سبعون عاما بحت فيها الحناجر وسالت فيها الدموع، وشاهدنا اللقطات المؤثرة للأئمة الحرمين والناس من خلفهم يلهجون بالدعاء ويجهشون بالبكاء، ثم ها نحن نرى إسرائيل تصل اليوم إلى ذروة مجدها حتى أصبح شياطين العرب يلهثون خلفها جهارا نهارا، وبلادنا في أسفل سافلين، فلماذا لم يستجب الله دعاءنا؟
لقد رأيت صورة نشرها بعض الملحدين تظهر دولة عربية إلى جانب إسرائيل، وكتب عليها مستهزءا سبعون عاما من الدعاء على إسرائيل، وبالفعل أصبحت مثل هذه الشبهات تجد طريقها لضعاف القلوب ليشككوا في وعد الله.
لقد أحس بعض الصحابة رضوان الله عليهم بشيء من الضجر من شدة الضعف والعذاب الذي كان يمسهم به أهل مكة، فأتوا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يتساءلون متى نصر الله، فغضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وذكر لهم ما حل بالأمم قبلهم حتى كان أحدهم ينشر بالمناشير لا يرده ذلك عن دينه، وبشرهم بما وعد الله به عباده المؤمنين من النصر والتمكين. ونزل قوله تعالى ((أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ؟ ألا إن نصر الله قريب))
ولعلك تدخل معي بخيالك إلى شعب بني عامر لترى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم محاصرا مع قومه وهم على غير دينه، فيموت أطفالهم وشيوخهم ولا يجد أحدهم ما يأكل، ويستمر الحال على ذلك ثلاث سنوات كاملات، ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو ؟ ألم يكن الله ليستجيب له في أول أسبوع أو أول شهر؟ بلى ولكن لكل أجل كتاب.
خذ أكثر من ذلك نبي الله نوحا الذي بقي يدعو قومه ويدعو لهم تسع مائة وخمسين عاما، ولا تزيد أموره وأمور المؤمنين معه إلا سوءا وفي الأخير ((وما ءامن معه إلا قليل)) قيل 80 وقيل أقل من ذلك.
حين تعلم سنن الله عز وجل في خلقه، تدرك أن لكل شيء أسبابا، وأن لكل ابتلاء مدة، وأن لكل أجل كتابا، وأن دعاءنا لم يضع ولن يضيع، لكننا سننال نصيبنا مما كتب الله علينا من الابتلاء ليتخذ منا الشهداء ويعلم الصادق من الكاذب، وتتحقق نظرية هذه الحياة الدنيا المبنية في أساسها على الابتلاء ((هو الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم)).
فلا تقطع الدعاء ولا تستسلم لليأس فإن نصر الله آت، ووعده متحقق ((كتب الله لأغلبن أنا ورسلي)) ((إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد)) فاجتهد في الدعاء فإنه مستجاب ولا شك، إلا أن الاستجابة قد تتأخر لحكمة ربانية لا نعلمها نحن. واقرأ معي بتدبر هذه الآيات: ((وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون وانتظروا إنا منتظرون، ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغافل عما تعملون))
حامد الإدريسي