نبوءة معركة المصحف
الدكتور محمد الصغير - عضو مجلس أمناء الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين رابطة علماء أهل السنةمن القوانين الربانية، والقواعد القرآنية، عدم التعرض لما يعتقد الناس فيه القداسة، أو يتوجهون إليه بالعبادة، لئلا يكون ذلك ذريعة للتعرض للمعبود الحق، أو النيل من قداسة المقدس حقا.
يقول الله عز وجل: {وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ كَذَلِكَ زَيَّنَّا لِكُلِّ أُمَّةٍ عَمَلَهُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ مَرْجِعُهُمْ فَيُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (الأنعام: 108).
نهى الله سبحانه المسلمين عن سبّ آلهة المشركين التي يعبدونها من دون الله، مع أنها باطلة، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى سبّ المشركين للإله الحق تعالى وتقدس، انتصارًا لآلهتهم الباطلة، ومعاملة للمسلمين بالمثل.
قال ابن كثير رحمه الله:
“يقول تعالى ناهيا لرسوله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين عن سب آلهة المشركين، وإن كان فيه مصلحة، إلا أنه يترتب عليه مفسدة أعظم منها، وهي مقابلة المشركين بسب إله المؤمنين، وهو الله تعالى”.
وعلى نفس القاعدة ورد في الصحيحِ أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال: “مَلْعُونٌ مَنْ سَبَّ وَالِدَيْهِ”، قالوا : يا رسول الله، وكيف يسب الرجل والديه؟ قال:
“يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ فَيَسُبُّ أُمَّهُ”. انتهى باختصار من تفسير ابن كثير (3/ 314).
حرق القرآن الكريم
وفي المقابل نرى العالم الغربي الذي يدعي الإمساك بتلابيب الحضارة، يفرض بكل وسائل القوة، احترام أعلام الشذوذ والانحراف الجنسي وانتكاس الفطرة في كل المحافل والمنتديات، ولا يقبل المساس بها من باب صيانة الحريات، ومن الباب نفسه يسمحون بحرق القرآن الكريم ويعتبرون الاعتراض على ذلك تضييقا على حرية التعبير، في تلاعب بالمصطلحات خطير، حيث يؤمنون بالشيء وضده، ما دام ذلك يروج لمخططاتهم الشاذة، وينفث عن نفوسهم المعتلة.
كتب الشيخ محمد الغزالي قبل عقود كتابا أسماه “معركة المصحف” سبق فيه لكشف الداء، وبيان أن الغرب الصليبي عداوته الحقيقية مع القرآن الكريم، وأنه يخوض الحروب، ويدمر العمران ويحتل البلدان، من أجل حجب نوره عن العالمين، والحيلولة بين الناس وبين ما في الذكر الحكيم من تشريعات وقوانين، تضمن صلاح الناس في معاشهم، ونعيمهم يوم معادهم”.
وتتابعت الأحداث الآن، لتثبت أننا بالفعل نعيش معركة الباطل، مع كتاب الحق، حيث جعلت السويد من حرق المصحف عادة متكررة، تتم بإذن الحكومة، وتحت حماية الشرطة ورعايتها، حتى تفوقت السويد في الأشهر المنصرمة على فرنسا في محاربة الإسلام والتضييق على المسلمين، وحلت في المرتبة الأولى أوربيًّا متقدمة على صاحبة التاريخ القديم والحديث في الإجرام العتيد، لأن جريمة خطف أطفال المسلمين تحت سطوة “قانون السوشيال”، ودفعهم إلى أسر غير مسلمة، أو إلى زوجين من الشواذ عن الفطرة، حققت فيها السويد ما يسود الوجه، ويهدد المجتمع من الداخل، وستحصد عاجلا أو آجلا علقم ما غرست من عصبية جاهلية، وعنصرية عمية.
ولا يتناسب الرد الخجول، وبيانات الشجب والاستنكار، مع حجم الجرم الذي يكرره متطرفو السويد كل مناسبة، بل إذن ذلك جرّأ الصهاينة المحتلين على ارتكاب الجريمة نفسها في مساجد الضفة بفلسطين، والسؤال الذي يتبادر إلى الذهن: لو كان الحرق لعلم دولة من الدول، أو لرمز من رموزها، هل كان ردها سيكون بالدرجة نفسها من القصور والفتور؟
بريق أمل
لكن خفف سواد الأزمة الحالك، وأعطى بريق أمل في الرد المناسب، ما قامت به المملكة المغربية من استدعاء القائم بأعمال سفارة السويد بشأن جريمة حرق المصحف، واستدعاء سفير المغرب في استكهولم للتشاور إلى أجل غير مسمى.
وصرح الرئيس التركي طيب أردوغان بأن “من يرتكبون جريمة حرق المصحف الشريف في السويد، ومن يسمحون بهذه الجريمة تحت غطاء حرية الفكر، لن يبلغوا أهدافهم، وسنرد بأقوى طريقة ممكنة، حتى يتم محاربة المنظمات الإرهابية، وأعداء الإسلام بشكل قوي”. ووصف وزير خارجية تركيا الحدث بأنه عمل دنيء.
وبادر الإمام أحمد الطيب شيخ الأزهر باستنكار الجريمة، ونعى على حكومة السويد تواطؤها في ذلك، ودعا بوضوح إلى مقاطعة المنتجات السويدية، وقادت الهيئة العالمية لنصرة نبي الإسلام ﷺ حملة المقاطعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وتصدر وسم المقاطعة وسائل الإعلام المختلفة.
تفعيل المقاطعة والعمل على استمرارها واجب الشعوب، في استخدام هذا السلاح الحضاري المؤثر، لكن التأثير الأسرع والدور الأكبر يقع على عاتق الحكومات التي ينبغي أن تبدأ بطرد سفراء السويد، كرد مبدئي على جريمة بلادهم التي مست كل نفس مسلمة، وهذا اختبار سيظهر طبيعة العلاقة مع القرآن الكريم، ومكانته في نفوس من يؤمنون به حقا، ونؤكد هنا على دور المحامين الكبار والمنظمات الحقوقية في السعي لتجريم الإساءة إلى الأديان، والمقدسات الدينية كلها، وسنّ القوانين الدولية لذلك.
فلو أقدم شخص على حرق أي كتاب من كتب العلم في أي تخصص كان، أو الاعتداء على مخطوطة أثرية، لانتفض العالم حفاظا على العلم، وصيانة للتاريخ، ولا يختلف على هذا اثنان، فكيف بكتاب الله العزيز ووحيه إلى خاتم رسله صلى الله عليه وسلم، وكلمة الله الأخيرة إلى أهل الأرض!