شبهة استدلال المعتزلة على أن القرآن الكريم مخلوق بآية متشابهة
محمد بن علي بن جميل المطري
رابطة علماء أهل السنة
23/2/2015 ميلادي - 14/5/1437 هجري
وهي قوله تعالى: ﴿ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر:62]، ويتركون الآيات المحكمات التي تقدم ذكر بعضها، وهي صريحة في أن القرآن الكريم كلام الله غير مخلوق.
قال ابن القيم رحمه الله تعالى: "احتج المعتزلة على مخلوقية القرآن بقوله تعالى: ﴿ اللهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [الزمر:62] آية عامة في جميع الخلق لا يخرج عنها شيء من هذا الوجود أعيانه وأفعاله، وحركاته وسكناته، ولا يخصص بذات الله تعالى وصفاته إذ الباري سبحانه خالقٌ بذاته وصفاته وما سواه مخلوق له تعالى، ونفس اللفظ في الآية قد فرّق بين الخالق سبحانه وبين المخلوق، وصفاته تعالى داخلة في مسمى اسمه جل جلاله، فإن لفظ الجلالة "الله" اسم للإله تعالى الموصوف بكل صفة كمال المنزه عن كل صفة عيب ونقص ومثال، والخلق قسمان: أعيان وأفعال وهو سبحانه الخالق لأعيانه وما يصدر عنها من الأفعال". انتهى باختصار وتصرف يسير من كتاب شفاء العليل في مسائل القضاء والقدر ص53.
ويوجد جواب آخر عند أهل السنة وهو أنه عام مخصوص، يخص محل النزاع كسائر صفات الله من العلم ونحوه، فإن عموم "كل" في كل مقام بحسبه ويتبين ذلك بالقرائن، وبرهان ذلك قوله - تعالى - ﴿ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ ﴾ بالأحقاف:25] ومساكن قوم عاد شيء، ولم تدخل في عموم كل شيء دمرته الريح؛ وذلك لأن المراد تدمر كل شيء قابل للتدمير بواسطة الريح، وقال تعالى: ﴿ وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ [النمل:23] والمراد من كل شيء تحتاجه الملوك، ومثل هذا يفهم من قرائن الكلام، فمراد الهدهد أنها ملكة كاملة في أمر الملك غير محتاجة إلى ما يكمل به أمر ملكها ولهذا نظائر كثيرة والمراد من قوله تعالى: ﴿ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ ﴾ أي كل شيء مخلوق وكل موجود سوى - الباري - فهو مخلوق فيدخل في هذا العموم أفعال العباد قطعاً ولم يدخل في هذا العموم الخالق - تعالى - وصفاته - تعالى - ليست غيره لأنه - سبحانه وتعالى - هو الموصوف بصفات الكمال، وصفاته - تعالى - ملازمة لذاته المقدسة، ولا يتصور انفصال صفاته - تعالى - عنه بحال" انظر شرح الطحاوية ص185، وما بعدها.
ويستدل المعتزلة أيضا على أن القرآن الكريم مخلوق بآيات متشابهة لم يوفقوا في الاستدلال بها، وهي الآيات التي تبين أن الله جعل القرآن الكريم عربيا كقوله تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً ﴾ [الزخرف:3]، وهذا استدلال ظاهر الفساد فإن الفعل "جعل" إذا كان بمعنى "خلق" فإنه يتعدى إلى مفعول واحد كقوله - سبحانه - ﴿ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ﴾ [الأنعام:1] وإذا كان يتعدى إلى مفعولين لم يكن بمعنى خلق قال تعالى: ﴿ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً ﴾ [النحل:91].
قال الشنقيطي في أضواء البيان (6/396): "لفظة (جعل) تأتي في اللغة العربية لأربعة معان؛ ثلاثة منها في القرآن:
الأول: إتيان جعل بمعنى اعتقد، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا ﴾ [الزخرف: 19] أي: اعتقدوهم إناثاً، ومعلوم أن هذه تنصب المبتدأ والخبر.
الثاني: جعل بمعنى صير، كقوله: ﴿ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 15] وهذه تنصب المبتدأ والخبر أيضا.
الثالث: جعل بمعنى خلق، كقوله تعالى: ﴿ الحمد لله الذي خلق السماوات والأرض وجعل الظلمات والنور ﴾ [الأنعام: 1] أي: خلق السماوات والأرض وخلق الظلمات والنور.
الرابع: وهو الذي ليس في القرآن جعل بمعنى شرع، ومنه قوله:
وقد جعلت إذا ما قمت يثقلني ♦♦♦ ثوبي فأنهض نهض الشارب السكرِ