺪﻫﻢ ﻳﺘﺴﻠﻖ ﻣﻨﺒﺮﺍً ﻭﻳﺤﺪﺙ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻋﻦ ﺷﻲﺀ ﺍﺷﻤﺄﺯﺕ ﻣﻨﻪ ﻧﻔﺴﻚ، ﻭﺭﺑﻤﺎ ﻣﺎ ﻳﺰﻳﺪﻙ اﻧﺪﻫﺎﺷﺎً، ﺇﺳﺘﺨﺪﺍﻣﻪ ﻟﻸﺣﺎﺩﻳﺚ ﺍﻟﻨﺒﻮﻳﺔ ﻭﺑﻌﺾ ﺍﻵﻳﺎﺕ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺪﻟﻴﻞ ﻋﻠﻰ ﻣﺎ ﻳﻘﻮﻝ.
ﺇﻧﻨﺎ ﻫﻨﺎ ﺃﻣﺎﻡ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻛﺎﻥ ﻟﻬﺎ أﺛﺮ ﺟﻢّ ﻭﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺸﻮﻳﻪ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺪﻳّﻦ ﻭﻃﻤﺲ ﺟﻮﻫﺮﻩ ﺍﻟﻘﻮﻳﻢ ﺍﻟﻤﺘﻨﺎﺳﻖ ﻣﻊ ﺍﻟﻔﻄﺮﺓ ﺍﻟﺒﺸﺮﻳﺔ ﺍﻟﺴﻠﻴﻤﺔ، ﻓﻤﺎ ﻫﻲ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺘﻨﺎﻭﻟﻬﺎ ﻫﻨﺎ؟
ﻳﺴﻤﻴﻬﺎ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻤﻌﺎﺻﺮﻭﻥ ﻭﺑﻌﻀﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﻔﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ ﺏ (ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ)، ﻟﻜﻨﻲ ﻫﻨﺎ ﺃﺭﺩﺕ اﺳﺘﺨﺪﺍﻡ ﻣﺼﻄﻠﺢ ﻳﺪﻝ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻤﻜﻨﻮﻥ ﺍﻟﻔﻜﺮﻱ ﺍﻟﺨﺒﻴﺚ ﻟﺘﻠﻚ ﺍﻟﻈﺎﻫﺮﺓ ﺍﻟﺸﺮﻳﺮﺓ ﻓﺎﺧﺘﺮﺕ ﻟﻬﺎ اﺳﻤﺎً ﻟﻠﺤﺪﻳﺚ ﺗﺤﺘﻪ ﻭﻫﻮ (ﻓﻘﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ).
ﻳﻨﺸﺄ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻘﻪ، ﺍﻟﺬﻱ ﻣﺴﻌﺎﻩ ﺍﻷﻭﻝ ﺗﺜﺒﻴﻂ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﻭﺗﻤﻮﻳﺖ ﺍﻟﻘﻠﻮﺏ ﻭﺑﺚ ﺍﻟﺴﻤﻮﻡ ﻓﻲ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺟﻌﻠﻬﺎ ﺃﻣﺔ ﺧﺎﻣﻠﺔ ﻻ ﺗﺄﻣﺮ ﺑﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﻻ ﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ ﻣﻨﻜﺮ، ﻳﻨﺸﺄ ﻏﺎﻟﺒﺎً ﺑﺠﺎﻧﺐ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺍﻟﻘﺎﻫﺮﺓ ﻭﻳﺨﺮﺝ ﻣﻦ ﺳﺮﺩﺍﺑﻬﺎ، ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺳﺘﻮﻟﺖ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﺍﻷﻫﻮﺍﺀ ﻭﺍﻟﺸﻬﻮﺍﺕ ﻭﺗﻜﺮﺱ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﻓﺮﺥ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻹﺳﺘﺒﺪﺍﺩ، ﻭﻛﻤﺎ ﻳﻄﻠﻖ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﻋﺒﺪﺍﻟﺴﻼﻡ ﻳﺎﺳﻴﻦ ﺏ (ﻓﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻌﺾ ﻭﺍﻟﺠﺒﺮ) ﺃﻱ ﻓﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻤﻠﻚ ﺍﻟﻌﻀﻮﺩ ﻭﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺠﺒﺮﻱ.
ﺇﻧﻬﻢ ﻳﺨﺮﺟﻮﻥ ﻣﻦ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﻌﺒﺎﺀﺓ ﺍﻟﻈﺎﻟﻤﺔ ﻟﺘﺸﻮﻳﻪ ﻣﻌﺎﻟﻢ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻋﻨﺪ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﻢ استخفاﻓﻬﺎ، ﻭﺗﺤﻮﻳﺮ ﻣﻌﺎﻧﻴﻪ، ﻭﺍﻟﻤﺤﺎﻭﻟﺔ ﺍﻟﺤﺜﻴﺜﺔ ﺍﻟﻤﺼﻄﻨﻌﺔ ﻹﺧﺮﺍﺝ ﺻﻮﺭﺓ ﺗﻌﺒﺮ ﻋﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ، ﻭﻣﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺇﻻ ﻛﺬﺑﺔ ﺗﻢ ﺗﻠﻔﻴﻘﻬﺎ ﻟﺨﺪﺍﻉ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻭﺟﺮﻫﺎ ﻟﻺﺫﻋﺎﻥ ﻟﺘﻬﻨﺄ ﻗﻮﺍﻓﻞ ﺍﻟﻤﺴﺘﺒﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻨﻬﺐ ﻭﺍﻟﺴﻠﺐ ﻭﺍﻟﻘﺘﻞ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻈﻞ ﺍﻟﺸﻌﻮﺏ ﻣﺨﺪﺭﺓ بفقه ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻓﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﺍﻟﺬﻱ ﻭﺟﺪﻭﺍ ﻣﻦ اﺳﺘﺨﻔﺎﻑ ﺍﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻟﻐﺎﻓﻠﺔ ﻣﻴﺪﺍﻧﺎً ﻟﻤﻤﺎﺭﺳﺔ ﺍﻟﺨﺒﺚ ،ﻭﺍﻷﻛﻞ ﻣﻦ ﻓﺘﺎﺕ ﺍﻟﻄﻐﻴﺎﻥ، ﻭﻛﻞ ﺫﻟﻚ ﺗﺤﺖ ﻋﺒﺎﺀﺓ ﺗُﻨﺴﺐ ﻟﻠﺪﻳﻦ، ﻭﺍﻟﺪﻳﻦ ﻣﻨﻬﺎ ﺑﺮﺉ، ﺑﺮﺍﺀﺓ ﺍﻟﺬﺋﺐ ﻣﻦ ﺩﻡ ﺑﻦ ﻳﻌﻘﻮﺏ.
ﻓﻬﻞ ﻳﺎ ﺗﺮﻯ ﻟﻺﺳﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺃﺻﻼً ﻹﻗﺎﻣﺔ ﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺑﺜﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﻣﺘﺨﻠﻼً ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺘﻠﻚ ﺍﻟﺼﻮﺭﺓ ﺍﻟﻤﻨﺒﺘﺔ ﻋﻦ أﺩﻧﻰ ﺍﻷﺻﻮﻝ ﺍﻟﻘﻴﻤﻴﺔ ﻣﻦ ﺻﻮﻥ ﺃﺑﺴﻂ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻭﺣﻔﻆ ﺍﻟﺤﺮﻣﺎﺕ؟
ﻭﻫﻞ ﻷﻣﺔ ﺑﻌﺜﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﻟﺘأﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺗﻨﻬﻰ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﻭﺟﻌﻞ ﻓﻲ ﺫﻟﻚ ﺧﻴﺮﻳﺘﻬﺎ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟﻤﻴﻌﺎً ﺃﻥ ﺗﻨﺒﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﺗﻠﻚ ﺍﻟﺒﺬﻭﺭ ﺍﻟﺸﺮﻳﺮﺓ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺒﺚ ﺍﻟﺴﻤﻮﻡ ﻭﺗﺪﻋﻮﺍ ﺍﻟﻤﻈﻠﻮﻣﻴﻦ ﻟﻠﻨﻜﻮﺹ ﻋﻦ ﻣﻈﺎﻟﻤﻬﻢ ﻭﺗﺼﻒ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻨﻜﻮﺹ ﻭﺍﻟﻘﻌﻮﺩ، ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ ﺑﺎﻹﻣﻜﺎﻥ ﻧﻴﻞ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ، ﺑﺄﻧﻪ ﺻﺒﺮ ﻭﺍﺣﺘﺴﺎﺏ ﺑﻴﻨﻤﺎ ﺗﻌﻴﺚ ﻋﺼﺎﺑﺎﺕ ﺍﻹﺳﺘﺒﺪﺍﺩ ﺍﻧﺘﻬﺎﻛﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺜﺮﻭﺍﺕ ﻭﺗﻮﻏﻞ ﻇﻠﻤﺎً ﻓﻲ ﺍﻟﺨﻠﻖ ﺑﻼ ﺣﺴﻴﺐ ﻭﻻ ﺭﻗﻴﺐ ﺃﺭﺿﻲ ﻳﺼﻮﺏ ﺍﻟﻤﺴﻴﺮ ﻭﻳﻘﻴﻢ ﺍﻟﺤﻖ؟
ﺭﺑﻤﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺫﻟﻚ ﻓﻲ ﺗﺼﻮﺭﺍﺕ ﺃﺧﺮﻯ ﻏﻴﺮ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﺍﻟﺬﻱ ﺟﺎﺀ ﺑﻪ ﺍﻟﻠﻪ ﺭﺣﻤﺔ ﻟﻠﺒﺸﺮﻳﺔ ﻻ ﺇﻃﺎﺭﺍً ﻭﺣﺎﻣﻴﺎً ﻟﻠﻤﺠﺮﻣﻴﻦ ﺍﻟﺴﺎﻋﻴﻦ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﻓﺴﺎﺩﺍً ﻭﺗﺨﺮﻳﺒﺎً .
ﻗﺎﻝ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “ﻟَﻘَﺪْ ﺃَﺭْﺳَﻠْﻨَﺎ ﺭُﺳُﻠَﻨَﺎ ﺑِﺎﻟْﺒَﻴِّﻨَﺎﺕِ ﻭَﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﻣَﻌَﻬُﻢُ ﺍﻟْﻜِﺘَﺎﺏَ ﻭَﺍﻟْﻤِﻴﺰَﺍﻥَ ﻟِﻴَﻘُﻮﻡَ ﺍﻟﻨَّﺎﺱُ ﺑِﺎﻟْﻘِﺴْﻂِ ۖﻭَﺃَﻧﺰَﻟْﻨَﺎ ﺍﻟْﺤَﺪِﻳﺪَ ﻓِﻴﻪِ ﺑَﺄْﺱٌ ﺷَﺪِﻳﺪٌ ﻭَﻣَﻨَﺎﻓِﻊُ ﻟِﻠﻨَّﺎﺱِ ﻭَﻟِﻴَﻌْﻠَﻢَ ﺍﻟﻠَّﻪُ ﻣَﻦ ﻳَﻨﺼُﺮُﻩُ ﻭَﺭُﺳُﻠَﻪُ ﺑِﺎﻟْﻐَﻴْﺐِ ۚﺇِﻥَّ ﺍﻟﻠَّﻪَ ﻗَﻮِﻱٌّ ﻋَﺰِﻳﺰٌ”.
لن يتسلق المنابر قوم يبثون هذه السموم ويناصرون الظالم على المظلوم، ثم يكذبون على المظلوم بالتفريط في حقه باسم الإسلام، إلا إذا كان هناك شرخ عميق في فهم طبيعة الدين.
ﺫﻛﺮ ﺍﻻﺳﺘﺎﺫ ﺳﻴﺪ ﻗﻄﺐ ﻣﺘﻬﺠﻤﺎً ﻋﻠﻰ ﻓﻘﻬﺎﺀ ﺍﻟﺠﻮﺭ ﻭﻧﺎﺷﺮﻱ ﻓﻘﻪ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﺍﻟﺘﻤﻮﻳﺖ ﻗﺎﺋـﻼً: ﻭﻛﻢ ﻣﻦ ﻋﺎﻟﻢ ﺩﻳﻦ ﺭﺃﻳﻨﺎﻩ ﻳﻌﻠﻢ ﺣﻘﻴﻘﺔ ﺩﻳﻦ ﺍﻟﻠﻪ ﺛﻢ ﻳﺰﻳﻎ ﻋﻨﻬﺎ، ﻭ ﻳﻌﻠﻦ ﻏﻴﺮﻫﺎ، ﻭﻳﺴﺘﺨﺪﻡ ﻋﻠﻤﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﺘﺤﺮﻳﻔﺎﺕ ﺍﻟﻤﻘﺼﻮﺩﺓ، ﻭﺍﻟﻔﺘﺎﻭﻯ ﺍﻟﻤﻄﻠﻮﺑﺔ ﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻷﺭﺽ ﺍﻟﺰﺍﺋﻞ، ﻳﺤﺎﻭﻝ ﺃﻥ ﻳﺜﺒّﺖ ﺑﻬﺎ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺴﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻤﻌﺘﺪﻱ ﻋﻠﻰ ﺳﻠﻄﺎﻥ ﺍﻟﻠﻪ ﻭﺣﺮﻣﺎﺗﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺭﺽ ﺟﻤﻴﻌﺎً، ﻟﻘﺪ ﺭﺃﻳﻨﺎ ﻣﻦ ﻫﺆﻻﺀ ﻣﻦ ﻳﻌﻠﻢ ﻭﻳﻘﻮﻝ: ” ﺇﻥ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ ﺣﻖ ﻣﻦ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻠﻪ ﺳﺒﺤﺎﻧﻪ؛ ﻣﻦ ﺍﺩﻋﺎﻩ ﻓﻘﺪ ﺍﺩﻋﻰ ﺍﻷﻟﻮﻫﻴﺔ، ﻭ ﻣﻦ ﺍﺩﻋﻰ ﺍﻷﻟﻮﻫﻴﺔ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ، ﻭ ﻣﻦ ﺃﻗﺮ ﻟﻪ ﺑﻬﺬﺍ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺎﺑﻌﻪ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻘﺪ ﻛﻔﺮ ﺃﻳﻀﺎً “، ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ – ﻣﻊ ﻋﻠﻤﻪ ﺑﻬﺬﻩ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻳﻌﻠﻤﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﺑﺎﻟﻀﺮﻭﺭﺓ – ﻓﺈﻧﻪ ﻳﺪﻋﻮ ﻟﻠﻄﻮﺍﻏﻴﺖ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﻳﺪّﻋﻮﻥ ﺣﻖ ﺍﻟﺘﺸﺮﻳﻊ، وﻳﺪّﻋﻮﻥ ﺍﻷﻟﻮﻫﻴﺔ ﺑﺎﺩﻋﺎﺀ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺤﻖ، ﻣﻤﻦ ﺣﻜﻢ ﻋﻠﻴﻬﻢ ﻫﻮ ﺑﺎﻟﻜﻔﺮ، ﻭﻳﺴﻤﻴﻬﻢ “ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﻴﻦ”، ﻭﻳﺴﻤﻲ ﻣﺎ ﻳﺰﺍﻭﻟﻮﻧﻪ ﺇﺳﻼﻣﺎ ﻻ ﺇﺳﻼﻡ ﺑﻌﺪﻩ”.
ﺇﺫﺍ ﻧﺤﻦ ﺃﻣﺎﻡ ﻇﺎﻫﺮﺓ ﻛﺎﻥ ﻭﻻ ﺯﺍﻝ ﻟﻬﺎ أﺛﺮ ﻛﺒﻴﺮ ﻓﻲ ﺇﻧﺤﺮﺍﻑ ﻋﻤﻴﻖ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ ﺍﻟﻘﻴﻤﻴﺔ ﻟﻸﻣﺔ، فاﻧﺘﺸﺎﺭ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻬﻢ ﻭﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺘﻤﻮﻳﺘﻲ ﺍﻟﺘﺜﺒﻴﻄﻲ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻘﺘﻞ ﺍﻷﻓﻖ، ﻫﻮ ﺃﺣﺪ ﺍﻷﺳﺒﺎﺏ ﺍﻟﺘﻲ أﺩّﺕ ﺑﺎﻷﻣﺔ ﻟﻠﺘﺮﺍﺟﻊ ﻭﺍﻟﺘﻘﻬﻘﺮ ﻓﻲ ﻣﺴﻴﺮﺗﻬﺎ، ﻭﺷﻜﻞ ﺫﻟﻚ ﺧﻠﻼً ﻓﻲ ﺷﻌﻮﺑﻨﺎ ﺍﻹﺳﻼﻣﻴﺔ ﻋﺒﺮ ﺗﺴﻠﻞ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﺪﻋﻮﺍ ﻟﻺﺳﺘﺴﻼﻡ ﻟﺪﻭﻝ ﺍﻟﺒﻄﺶ ﻭﺣﻜﺎﻡ ﺍﻟﻌﺾ ﻭﺍﻟﺠﺒﺮ، ﺗﺴﻠﻠﻪ ﻟﺠﻤﺎﻫﻴﺮ ﺍﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﺃﻋﺎﻟﻲ ﺍﻟﺴﻠﻄﺔ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺳﺮﺍﺩﻳﺒﻬﺎ ﻭأﺩﻭﺍﺗﻬﺎ ﺍﻟﻤﺘﻤﺜﻠﺔ ﻓﻲ ﻋﻠﻤﺎﺀ ﺍﻟﻔﻘﻪ ﺍﻟﺬﻱ ﻳﻄﻮﻋﻮﻥ ﺍﻟﻨﺼﻮﺹ ﻭﻳﻠﻮﻭﻥ ﺃﻋﻨﺎﻗﻬﺎ ﻟﺘﺘﻜﻴﻒ ﻣﻊ ﻫﻮﻯ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺍﻟﺠﺒﺮﻱ ﺫﻭ ﺍﻟﺸﻮﻛﺔ ﺍﻟﺘﺴﻠﻄﻴﺔ ﺍﻟﺤﻘﻴﺮﺓ.
ﻟﻘﺪ ﻗﺎﻡ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺪﻳﻦ ﻳﻮﻡ ﻗﺎﻡ ﻋﻠﻰ ﺃﺳﺲ ﺍﻟﺮﺷﺪ ﻭﻗﻴﻢ ﺍﻟﻬﺪﻯ ﻭﻣﻨﺎﺑﺖ ﺍﻟﺮﺣﻤﺔ ﻭﺍﻟﻌﺪﻝ ﻭﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺸﻮﺭﻯ ﻭﻣﺤﺎﺭﺑﺔ ﺍﻟﺒﻄﺶ ﻭﺍﻟﻈﻠﻢ، ﻭﻟﻢ ﻳﻜﻦ ﺍﻹﺳﻼﻡ ﻳﻮﻣﺎً ﻧﺼﻴﺮﺍً ﻟﻠﺮﻛﻮﻥ ﻭﺍﻟﻘﻌﻮﺩ ﻭﺍﻟﻤﺴﻜﻨﺔ ﺍﻟﻘﺎﺗﻠﺔ ﺍﻟﻤﻤﻴﺘﺔ، ﻭﺍﻟﻠﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ ﻳﻘﻮﻝ: “ﻭَﻟَﺎ ﺗَﺮْﻛَﻨُﻮﺍ ﺇِﻟَﻰ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﻇَﻠَﻤُﻮﺍ ﻓَﺘَﻤَﺴَّﻜُﻢُ ﺍﻟﻨَّﺎﺭُ ﻭَﻣَﺎ ﻟَﻜُﻢ ﻣِّﻦ ﺩُﻭﻥِ ﺍﻟﻠَّﻪِ ﻣِﻦْ ﺃَﻭْﻟِﻴَﺎﺀَ ﺛُﻢَّ ﻟَﺎ ﺗُﻨﺼَﺮُﻭﻥَ“.
ﻟﻘﺪ ﺣﺬﺭ ﺍﻟﻠﻪ ﺍﻷﻣﺔ ﻣﻦ ﻋﻮﺍﻗﺐ ﺍﻟﺮﻛﻮﻥ ﻭﺍﻟﺨﻀﻮﻉ ﻟﻠﻈﻠﻢ ﺍﻟﻌﺎﻡ ﻭﺍﻟﺮﺿﻮﺥ ﻟﻠﻘﻬﺮ ﺗﺤﺬﻳﺮﺍً ﻛﺄﻧﻪ ﻧﺬﻳﺮ ﺑﻌﻮﺍﻗﺒﻪ ﺍﻟﻮﺧﻴﻤﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺗﺪﻣﺮ ﻛﻴﺎﻥ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﻳﻐﻴﺐ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻟﺤﻖ ﻭﺗﺘﻼﺷﻰ ﻓﻴﻬﺎ ﺍﻷﺧﻼﻕ ﻭﻳﺴﻮﺩ ﺍﻟﻈﻠﻢ ﻭﺍﻟﻐﺶ ﻓﺘﻨﻬﺎﺭ ﺑﻨﻴﺔ ﺍﻷﻣﺔ ﻭﺗﻔﻘﺪ ﻋﻮﺍﻣﻞ ﺍﻟﺼﻼﺡ ﺍﻟﺘﻲ ﻣﻨﺤﻬﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻬﺎ ﻭﺳﺎﻡ ﺍﻟﺨﻴﺮﻳﺔ ﻋﻠﻰ ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻷﻣﻢ، ﻭﻫﻮ ﺍﻷﻣﺮ ﺑﺎﻟﻤﻌﺮﻭﻑ ﻭﺍﻟﻨﻬﻲ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﻜﺮ ﻭﺍﻟﺘﻨﺎﺻﺢ ﺑﺎﻟﺤﻖ ﻭﺍﻟﺘﻮﺍﺻﻲ ﺑﻪ ﻛﻤﺎ ﻓﻲ ﻗﻮﻟﻪ ﺗﻌﺎﻟﻰ: “ﻭَﺍﻟْﻌَﺼْﺮِ (1) ﺇِﻥَّ ﺍﻟْﺈِﻧﺴَﺎﻥَ ﻟَﻔِﻲ ﺧُﺴْﺮٍ (2) ﺇِﻟَّﺎ ﺍﻟَّﺬِﻳﻦَ ﺁﻣَﻨُﻮﺍ ﻭَﻋَﻤِﻠُﻮﺍ ﺍﻟﺼَّﺎﻟِﺤَﺎﺕِ ﻭَﺗَﻮَﺍﺻَﻮْﺍ ﺑِﺎﻟْﺤَﻖِّ ﻭَﺗَﻮَﺍﺻَﻮْﺍ ﺑِﺎﻟﺼَّﺒْﺮِ(3).
وكذلك قوله تعالى:”كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم ۚ مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ“.
ختاماً.. إن التفريط في تلك القيم العظمى السامية النبيلة هو أحد الأبواب الخطيرة التي تفتح المجال لتسرب مثل هذا الفهم المحوّر لمعاني الدين، ولن يتسلق المنابر قوم يبثون هذه السموم ويناصرون الظالم على المظلوم ثم يكذبون على المظلوم بالتفريط في حقه باسم الإسلام إلا إذا كان هناك شرخ عميق في فهم طبيعة الدين نفسه لدى الجمهور المتلقي.
فالإسلام الذي طبعه إلحاق الرحمة بالعالمين لا يمكن أن يحوي هذا النوع المميت من الفقه.
فالجمهور إذاً هو من يمسك بالزمام ومتى كان مستخفاً فإنه يفتح الباب لتسلل فقه الموت وتسرّبه للمنظومة الأخلاقية للأمة، بينما تتحصن الأمة عبر فقهاء الحق القابضون على نواصيه الذي يكونون نصيراً لقضايا الحق فهم من نبع الله شربوا وعلى نهج القرآن تربّوا.