قراءة في ثالوث حميدتي وبازوم وراشد الغنوشي
رابطة علماء أهل السنةقامت قوة عسكرية بالانقلاب على محمد بازوم رئيس النيجر في 26 من يوليو/تموز الماضي، ومع التأكيد أن السبيل الصحيح للوصول للحكم هو صندوق الاقتراع وليس صندوق الذخيرة، فإن الانقلاب الإفريقي الأخير غيّر كثيرًا من صورة المشهد، وأعاد للأذهان صورًا كاد يطويها النسيان، لأن انتفاضة أمريكا وفي ذيلها الغرب “الديمقراطي” تشعرك وكأنه أول انقلاب على رئيس منتخب، أو هو الحادث الأوحد في القارة الفقيرة، في حين أن الانقلابات العسكرية باتت سمة أساسية في قارتنا السمراء، بشقيها العربي والأعجمي، بل إن بعض ضحايا هذه الانقلابات لم تجف دماؤهم بعد، وهناك انقلابات ما زالت رحاها مستعرة حتى الآن!
وكانت ردة الفعل الغربية موحدة ضد انقلاب النيجر، وأنه لا يمكن الاعتراف بالقيادة الجديدة، وإيقاف صور الدعم كلها والمنح الخاصة بالنيجر، وأنه قد تستخدم القوة، وتعلن الحرب في سبيل إعادة الرئيس محمد بازوم إلى سدة الحكم وعودة “المسار الديمقراطي”!
وتكفلت بذلك وهددت به المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا التي تعرف اختصارًا باسم “إيكواس” التي أسست في عام 1975 بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية بين أعضائها الـ15، وتضم المجموعة، ومقرها العاصمة النيجيرية أبوجا كلًا من: بنين، وبوركينا فاسو، وغينيا، وساحل العاج، ومالي، والنيجر، والسنغال، وتوغو، وجميعها تتحدث الفرنسية، إلى جانب دول أخرى تتحدث الإنجليزية والبرتغالية إلى جوار اللغات المحلية.
والمتابع لردود الفعل الأوروبية يشعر كأن الانقلاب وقع على ماكرون، وليس على بازوم، حيث بدا التشنج واضحًا على تصريحات باريس، لا سيما مع موجات طرد فرنسا من دول إفريقيا، التي احتلتها في الماضي، وتسيطر على خيراتها ومقدراتها في الحاضر، والسؤال المطروح: هل هذا موقف فرنسا والاتحاد الأوروبي من الانقلابات العسكرية كلها، أم هو موقف خاص بانقلاب النيجر؟
ولماذا لم تقف كاترين أشتون مع الرئيس المنتخب محمد مرسي؟ كما تقف الآن كاترين كولونا وزيرة خارجية فرنسا مع الرئيس محمد بازوم!
وأين موقف الغرب الديمقراطي من الانقلاب على المجلس التشريعي في تونس؟ وحبس نواب البرلمان، ورئيسه الأستاذ الثمانيني راشد الغنوشي!
كما أنه بالقرب من النيجر، تدور حرب ضروس في السودان، في مشهد انقلابي مركب، آخر صوره انقلاب حميدتي على الدولة، وتمرد قوات الدعم السريع التي يقودها على الجيش، والدخول في حرب عصابات، والتترس بالمدنيين والمنشآت الخدمية، مما جعل أغلبها يخرج عن نطاق الخدمة، واجتمعت دول جوار السودان فسوّت بين مؤسسات الدولة ومجلس السيادة، وبين حركة التمرد التي يقودها قُطاع الطرق، في تناغم مع توجه المجتمع الدولي، الذي لا يريد أي قوة متماسكة في العالم العربي، ويغض الطرف عن أي انقلاب فيه، إن لم يكن من رعاته وحُداته.
الموقف من حميدتي:
تكييف ما قام به حميدتي من الناحية الشرعية هو حالة بغي، وخروج مسلّح على الحاكم، وواجب المسلمين الأخذ على يده ورد بغيه، ومن الناحية القانونية هو تمرّد على القيادة، وسعي لأخذ الحكم بالقوة، وتقويض لمؤسسات الدولة، وهذا الذي يجعلني أقف ضد تمرد حميدتي، وليس رغبة في استمرار عبد الفتاح البرهان الذي هو السبب الرئيس في تنامي قوة حميدتي واستفحال خطره، ولأن قياس المصلحة والمفسدة يجعلنا نوازن بين جنرال مستبد على رأس مجلس السيادة، وبيده مؤسسات الدولة، وبين عسكري مغامر على رأس مليشيا هي مؤهله الوحيد للمنافسة على الحكم، بالإضافة إلى التجارة في تهريب الذهب، وأكد خبراء سودانيون أن محمد بازوم أحد شركاء حميدتي وآل دقلو في ذلك.
ولولا ما يتلقاه حميدتي من دعم إقليمي، يسعى للاستثمار فيه كخليفة حفتر في السودان، لسقط من الأيام الأولى، كما أن ما يصل لحميدتي من دعم سخي، مكّنه من استجلاب عصابات المرتزقة الغربية والإفريقية، وهذا يفسّر حالات النهب والاغتصاب التي وثقتها تقارير دولية، وهي حالة همجية أبعد ما تكون عن صفات شعب السودان بأطيافه كافة، وسيبقى ما حل بالحرائر السودانيات هو الغُل القَمِل، والجرح الذي لن يندمل في تاريخ السودان الحديث، وسيبقى هذا العار يجلل صحيفة حميدتي ومن معه، أو من يقف وراءه، أما منظمات حقوق الإنسان أو جمعيات المرأة، فلن تسمع لهم ركزًا، لأن المغتصبة مسلمة.
وبذلك أصبح مصطلحا "ازدواجية المعايير"، و"كيل الغرب بمكيالين"، غير دقيقين، لأن الغرب فيما أسلفت ذكره لا يتعامل بالمعايير، ولا ينصب أية موازين، وإنما يكيل جزافًا بما يحقق مصالحه، وينمي ثرواته، وأن شعار: “دمّروا الإسلام.. أبيدوا أهله” هو شعار المرحلة.