حكم إحياء ليلة عيد الفطر عند المالكية
الدكتور بلخير طاهري - أستاد الشريعة والقانون بجامعة وهران بالجزائر رابطة علماء أهل السنةلاشك أن التقرب الى الله تعالى شيئ محبب، خاصة بما افترض على العبد.
و إن زاد من النوافل، فذاك خير وسبق فضل، ولكن الأفضل منه عندما يكون النفل بما شرع، حتى يكون الإقبال عليه، قائما على اساس من التعبد المنصوص، وضمان الأجر الموفور.
وقد افرد الفقهاء أبوابا في مصنفاتهم الفقهية، حول إحياء ليلة عيد الفطر، وكلها دارت حول الاستحباب، ولا تكاد اقولهم تخرج عن هذا الحكم.
ومما ارتكزوا عليه بعض الآثار التي لم تخلو من مقال، و كانت حجتهم أنها في فضائل الأعمال، فلا يقدح فيها ضعفها مادامت في هذا المجال.
وسوف أقتصر على بعض النقولات في المذهب المالكي، لانها تقريبا كلها متشابهة، وتكاد تكون متطابقة، لفظا وعبارة، وكلها تدور حول الاستحباب، ومن ذلك :
#قال العلامة الحطاب رحمه الله في مواهب الجليل: استحب إحياء ليلة العيد بذكر الله تعالى، والصلاة وغيرها.
#وجاء في حاشية الدسوقي المالكي : ( قوله وندب إحياء ليلته ) أي لقوله عليه الصلاة والسلام { من أحيا ليلة العيد وليلة النصف من شعبان لم يمت قلبه يوم تموت القلوب } ومعنى عدم موت قلبه عدم تحيره عند النزع والقيامة بل يكون قلبه عند النزع مطمئنا , وكذا في القيامة والمراد باليوم الزمن الشامل لوقت النزع ووقت القيامة الحاصل فيهما التحير ".
#وغيرها من شراح كتب المالكية كلها تعلقت بعبارة (وندب إحياء ليلته) أنها على الاستحباب، وكلهم إستانس بالآحاديث الوادة في هذا الباب رغم علتها.
===== مستندهم في ذلك :
#أولا: ما ثبت في سنن ابن ماجه عن أبي أمامة رضي الله عنه عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: (مَنْ قَامَ لَيْلَتَيِ الْعِيدَيْنِ مُحْتَسِبًا لِلَّهِ , لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ).
وكذلك روي عن أبي الدرداء موقوفاً ومرفوعاً وإسناده ضعيف جداً، ضعفه الحافظ ابن حجر وابن شاهين رحمهما الله، وضعفه في مصباح الزجاجة.
قال قال النووي في "الأذكار" : وهو حديث ضعيف رويناه من رواية أبي أمامة مرفوعاً وموقوفاً ، وكلاهما ضعيف انتهى .
وقال الحافظ العراقي في تخريج أحاديث إحياء علوم الدين : إسناده ضعيف .
وقال الحافظ ابن حجر : هذا حديث غريب مضطرب الإِسناد . انظر :"الفتوحات الربانية".
#ثانيا: عن أبي أمامة الباهلي -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: (من أحْيَا ليلتيِ العيدينِ مُحتسبًا لم يمتْ قلبُهُ يومَ تموتُ القلوبُ).
#ثالثا: ما ورد في المعجم الأوسط للطبرانيِّ عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلَّى ليلة الفطر والأضحى لَمْ يَمُتْ قَلْبُهُ يَوْمَ تَمُوتُ الْقُلُوبُ).
قال عنه الهيثمي في "مجمع الزوائد" : رواه الطبراني في الكبير والأوسط وفيه عمر بن هارون البلخي والغالب عليه الضعف ، وأثنى عليه ابن مهدي وغيره ، ولكن ضعفه جماعة كثيرة .
#رابعا: ما جاء في مصنف ابن ابي شيبة : " من كان يقوم ليلة الفطر : حدثنا حفص عن الحسن بن عبيد الله قال كان عبد الرحمن بن الأسود يقوم بنا ليلة الفطر ".
#خامسا: ما نقل الامام المروزي، في كتابه البر والصلة: قال: حدثنا الحسين بن الحسن قال سمعت ابن المبارك يقول : بلغني أنه من أحيا ليلة العيد أو العيدين لم يمت قلبه حين تموت القلوب".
وهذا الكلام عن المروزي مساندا لهذا الحديث { من أحيا ليلة العيد أحيا الله قلبه يوم تموت القلوب } رواه الدارقطني في علله.
#فهذه الأثار كلها ضعيفة كما نص على ذلك أهل الصنعة، ولا تقوم بها حجة في اقامة سنة، وغاية ما يستخلص منها فضل تلك الليلة لما تشرق عليه من فرحة المؤمن بيوم فطره، وإدخال السرور على أهله.
======== #الخلاصة:
والذي أراه أنه يستحب إحياء هذه الليلة، ولكن بالطريقة التي تروى عن سيدنا ابن عباس، وهذا نظرا لضعف الأحاديث بكل طرقها.
#والأسلم في مثل هذه المواطن الركون إلى الاحتياط في مجال العبادات، سدا لذريعة الابتداع في الدين.
#على رغم ما يحتج به البعض من جواز الاستعانة والتعويل على الأحاديث الضعيفة في فضائل الأعمال.
#ولكن ما نحن فيه يتعلق بعبادة فيها صلاة، ودعاء، والنص العام الضابط في مثل هذه المواطن، حديث أصل البدع، الذي ترويه أمنا عائشة رضي الله عنها: "من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد" متفق عليه.
#وعليه: المعول هو ما ثبت عن سيدنا ابن عباس رضي الله عنهما: يحصل إحياؤهما بصلاة العشاء جماعة والعزم على صلاة الصبح جماعة , والدعاء فيهما".
وقد لا نرى جديد في كلام سيدنا ابن عباس، ولكن كان تنبيها، خشية الضعف والتخلف والاسترخاء بعد شهر من العبادة. و الله أعلم.
وهذا ونسأل الله عزوجل القبول
والتوفيق والسداد لما يحبه ويرضاه.
عيدكم مبارك وكل عام وانتم بخير
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال وغفر الله لنا ولكم.