الشيخ فيصل بن عبدالعزيز آل مبارك
رابطة علماء أهل السنة
من كتاب المرتع المشبع في مواضع من الروض المربع
قوله: (ويُباح له، أي: لمن أراد خِطبة امرأة، وغلب على ظنه إجابته نظر ما يظهر غالباً...) إلى آخره[1].
قال في «الإفصاح»: «واتفقوا على أن من أراد تزويج امرأةً فله أن ينظر منها ما ليس بعورة[2]، إلا أن مالكاً[3] شرط في جواز ذلك: ألّا يكون على إغفالٍ»[4].
وقال ابن رشد: «وأما النظر إلى المرأة عند الخطبة فأجاز ذلك مالك[5] إلى الوجه والكفين فقط، وأجاز ذلك غيره إلى جميع البدن عدا السوءتين، ومَنَعَ ذلك قومٌ على الإطلاق.
وأجاز أبو حنيفة[6] النظرَ إلى القدمين مع الوجه والكفين.
والسبب في اختلافهم: أنه وَرَدَ الأمرُ بالنظر إليهنَّ مطلقاً، وَرَدَ بالمنع مطلقاً، وَرَدَ مقيداً – أعني: بالوجه والكفين – على ما قاله كثير من العلماء في قوله تعالى: ﴿ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا ﴾ [النور: 31]: إنه الوجه والكفان، وقياساً على جواز كشفهما في الحج – عند الأكثر – ومن مَنَعَ تمسَّك بالأصل، وهو تحريم النظر إلى النساء»[7].
وقال البخاري: «(باب النظر إلى المرأة قبل التزويج).
وذكر حديث عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أُريتكِ في المنام يجيء بك الملك في سَرَقَةٍ من حريرٍ فقال لي: هذه امرأتك، فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي، فقلت: إن يكُ هذا من عند الله يمضه)[8].
قال الحافظ: قوله: «(باب النظر إلى المرأة قبل التزويج)، استنبط البخاري جواز ذلك من حديثي الباب؛ لكون التصريح الوارد في ذلك ليس على شرطه.
وقد وَرَدَ ذلك في أحاديث، أصحها: حديث أبي هريرة: قال رجل: إنه تزوَّج امرأةً من الأنصار، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنظرتَ إليها؟)، قال: لا، قال: (فاذهب فانظر إليها، فإن في أعين الأنصار شيئاً)، أخرجه مسلم... إلى أن قال: الحديث الثاني: حديث سهل في قصة الواهبة، والشاهد منه: للترجمة قوله فيه: (فصعَّد النظرَ إليها وصوَّبَهُ)»[10].
وقال البخاري أيضاً: «(باب قول الرجل لأخيه: انظر أيَّ زوجتي شئت حتى أنزل لك عنها، رواه عبد الرحمن بن عوفٍ).
حدثنا محمد بن كثيرٍ، عن سفيان، عن حميدٍ الطويل قال: سمعت أنس بن مالكٍ، قال: قدم عبد الرحمن بن عوفٍ، فآخى النبي صلى الله عليه وسلم بينه وبين سعد بن الربيع الأنصاري، وعند الأنصاري امرأتان، فعرض عليه أن يناصفه أهله وماله، فقال: بارك الله لك في أهلك ومالك، دلُّوني على السوق، فأتى السوق، فربح شيئاً من أقِطٍ وشيئاً من سمنٍ، فرآه النبي صلى الله عليه وسلم بعد أيامٍ وعليه وضرٌ من صفرةٍ، فقال: (مَهْيَمْ يا عبد الرحمن؟)، فقال: تزوجت أنصاريةً، قال: (فما سقت؟)، قال: وزن نواةٍ من ذهبٍ، قال: (أولم ولو بشاةٍ)[11]».
قال الحافظ: «قوله: (باب قول الرجل لأخيه: انظر أيَّ زوجتيّ شئتَ حتى أنزل لك عنها)، هذه الترجمة لفظ حديث عبد الرحمن بن عوف في البيوع[12]، وأورده في فضائل الأنصار، وقال: انظر أعجبهما إليك فسمِّها لي أُطلقها، فإذا انقضت عدتها فتزوجها[13].
ويأتي في الوليمة من حديث أنس بلفظ: (أُقاسمك مالي، وأنزل لك عن إحدى امرأتي)[14].
وفيه: ما كانوا عليه من الإيثار حتى بالنفس والأهل، وفيه: جواز نظر الرجل إلى المرأة عند إرادة تزويجها، وجواز المواعدة بطلاق المرأة، وسقوط الغيرة في مثل ذلك، وتنزُّه الرجل عما يُبذل له من مثل ذلك، وترجيح الاكتساب بنفسه بتجارةٍ أو صناعةٍ.
وفيه: مباشرة الكبار التجارة بأنفسهم مع وجود من يكفيهم ذلك من وكيلٍ وغيره، وقد أخرج الزبير بن بكار في «الموفقيات» من حديث أم سلمة، قالت: خرج أبو بكر الصديق رضي الله عنه تاجراً إلى بُصرى في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ما منع أبا بكر حُبّه لملازمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا منع النبي صلى الله عليه وسلم حُبّه لقرب أبي بكر عن ذلك؛ لمحبتهم في التجارة[15]، هذا أو معناه، وبقية الحديث في قصة سويبط بن حرملة، والنعيمان، وأصلها عند ابن ماجه[16] »[17].
قال البوصيري في الزوائد 4/ 115 (1031): هذا إسناد ضعيف، زمعة بن صالح، وإن أخرج له مسلم؛ فإنما روى له مقروناً بغيره، وقد ضعَّفه أحمد وابن معين وأبو حاتم وأبو زرعة وأبو داود والنسائي.