ما حكم الغرامة الجزائية التي تجريها البنوك مقابل التأخير؟
الدكتور بلخير طاهري - أستاد الشريعة والقانون بجامعة وهران بالجزائر رابطة علماء أهل السنةالحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
لقد كثر السؤال عن هذه المسألة، خاصة في الآونة الاخيرة بعد فتح الدولة للقروض الاستهلاكية والاستثمارية، و أصبح المتحرين للحلال يترددون في الإقبال على هذه المعاملات بسبب هذه الشبهة المتعلقة بالغرامة الجزائية، أو العقوبة المالية آو الغرامة التأخيرية، أو الشرط الجزائي ...
حيث أنها تحمل صورة الذريعة المفضية إلى الربا....
أم أنها تعويض عن ضرر يجب اجباره من طرف المدين لتسببه فيه؟.
وحاصل المسألة مذهبان :
#المذهب الأول : القائل ببطلان هذا الشرط.
هذه خلاصة قرار مجلس المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي في دورته الـ 11 المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من يوم الأحد 13 رجب 1409هـ الموافق 19 شباط (فبراير) 1989 إلى يوم الأحد 20 رجب 1409هـ الموافق 26 شباط (فبراير) 1989.
في موضوع السؤال التالي: (إذا تأخر المدين عن سداد الدين في المدة المحددة، فهل له - أي بنك - الحق بأن يفرض على المدين غرامة مالية جزائية بنسبة معينة، بسبب التأخير عن السداد في الموعد المحدد بينهما؟).
#بعد البحث والدراسة، قرر مجلس المجمع الفقهي بالإجماع ما يلي:
(أن الدائن إذا شرط على المدين أو فرض عليه أن يدفع له مبلغاً من المال غرامة مالية جزائية محددة أو بنسبة معينة إذا تأخر عن السداد في الموعد المحدد بينهما، فهو شرط باطل، ولا يجب الوفاء به، بل ولا يحل، سواء كان الشارط هو المصرف أو غيره، لأن هذا بعينه هو ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه).
#المذهب الثاني: القائل بالجواز بشروط، وهو ما اشتهر عن العلامة الشيخ مصطفى أحمد الزرقا الأردني رحمه الله، وهو ما أخذت به كثير من البنوك (الإسلامية). وهو ما ذهب اليه الدكتور عبد الله بن منيع عضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية، ولكن في حالة المطل فقط.
#ويمكن اجمالها في الشروط التالية:
1- إذا كان المدين المماطل موسراً.
2- ألا يكون للمدين معذرة شرعية في تأخير الوفاء بالدين.
3- أن يقدر القضاء مقدار التعويض الذي يستحقه الدائن مقابل تأخر المدين في الوفاء، حيث لا يجوز الاتفاق مسبقاً بين الدائن والمدين على تحديد ضرر الدائن من تأخير الوفاء.
4- أن تحدد المحكمة مقدار الضرر والتعويض عنه بما فات الدائن من ربح معتاد.
====== خلاصة الأحكام وخروجا من الخلاف.
#أن الغرامة الجزائية جائزة وهذا بالنظر الى الاعتبارات التالية :
1_ ضعف الوازع الديني، والتهرب من سداد الدين.
2_ مطل الغني عن الوفاء عمدا.
3_ الضرر المرتب على الدائن من جراء تأخير التسديد.
4_ عدم وجود صيغة أخرى لجبر هذه الخسارة المعتمدة.
======= أما شروط الجواز :
1_ ألا يكون بناء على اتفاق مسبق بمقدار محدد.
لأنه يصبح ذريعة للتواطئ على الربا.
2_ أن يكون الضرر واقعا لا متوقعا.
3_ أن يكون قرار تشخيص الضرر من جهة قضائية مختصة.
4_ أن تقدير العوض من خبير مختص، بحسب الجسامة والأثر.
5_ أن ينفق في أو جه البر العامة، كما هو مقرر في بنود هذه البنوك الإسلامية. اي يجعل له صندوق خاص.
6_ إذا ترتب على هذه التأخير، غرامات على البنك جراء هذا التأخير فإنها تجبر منه.
وإن كان هذا الشرط الاخير لم ينص عليه، بناء على الشرط الخامس المقرر صرفها في أوجه البر.
وهذا طبعا ان التزمت به هذه البنوك باعتبار وجود هيئة رقابة شرعية تابعة لها.
=======أخيرا :
أقول كما قال الحكماء : ( أنه من أمن العقوبة أساء الأدب).
فلا بد من وجود قوانين منظمة لهذا الجانب من طرف الدولة حتى تقضي على تغول طرف على طرف او استغلال حاجة او ضيق طرف دون أخر.
ولا تترك الى هذه الهيئات التي تمارس بقوة عقود الاذعان سلطتها.
والواقع الذي أعرفه، ليس هناك شيئ مما ذكرته، وعليه فإن فتوى جواز الغرامة التأخيرية مرهون بتوفر هذه الشروط والالتزام بها.
======هذا والله اعلم.
======كتبه:
الدكتور بلخير طاهري الإدريسي الحسني المالكي الجزائري.
أستاذ الشريعة والقانون جامعة وهران _الجزائر _