السؤال: كثير مِن النساء اعتقل أزواجهن ومضى على ذلك سنوات، ولا تعرف الزوجة مكان زوجها ولا أحواله، وتأتي أخبار متضاربة عن موته وحياته، فكيف تتصرف المرأة؟ وهل تعتبره متوفًى؟ وإن لم تعرف مصيره فهل يجوز لها أن تطلب الطلاق؟ أم يحقّ لها أن تتزوج بسبب طول غيبته؟
الجواب: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعدُ:
فإذا فُقد الشخص فلم تُعرف أخباره فلا يُحكم بموته أو انفساخ عقد زواجه أو قسمة ماله إلا بحكمٍ مِن القاضي، وإذا طالت غيبة المفقود فلزوجته أن ترفع أمرها للقاضي لطلب التفريق للضرر، أو الحكم بالوفاة عند غلبة الظن بوفاته، وفيما يلي تفصيل ذلك:
أولاً: مَن غاب عن أهله وانقطعت أخباره، فلا يعلم مكانُه، ولا يُدرى أحي هو أم ميت، كمن كان أسيرًا، أو فُقد أثناء الحرب، فهذا الذي يسميه الفقهاء بالمفقود.
والأصل في المفقود أنه حيٌ، ولا يجوز ترك هذا الأصل لمجرد انقطاع أخباره، أو الشك في حياته؛ فـ “اليقين لا يزول بالشك”، واليقين مثل خبر الثقات مِن زملاء السّجن أو المعركة، المبني على العلم والمشاهدة، ولا يُكتفى بالظنون أو الأخبار المتناقلة.
وبناء عليه: فليس لزوجة المفقود أن تتزوج، كما لا يجوز لورثته قسمة ماله، إلا بعد أن يثبت موته ببينةٍ شرعيةٍ يصدر بها حكم القاضي، فإنْ تأكدت وفاته ابتدأت زوجته عدّتها مِن اليوم الذي تأكد وقوع الوفاة فيه، لا مِن يوم علمها بها.
وإن لم تتأكد مِن خبر وفاته إلا بعد الأربعة أشهر وعشرة أيام فإن عدتها تكون قد انقضت لأن ابتداءها من وقت الوفاة.
ثانياً: إذا طالت غيبةُ المفقود دون أن يعود إلى أهله فلزوجته أن تطلب مِن القاضي الحكم بوفاته، أو التّفريق للضّرر:
فإن اختارت الحكمَ بالوفاة لغلبة الظن بوفاته، فيحدّد القاضي الشرعي مدةً للانتظار، فإن لم يرجع خلالها حكم القاضي بوفاته، وللفقهاء في تحديد هذه المدة مذاهب.
وما يرجحه المجلس: أنَّ القاضي الشّرعي ينظر في كلّ قضيةٍ بحسب الظروف المحيطة بها، ويحدِّد مدةً للانتظار يغلب على الظن موتُه بعدها؛ لأنَّ حال المفقود وظروف الفقد تختلف مِن حالة لأخرى.
وهو ما قرره المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي في دورته (21) المنعقدة بمكة المكرمة لعام (1434ه).
فإنْ حكم القاضي بوفاته فتعتدّ امرأتُه عِدّة الوفاة أربعة أشهر وعشراً، تبدأ مِن يوم إعلان وفاته، ويحلّ لها بعد انتهاء العدة أن تتزوج، ولورثته اقتسامُ ماله.
فإنْ ظهر أنه حيٌ بعد ذلك: فيحقّ له أن يطالب بعودة زوجته إليه، فيفسخ القاضي النكاحَ الثاني، وتعتدّ المرأة منه (بثلاثِ حِيَضٍ)، ثم ترجع لزوجها الأول بعقدٍ جديدٍ، وإن لم يرغب في عودتها فله استردادُ المهر الذي دفعه لها مِن زوجها الثاني. وأيَّ الخيارين اختار، فليس له الرجوع عنه.
ويحقّ له أن يستردّ الأموال المتبقية بيد ورثته فقط دون ما أنفقوه منها؛ لأنه أُنفق بناء على حكم قضائي، فلا ضمان فيه.
ثالثاً: إذا ترتب على الزّوجة ضررٌ مِن غياب الزوج، إما لعدم ترك ما يكفي من النفقة، أو لخشيتها على نفسها مِن الفتنة، أو غير ذلك من وجوه الضرر، فلها المطالبة بفسخ النكاح لرفع الضرر.
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا ضررَ ولا ضِرارَ)، ومن القواعد الفقهية المقرَّرة: “الضرر يزال”، وإزالة هذا الضرر لا تكون إلا بعودة الزوج أو التفريق بينهما
ولا نرى للقاضي النظر في دعوى طلب التفريق إلا بعد مرور عام كامل من تاريخ الفقد أو الغياب لقلة الضرر قبل انقضاء هذه المدة وامكان احتماله واحتياطا لحق الزوج
وفي حال فسخ نكاح المرأة مِن زوجها الغائب قبل الدخول فعلى المرأة أن تردَّ المهرَ لذويه كاملاً، وأمّا إن كان الفسخ بعد الدخول فالمهرُ كاملاً مِن حقّها.
وسعيُ المرأة التي طال غيابُ زوجها وانقطعت أخباره وتضررت بذلك في فسخ النكاح عن طريق القاضي أولى مِن السعي بالحكم بوفاته؛ لأنّه لا أثر لعودة زوجها الأول على نكاحها الثاني في حال الفسخ.
رابعاً: إذا غاب الزوج غيبة غير منقطعة، بحيث يعرف خبره، لكن لا يمكن الوصول إليه، كالمسافر إلى بلاد بعيدة، أو المحاصر في منطقة ما، فزواجه باقٍ مستمر، لا يجوز لزوجته أن تتزوج بإجماع أهل العلم مهما طال بعدُه عنها، فإن تزوجت فالعقد باطلٌ، ويجب التفريق بينهما.
فإن تضررت مِن طول غيبته أو سفره: فلها أن تطلب التفريق مِن القاضي رفعاً للضرر، كما سبق بيانه.
وننصح المرأة بالصّبر على فراق زوجها، وعدم استعجال الفسخ، واحتساب الأجر في ذلك، لا سيما إذا لم يكن للزوج قدرة على الرجوع، إلا في حال الضّرر المحقّق عليها.
خامساً: إن كانت المرأة تعيش في المناطق المحررة: فترفع أمرها للمحاكم الشرعية مباشرة، وإن كانت في مناطق لا يوجد بها محاكم شرعية، كبعض دول اللجوء: فتوكِّل من يقوم برفع قضية لها أمام المحاكم في المناطق المحررة، سواءً كان فرداً أو مكتباً مختصا بذلك، وتحصل عن طريقه على حكم بالتفريق أو الموت.
ــــــ والله تعالى أعلم ــــــ
وقد وقع على الفتوى من أعضاء المجلس السادة العلماء:1ــ الشيخ أحمد حمادين الأحمد