ليست ظاهرة اغتراب الشباب المسلم عموماً – ومثقفيه ومبدعيه ومفكريه على وجه الخصوص - إلى الدول الغربية بالجديدة الطارئة، كما أن الأخطار الناجمة عن هذا الاغتراب على كافة المستويات؛ الفردية العقدية والأخلاقية والفكرية والنفسية، والأسرية العائلية، وعلى مستوى الأمة جمعاء ليست بالحديثة.
إلا أن تزايد أعداد الشباب المسلم المتوجه إلى القارة العجوز مؤخراً، وتزاحم الآلاف منهم على حدود الدول الأوروبية، بسبب الحرب المستمرة في كل من سورية والعراق وغيرها من دول المنطقة؛ جعل من عنوان المقال سؤالاً يطرح نفسه بقوة الآن، ويستدعي علماء الأمة ودعاتها للإجابة عنه باهتمام، نظراً لخطورة إغفاله وعدم التفاعل معه كما ينبغي ليس على فئة الشباب فحسب، بل وعلى الأمة جمعاء.
وإذا كانت الأخطار التي تتهدد الشباب المسلم المغترب أكثر من أن تحصى، إلا أن أولاها بالاهتمام والمعالجة هي تلك المتعلقة بتحصين شبابنا من قنبلة المثيرات الجنسية في الغرب، والناجمة عن انفلات لباس نسائها وفتياتها من أي قيد ديني أو أخلاقي؛ الأمر الذي يجعل من إشباع ميل الرجل إلى المرأة بغير طريق الزواج الإسلامي أمراً في متناول كل إنسان هناك.
وتأتي ضرورة تقديم حماية شبابنا المغترب من خطر الوقوع في الفاحشة على غيرها من الأخطار الفكرية من كونها لا تحتمل الانتظار أو التأجيل، فقد لا يكون من السهولة بمكان تغيير موروث الشاب المغترب الفكري بمجرد اختلاطه بالمجتمع الغربي ذي الفكر العلماني اللاديني، بينما قد يتأثر سريعاً بمنظومة الفساد الخلقي والعري الصارخ الذي يستثير الشهوة ويؤجج الغريزة.
ولعل ما دفعني للكتابة في هذا الأمر هو تزايد شكوى كثير من الشباب المغترب من شدة المثيرات في الغرب، وكثرة سؤالهم عن أدوية إسلامية لتسكين بركان الشهوة لديهم، وعن أفضل الحلول الناجعة لتحصينهم من الوقوع في الفاحشة، ناهيك عن طلبهم الدائم الدعاء لهم بالتثبيت والحماية من المغريات التي يتعرضون لها هناك، وحاجتهم الماسة والشديدة للزواج والتحصين لمواجهة رياح الشهوة وعواصفها التي لا تهدأ هناك.
ومع الاعتراف بأهمية الدعاء وضرورته في حماية المسلم عموماً من الوقوع في المعاصي والآثام، إلا أن هذا لا يعني التغافل عن الكثير من وسائل الوقاية التي يمكن أن تساعد في حماية شبابنا المغتربين من الوقوع في الفاحشة.
ولعل من أهم هذه الوسائل الآن ما يلي:
1- تسهيل أمور الزواج واقتران الشباب المغترب بالفتيات المسلمات هناك، فموجة الهجرة والنزوح من بلاد الشام إلى الشمال لم تقتصر هذه المرة على الشباب الباحث عن فرصة عمل أو تعليم أفضل فحسب كما كان الأمر سابقاً، بل شملت الكثير من الفتيات أيضاً، فإذا ما التزم أولياء الأمور بتعاليم الإسلام المرغبة بتزويج من يرضون دينه وخلقه من الشباب، فإن ذلك سيساهم بنسبة كبيرة جداً في حماية شباب الأمة من الانحراف والوقوع في الفاحشة.
قد لا تكون هذه الوسيلة سهلة التطبيق كما قد يظن البعض، فكثير من شبابنا المغترب قد هاجر أو نزح وحده، وخلف أهله وأرحامه في الشام أو ربما لم يبق غيره من الأسرة أو العائلة؛ وهو ما يشكل في كثير من الأحيان عائقاً أمام قبول بعض العائلات مصاهرته أو الموافقة على خطبته، وانتظار الخاطب الذي يأتي بصحبة والده أو والدته أو أحد أقاربه على الأقل.
وهنا تزداد محنة هؤلاء ومعاناتهم هناك، وتطول فترة البحث عن فتاة للزواج؛ الأمر الذي قد يكون سبباً في استسلامهم لمغريات المجتمع الغربي الذي يقدم لهم إمكانية إشباع شهوتهم مقابل مخالفتهم لدينهم وتلويثهم لعفتهم.
2- تنبيه الشباب على ضرورة اختيار الأماكن التي تكثر فيها الجالية المسلمة، والتزام المسجد في تلك المنطقة، والبحث فيه عن صحبة صالحة؛ الأمر الذي يساعد الشاب في تكوين بيئة إسلامية تكون بمثابة حائط سد في وجه طغيان الشهوات هناك.
ولا يخفى ما للبيئة الصالحة والصحبة الطاهرة من أثر كبير في حماية شباب الأمة هناك من الانحراف والانزلاق في حمأة الرذيلة ومهاوي الفاحشة.
3- تذكير شبابنا المغترب دائماً بأهمية ملء الوقت بما يفيد وينفع من أمور الدين والدنيا في كبح جماح الشهوة، ومنعها من الاستحواذ على قلوبهم وفكرهم، وتحذيرهم من آفات الفراغ القاتلة هناك، والتأكيد على أن غياب رقابة الأسرة على سلوك الشاب هناك، وعدم وجود أي قيود أو ضوابط اجتماعية على مسألة تفريغ الشهوات، إذا اجتمع مع ساعات الفراغ؛ فإن النتيجة لن تكون بالتأكيد إيجابية.
4- وحتى يحين موعد تحصين الشاب المغترب بالزوجة المسلمة الصالحة، لا غنى له عن التوجيهات النبوية التي ترسم له طريق اجتياز هذه المرحلة بنجاح، وتنير له درب الوصول إلى بر الأمان.
ولعل من أهم هذه التوجيهات:
غض البصر عن الحرام، ففي الحديث عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "اضْمَنُوا لِي سِتًّا مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَضْمَنْ لَكُمْ الْجَنَّةَ: اصْدُقُوا إِذَا حَدَّثْتُمْ وَأَوْفُوا إِذَا وَعَدْتُمْ وَأَدُّوا إِذَا اؤْتُمِنْتُمْ وَاحْفَظُوا فُرُوجَكُمْ وَغُضُّوا أَبْصَارَكُمْ وَكُفُّوا أَيْدِيَكُمْ" (مسند الإمام أحمد برقم/22757 وحسنه الألباني).
وفي صحيح البخاري أن سَعِيدُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ قال لِلْحَسَنِ: إِنَّ نِسَاءَ الْعَجَمِ يَكْشِفْنَ صُدُورَهُنَّ وَرُؤوسَهُنَّ؟! قَالَ: "اصْرِفْ بَصَرَكَ عَنْهُنَّ" (صحيح البخاري برقم/6227).
الاستعانة بالصوم الذي وصفه النبي صلى الله عليه وسلم للشباب الذي لم يستطع الزواج بعد لسبب أو لآخر، ففي الحديث عن عَبْداللَّهِ قال: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَبَابًا لَا نَجِدُ شَيْئًا، فَقَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنْ اسْتَطَاعَ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاء" (صحيح البخاري برقم/5066).
وفي الختام لا بد من التأكيد على ضرورة الاستمرار في طرق هذا الموضوع الخطير على الدوام من قبل الدعاة والمربين، نظراً لكون الحاجة إليه تتفاقم في مثل هذه الأيام، وتزداد معها بالمقابل حاجة الشباب المغترب لمن يساعده في السيطرة على شهواته وضبطها بضوابط الإسلام، والتغلب على نفسه الأمارة بالسوء وشيطانه.